x

بلال فضل مأساة السيد بلال بلال فضل الإثنين 10-01-2011 08:04


«أن تكون مسنوداً فى مصر أو لا تكون.. تلك هى المشكلة».. عبارة كتبتها عقب محرقة مسرح بنى سويف عام 2005 والتى راح فيها نخبة من خيرة شباب مصر، وجدت نفسى أرددها وأنا أشاهد على موقع اليوتيوب فيديو شديد الإيلام لآثار التعذيب الموجودة على جسد الشاب السكندرى السيد بلال الذى يقول أهله، فى بلاغ قدموه للنيابة العامة، إنه لقى مصرعه خلال انتزاع ضابط بأمن الدولة اعترافات منه حول دوره فى تفجير كنيسة القديسين.


هل تسأل الآن أجهزة الدولة نفسها: ما الذى دفع أهل ذلك الشاب الذى وصفته الصحف بـ«السلفى» لتصوير ذلك الفيديو المؤلم قبل أن يقوموا بدفنه بسرعة بناء على أوامر أمنية؟، هذه ليست عادة المصريين، ليست طباعهم، فهم أناس يقدسون الموت ويمنحون الميت حصانة فائقة، بالتأكيد أيضا لم يكن أهل الشاب السكندرى خالد سعيد سعداء أبدا بانتشار صورة جسده مشوها على الإنترنت، سواء كانت صورة لآثار الاعتداء الذى تلقاه، أو صورة لآثار التشريح كما قالت الداخلية. الإجابة أن أهل الشاب السلفى خشوا على ابنهم المصير الذى لقيه خالد سعيد، أعنى مصير أن يتم تشويه سيرة ابنهم لإنقاذ رجل شرطة من العقاب، كل الناس الآن يسألون: طيب خالد سعيد وقالوا إنه ابتلع لفافة بانجو، هيقولوا إيه عن الراجل الملتحى ده، هل سيقولون إنه ابتلع لحيته ومات بسبب ذلك؟. يبدو السؤال جارحاً، لكنه للأسف صادق ومرير.


كلتا القضيتين الآن أمام القضاء العادل، ونحن نثق فى أن الله عز وجل سيظهر الحقيقة وسينعم على أهل الفقيدين براحة توقيع العقاب على الظلمة، لكن ذلك لا ينبغى أن يمنعنا من مناقشة تفاصيل خطيرة لا تتعلق بصلب ما يحقق فيه القضاء فى قضية السيد بلال، أتحدث عن تفصيلة نشرها موقع «الدستور الأصلى» تقول إن المرحوم السيد بلال ذهب إلى مقر مباحث أمن الدولة بالإسكندرية وهو يحمل بطانية، وقال لصديق له قابله قبل دخول المقر إن ضابط أمن الدولة استدعاه وقال له إنه لابد أن يأتى لكى يبيت فى الحجز يومين حتى ينتهى القلق الذى تشهده الإسكندرية فى ليلة عيد الميلاد، هذه التفصيلة بالتحديد هى أكثر ما آلمنى فى الموضوع كله، هناك يا ناس ياهوه مواطن مصرى تنازل عن حقوقه القانونية والآدمية طوعا لا كرها، هذا المواطن حتى لو قالوا إنه تم سجنه لمدة عامين فى قضية ما لم يتم إعلان تفاصيلها، لم يفكر للحظة فى أنه حتى عتاة المجرمين لديهم حقوق قانونية لابد أن يطالبوا بها، ولذلك بمجرد أن استدعاه الضابط بالتليفون حمل بطانية وذهب إليه، دون أن يعترض أو يسأله عن إذن النيابة أو يطلب منه الحضور بصحبة محام، لم يفعل شيئاً من ذلك كله، لأنه يعلم أن كل كلمة سينطقها سيكون لها ثمن باهظ، ولذلك ودع زوجته وابنه وأهله وحمل البطانية وذهب ليلاقى حتفه.


ببساطة لو كان هذا الشاب ابن أحد من المسؤولين المتنفذين أو رجال الأعمال الواصلين أو علية القوم أو حاشية علية القوم، وكان معتنقا لأفكار سلفية أو حتى جهادية، هل كان سيجرؤ الضابط على إحضاره إلى مقر المباحث بهذه الصورة، أم أنه كان سيبذل مجهوداً لكى يقوم باحتجازه بشكل قانونى بعد توفر إثباتات تدينه وتقف فى وجه الضغوط العاتية التى ستسعى للإفراج عنه فيما بعد، ولماذا لا يتم بذل نفس المجهود عندما يتعلق الأمر بواحد من أبناء غير المسنودين. بالطبع لا أتصور أن الضابط الذى قام باستدعاء السيد بلال كان يتصور أن صحته ستتدهور أثناء محاولة انتزاع الاعترافات منه، ربما لأنه قام بعمليات مماثلة قبل ذلك وكانت تمر دائماً على خير، لكنه بالتأكيد كان يعرف أنه يتعامل مع مواطن لن يصرخ طلبا لحقوقه، وكان يعرف أنه يتمتع بسلطات مطلقة بحكم حالة الطوارئ التى مكنته من اعتقال السيد بلال، ولكنها لم تمنع تفجير كنيسة الإسكندرية، باختصار وعلى عكس ما يظن البعض ليست المسألة أن السيد بلال سلفى ولذلك ليست له حقوق، بل المسألة أن السيد بلال مواطن غير مسنود ولذلك ليست له حقوق.


فى نهاية المقال الذى كتبته عن محرقة بنى سويف قبل سنوات كتبت فقرة هى للأسف الشديد صالحة لختام هذا المقال كأنها مكتوبة له خصيصاً، «السؤال الحقيقى ليس لماذا حدث ما حدث فكلنا سنتحدث كثيرا عن الإهمال والشموع والمواد القابلة للاشتعال وستتوه الحقيقة فى التفاصيل كالعادة، السؤال الحقيقى الذى لا يجب أن يتوه: هل يمكن أن يحدث ما حدث لأى من علية القوم أو الأثرياء أو المبسوطين أو المسنودين؟، بالطبع لا لن يحدث ذلك لأن لهؤلاء جميعاً دية وحياتهم تستحق ألف اهتمام ومليون احتياط ومليار إجراء سلامة. أن تكون مسنوداً فى مصر أو لا تكون. تلك هى المشكلة».


اللهم ارحم السيد بلال، وأظهر الحق من عندك قادر يا كريم.


[email protected]

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية