منذ عشرين عاما وقف العمدة سعد الله الرجل الخمسينى كعادته داخل محجره فى صحراء «سنور» يلقى تعليماته بحزم إلى عماله المنتشرين فى المكان، يبتعد قليلا بخطوات إلى الوراء ويكتم أنفاسه لمنع استنشقاء الأتربة الصادرة من تفجير جزء من المحجر لاستخراج «الألباستر» تتحجر عيناه لحظات ويُسرع بخطاه إلى فتحة ضيقة كشفتها عمليات التفجير. ينبش الأرض بكفيه لتوضيح الرؤية ليفاجأ بظهور حفرة عميقة أشبه بالمغارة. يأمر عماله بتفجير جزء آخر وينزل بنفسه عبر «سلبة» إلى أسفل للتحقق من المكان. تنطلق منه صرخة مدوية تكسر حاجز السكون الذى يخيم على المكان ويهلل كالأطفال، ينتقل بسرعة إلى مُخيم بجوار محجره يضم عددا من الجيولوجيين لإخبارهم باكتشافه مكانا أثريا بالمنطقة.
«لم ندرك وجود كهف «سنور» فى محافظة بنى سويف على بعد 175 كيلومترا فقط من القاهرة، يقول العمدة. رغم اكتشاف الكهف منذ عشرين عاما كاملة على يد العمدة سعد الله أحد أصحاب المحاجر بوادى سنور إلا أن أحدا لم يزره من وزراء البيئة حتى نشر هذا التحقيق، والذين يصل عددهم إلى 9 وزراء، يأتى فى نهاية قائمتهم الدكتور خالد فهمى وزير البيئة الحالى، ولم يُنشرعن الكهف سوى صور محدودة على شبكة الإنترنت نشرها أحد العاملين بالكهف بغرض الترويج له.
الوصول إلى محمية كهف «سنور» ليس بالأمر السهل. لم نستطع الوصول إليه فى زيارتنا الأولى رغم قطع المسافة الطويلة بسبب تخويف أهالى قرية سنور خشية قطاع الطرق والبدو المسيطرين على المحاجر داخل الجبل. نصح أحدهم بالتنسيق مع أحد العاملين فى أحد المحاجر المجاورة للكهف للوصول إليه بطريقة آمنة. تواصلت «المصرى اليوم» فى اليوم التالى مع إحدى موظفات جهاز شؤون البيئة بمحافظة بنى سويف التى رحبت بزيارة الكهف إلا أنها طلبت توفير سيارة كبيرة لرحلات السفارى وعدد من كشافات الإضاءة.
بعد التنسيق مع العمدة سعد الله، وصلت الصحيفة إلى مسافة كيلو متر من نزلة طريق «سنور» فى الطريق الصحراوى الشرقى، حيث بوابة لمرور السيارات يقف عليها عدد من الموظفين يقف أحدهم لاستشكاف ركاب السيارة القادمة. ويتساءل عن سبب الزيارة.
مدق غير مرصوف على مسافة 28 كيلو مترا داخل الصحراء هى الطريق الوحيد للوصول إلى كهف سنور وسط الجبال والرمال. تقطع الطريق عربات النقل الثقيلة على فترات متباعدة تُخلف وراءها سحابة ضخمة من الغبار الكثيف.
غياب لوحات إرشادية كدليل للوصول إلى كهف «سنور» واحدة من أسباب صعوبة الوصول إليه، الأمر الذى دفع الدكتور جبيرى أبوالخير، مدير محمية سنور، وعدد من العاملين بالكهف إلى التفكير فى طريقة بسيطة تُسهل على الزائرين الوصول دون عناء، خاصة أن جميع شبكات الاتصالات تنقطع لحظة المرور من بوابة عبور السيارات، فاتفقوا على وضع حجارة على امتداد طريق الكهف من الجانبين فى شكل منتظم لتحديد طريق المحمية للزائرين، مع حرصهم على وضع علامة فوسفورية على الحجارة لإضاءتها ليلا فى ظلام الصحراء الحالك.
ستون يوما استغرقها الجبيرى وثلاثة عمال فى رص الحجارة على الطريق ليلا ونهاراً لم يمل أحدهم من ذلك لأنه «يجمعهم حلم واحد» على حد تعبيره وهو «خروج كهف سنور إلى الضوء». يقول: «أحضرنا كسر رخام من بنى سويف إلى المحمية وبدأنا بتكسيره إلى قطع متوسطة، وقمنا بشراء بكرة فسفورية وقطعناها إلى أجزاء صغيرة وحرصنا على لصق العلامة الفوسفورية على حجر بين كل حجرين بشكل متناسق لإضاءة الطريق ليلا، واستغرقنا شهرين كاملين فى وضع الحجارة على طريق الكهف». ثلاثة مبان على أمتار متباعدة لمحمية كهف سنور أحدها مبنى إدارى لموظفى شؤون البيئة، وآخران عبارة عن مخازن تضم عددا من الكُتيبات الصغيرة للمحميات، وتعتبر هذه المحطة الأخيرة لسير السيارة بعدها السير على الأقدام هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الكهف، حيث لافتة تحذر من خطورة المنحدر الذى يمتد طوله إلى 700 متر. يقابل الزائر عند مدخل الكهف تل يصل ارتفاعه إلى 170 متراً تقابله صخرة ضخمة تقف شامخة يصل عمرها إلى 40 مليون سنة، حسب الجبيرى مدير المحمية، الذى يقول «لا يوجد أمن للدخول إلى الكهف الذى تقع فتحته على تبة صغيرة. عمق الكهف يصل إلى 120 مترًا تحت سطح الأرض».
تجربة الدخول إلى الكهف تعنى النزول فى ظلام دامس باستخدام سلالم خشبية متقاربة الدرجات. الظلام سببه تعطل المولد الكهربائى الذى يغذى الكهف، هنا يمكن معرفة سبب طلب موظفة جهاز شؤون البيئة إحضار كشافات.
هبوط الدرجات الأولى فى الكهف تعنى الانتقال من جحيم حرارة الصحراء التى ترتفع إلى أكثر من 40 درجة، إلى جو لطيف «لا تزيد درجة الحرارة فيه على 26 درجة صيفا وشتاء» حسب مدير المحمية التى تضم الكهف.
النزول إلى أسفل يعنى الانتقال إلى عالم مختلف من الألوان تعكسها وتضاعف من قوة إضاءة الكشافات. يشرح الجبيرى: «ساعدت شروخ الجبل الواسعة على نزول الأمطار والتى حفرت مجرى فى بطن الأرض، وذاب الحجر الجيرى بفعل الأحماض وتآكلت الصخور مما خلق هذه الأشكال».
تكوين الكهف حسبما شاهدت الصحيفة ومع شرح مدير المحمية «ينقسم الكهف إلى صالتين يمنى ويسرى، الصالة اليسرى من الكهف تظهر بها الهوابط والصواعد بصورة كبيرة نظرا لشروخ الجبل الواسعة فتشكلت بلورات كلسية تشبه الشعاب المرجانية متعددة الأحجام، وهوابط على شكل الشجرة وأخرى على شكل زهرة اللوتس وثالثة تشبه الشجرة. أما الصالة اليمنى يضطر فيها الزائر إلى الانحناء للمرور ولا يوجد بها شروخ كبيرة لذلك لا تضم صواعد وهوابط مثل سابقتها ولذلك من الممكن استخدامها كقاعة شرح للزوار فى حال قررت الحكومة تقعيل وتنشيط السياحة فى منطقة الكهف، أو إضافة وحدة للصوت والضوء» يتمنى الجبيرى ذلك.
لا يخشى مدير المحمية من المبيت فى الكهف، فهو يرى أنه كنز لا تقدره وزارة البيئة أو السياحة أو محافظة بنى سويف، ونستطيع من خلاله تنشيط السياحة إذا اعتنت به وزارة البيئة واستغلته بالشكل الصحيح. «لا ندرى أسباب تجاهل الوزارة للكهف رغم أنه من أندر كهوف العالم ويمكن تسويقه كمزار سياحى مهم. لو كان الكهف موجودا فى دولة أخرى لاعتنت به على أكمل وجه، لأنه سيدر عليها ملايين الجنيهات سنويا دون تجهيزات أو مصاريف كبيرة، مع إضافة مشروعات صغيرة بجواره لتقديم خدمات للزائرين» يشرح الجبيلى ثلاث مشاكل رئيسية تواجه كهف «سنور» وتعيق افتتاحه حتى الآن، مقترحا حلولا لها: «أول مشاكل الكهف تساقط بعض الصخور عند المنحدر فى المدخل بسبب ميل الأرضية، ونستطيع حل هذه المشكلة من خلال الترميم. ثانى مشاكله هى السير فى مدقات غير مرصوفة للوصول إليه، ومن الممكن حلها من خلال توفير طريق ممهد، وثالث المشاكل عدم وجود وسيلة للوصول إلى فتحته إلا بالصعود على سلم خشبى مرتفع، ويمكن التغلب على هذه المشكلة من خلال توفير مدخل أمن للزوار.. هذه أمور بسيطة ولا تحتاج الكثير من النقود».