x

محمد محمود ضربة مصرية- إماراتية... لأمريكا محمد محمود السبت 30-08-2014 20:58


رغم أن الغارات التي اتهمت الولايات المتحدة طائرات إماراتية بشنها على محيط مطار طرابلس انطلاقاً من قواعد مصرية الأسبوع الماضي لم تؤثر ميدانياً في مسار الصراع الدائر في ليبيا، فإن دلالاتها السياسية تتجاوز كثيراً أثرها المحدود على الأرض.

فالغارات التي أصدرت مصر والإمارات نفياً متوقعاً للمسؤولية عنها بعبارات محسوبة، يمكن اعتبارها انتقالاً من مرحلة الحرب بالوكالة بين حلفاء واشنطن الإقليميين إلى مرحلة المواجهة المباشرة، في تطور مربك للنظام الإقليمي المستقر تحت المظلة الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة.

صحيح أن الخلافات بين واشنطن وحلفائها العرب ليست جديدة، إذ كان التباين يظهر مع حليف أو أكثر عند كل منعطف إقليمي تقريباً. حدث هذا في حروب إسرائيل المتكررة، وقبل غزو العراق وبعده، وفي ظل حملة إدارة جورج بوش الابن لنشر الديمقراطية، وأخيراً مع اندلاع الثورات العربية.

لكن هذه التباينات لم تتجاوز إطار الخلاف السياسي أو المواجهة بالوكالة بين الحلفاء الإقليميين إلى مرحلة التدخل المباشر كما حدث في غارات طرابلس، وهو ما يفسر الانزعاج الأمريكي الشديد من تطور قد يكسر هذه المعادلة.

لهذا سُرِّبت قصة الغارات سريعاً إلى «نيويورك تايمز»، ثم أعقبها تأكيد وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين مسؤولية الإمارات ومصر عن الغارات، وتبعهما بيان أمريكي- أوروبي يحذر من تأثير التدخل الخارجي على «التحول الديمقراطي» في ليبيا.

المؤكد أن الموقف الغربي الذي عبر عنه البيان الأمريكي- الأوروبي ليس رفضاً للتدخل من حيث المبدأ، فالدول الموقعة على البيان كانت في حلف «الناتو» حين شن غارات شبه يومية إبان الثورة الليبية، كما أن قوافل السلاح القطرية والإماراتية التي تتدفق على الفرقاء الليبيين منذ شهور لها تأثير على «التحول الديمقراطي» يتجاوز كثيراً تأثير الغارات الأخيرة!

في هذا السياق، يعكس الاستنفار الأمريكي في مواجهة هذه الغارات تخوفاً من خروج المواجهة الإقليمية بين حلفاء واشنطن عن نطاق السيطرة، خصوصاً في ظل المعلومات عن فشل محاولات إدارة باراك أوباما في إثناء الإمارات ومصر عن استهداف ميليشيات الإسلاميين الليبيين المتحالفين مع قطر.

بكلمات أخرى، كانت الغارات الأخيرة ذروة اتجاه متصاعد بين الأطراف الإقليمية للتحرك بعيداً عن إرادة الراعي الأمريكي، في محاولة لحماية نفوذها ومصالحها. وجاء رد واشنطن تعبيراً عن قلق من تدحرج كرة الثلج تلك.

غير أن قدرة أمريكا على التأثير على حلفائها تآكلت كثيراً في ظل إدارة أوباما، بسبب الانسحاب الأمريكي المتزايد من الشرق الأوسط لمصلحة الانخراط مع دول تجمع آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما يعزز يقين اللاعبين الإقليميين بحاجتهم إلى التدخل المباشر لسد هذا الفراغ، إضافة إلى عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية لإطفاء حرائق المنطقة، وعلى رأسها «داعش».

الأرجح أن غارات طرابلس بداية لمرحلة جديدة من الحرب الإقليمية مرشحة للتوسع بين الفرقاء الخليجيين وحلفائهم، خصوصاً في ظل تزايد المؤشرات على صعوبة جسر هوة الخلافات الخليجية- الخليجية، ومخاوف السعودية والإمارات من تحميلهما كلفة التسوية المرتقبة مع إيران.

أضف إلى هذا أن السعودية والإمارات قد تعوضان ترددهما في طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي خوفاً من انضوائها تحت العباءة الإيرانية، بتصعيد حصار الدوحة وحلفائها الإسلاميين ميدانياً في ساحات المواجهة المفتوحة لإجبارها بالقوة على ما لم تفلح فيه الدبلوماسية المكوكية ومهل «الفرصة الأخيرة» التي لا تنتهي أبداً.

الخلاصة أن حلفاء واشنطن شبّوا عن الطوق وقرروا- كل بطريقته- محاولة رسم نظام إقليمي جديد يرث نظام ما بعد الحرب الباردة، من دون انتظار تدخلات الراعي الممزق بينهم. وهي محاولة تعد باندلاع مزيد من الحرائق التي تصاحب عادة التحولات الكبرى.

تويتر: Mohamed Hani (mohamedhani) on Twitter

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية