x

«صُنع في مصر».. «الخيبة» راكبة أحمد حلمي (تحليل نقدي)

الثلاثاء 26-08-2014 16:53 | كتب: مجدي الطيب |
الممثل أحمد حلمي في لقطة من فيلم صنع في مصر الممثل أحمد حلمي في لقطة من فيلم صنع في مصر تصوير : other

لا يمكن الكتابة عن فيلم «صُنع في مصر»، أحدث أفلام النجم أحمد حلمي، من دون التطرق إلى اتهام مؤلفه مصطفى حلمي بأنه اقتبس تجربته الأولى من الفيلم الأمريكي Ted (إنتاج 2012) سيناريو وإخراج سيث ماكفارلن، وبطولة مارك والبرج وميلا كونيس، فقد عدت إلى الفيلم الأمريكي، وأيقنت، بعد مشاهدته، أن «حلمي» اكتفى باقتباس الفكرة، وليس الفيلم بأكمله!

يؤكد فيلم Ted على حقيقة أن السحر اختفى من عالمنا منذ زمن طويل، وأن البشرية لم تعد تؤمن بالأمنيات كسبيل لتحقيق الرغبات، ويهدي طاقم العمل الفيلم إلى «من فقدوا المخيلة الخصبة»، من خلال الصبي «جون بينت»، الذي يعيش مع والديه في بلدة خارج بوسطن الأمريكية، ويواجه صعوبة بالغة في اكتساب الأصدقاء، ويتوق بشدة إلى العثور على الصديق الذي يأتمنه أسراره، ويتخذ منه رفيق العمر، ومع مجيء أعياد «الكريسماس»، وقيام الأطفال صباح عيد الميلاد بفض صناديق هداياهم، يكتشف «جون» أن هديته عبارة عن «دب» سماه «تيد»، ولفرط فرحة الصبي همس في فراشه، وكأنه يُحادث «تيد»: «آمل حقاً أن يكون بوسعك التحدث لي». وحسب الثقافة الشعبية الأمريكية التي تقول إنه «لا يوجد أقوى من أمنية غلام صغير» فضلاً عن أن «جون» انتقى الليلة المثالية التي أطلق فيها «أمنيته» فإن الصبي يستيقظ في الصباح ليفاجأ بأن الدب يتكلم، ويود لو عانقه بوصفه الصديق المفضل لديه!

هنا.. وهناك

اقتبس مصطفى حلمي الفكرة الأجنبية «بغشومية»، لم يراع معها فارق الزمان والمكان والبيئة والثقافة، فمع احتفالات الغرب بالكريسماس تخترق أمنيات الأطفال الحُجب، ويُصبح «سانتا كلوز» مُطالباً بأن يُقيم سيرهم وسلوكهم، ويكافئ الصالح منهم، ويُعاقب الطالح بأن يتجاهله، ويحرمه من عطاياه، بل أن بعض العائلات المحافظة أو شديدة التدين تتصور، في عالم سيطرت فيه الماديات، وغابت الروحانيات، أن ما يحدث في ليلة الكريسماس هو من قبيل المعجزة التي يطل بها «المسيح» على الرعية، ويبرهن من خلالها على أنه مازال حياً في النفوس!

من هنا يمكن القول إن أمنية الصبي «جون»، في الفيلم الأمريكي Ted، كانت في محلها ولها ما يبررها، بينما اتسمت بالتهافت والتلفيق والسذاجة والسطحية في فيلم «صُنع في مصر»، إذ أن الطفلة «طمطم» (نور عثمان) تشعر بالاستياء لأن شقيقها الأكبر «علاء» (أحمد حلمي) صاحب متجر دمي الأطفال، لا يعيرها انتباهاً، ولا اهتماماً، ويتجاهل رغبتها في أن يوفر لها الدُمى التي تعينها على تقديم عرض مسرحي مدرسي ناجح، فتدعو الله أن تدب الروح في دمية «الباندا» التي يبيعها للأطفال، وتشاركها حياتها بدلاً من شقيقها الفاشل، المتغطرس، الذي يعيش لنفسه، ويراود كل من حوله، ابتداء من جارته «علا» (ياسمين رئيس)، التي تعمل في متجر ملابس يملكه والدها (عبدالله مشرف)، وأمه «هدى» (دلال عبدالعزيز)، وزوجها «إبراهيم» (بيومي فؤاد)، إحساس بأنه نرجسي وأن وجوده مثل عدمه!

هنا نلاحظ أيضاً أن الحياة التي تدب في «الباندا» لا تكاد تلفت انتباه أحد في الفيلم المصري، وكأنه حدث يتكرر صباح كل يوم، في حين يتحول الخبر إلى حدث فريد في الفيلم الأمريكي تتهافت وسائل الإعلام العالمية على ملاحقته، وإبرازه في صدر نشراتها، وتغطيته في برامجها، بوصفه معجزة لا تتكرر، وسرعان ما يصبح «تيدي» واحداً من أهم مشاهير العالم، بينما هو في الفيلم المصري كيان رخو هش، مطلوباً منه أن يُصلح الأخطاء التي ارتكبها «علاء»، ويُرمم صورته المهترئة في نفوس من حوله، لفرط ما ارتكب من سوءات، فها هي «الباندا» تؤجل الحجز على بطلنا، بواسطة البنك الذي يُطالبه بالقرض المستحق، وتنقذه من السجن، بعد أن وضعت يديها على ورشة تصنيع دمى الأطفال، التي لم تصل إليها أيدي اللصوص الذين سرقوا متجره، و«الباندا» هي التي أيقظت الشعور لديه بأن والده له حق عليه، بعدما أفنى عمره في تصنيع الدمى التي أحبها، وتمنى لو وظفها في عرض مسرحي جماهيري، قبل أن يرحل عن الحياة، في «كواليس العرض»، ولا يهنأ بتصفيق الجمهور!

تتبدل الأحوال على يد «الباندا»، التي انتشلت المتجر من خسارته، وفتحت خطوط اتصال للتعاون مع الشركات الصينية المتخصصة في لعب الأطفال، ووطدت العلاقة مع الجارة «علا»، كما أعادت الثقة للطفلة «فاطمة»، بعد أن حققت أمنيتها، ووفرت لها دمى العرض المسرحي، في حين بقي «علاء»، الذي تجسدت روحه في جسد «الباندا»، على حاله، ومبالاته واستهتاره، ونرجسيته المقيتة، وكأنه جسد بلا روح!

سيناريو ركيك

التقط «حلمي» ـ كاتب السيناريو ـ الفكرة من الفيلم الأمريكي، ولم يتقدم خطوة بعد ذلك، فالمواقف الدرامية ثقيلة الظل، والأحداث تسير ببطء كالسلحفاة، والمفارقات الكوميدية لا وجود لها، وطوال الوقت تتردد على مسامعك جمل حوارية، وتتابع مواقف درامية، تستشعر أنها مألوفة، وأنك استمعت إليها من قبل، ولا يفارقك الإحساس أن تركيبة الممثلين يعتريها خطأ في الاختيار والتوظيف، وأنك بصدد وجوه كثيرة لا لزوم لها، مثل: عبدالله مشرف، بالإضافة إلى الأم دلال عبدالعزيز وزوجها بيومي فؤاد، حتى لو قيل إن الغرض من وجودهما خلق شعور لدى المتلقي بالحياة الرتيبة، وأنها عائلة «مرفوعة من الخدمة» (سماعة الهاتف المرفوعة والمنسية من أول الفيلم)، فالحياة الرتيبة أحالت العمل نفسه إلى رتابة لا تُطاق، كما خيمت عليه الروح التعليمية الغليظة، والأسلوب المدرسي الخطابي، وبين الحين والآخر ترصد رؤية المخرج عمرو سلامة، التي تمزج بين الروح الطفولية والنزعة الإبداعية، عبر التوظيف الجيد لصورة أشرف جابر وديكور على حسام، وموسيقى أمير هداية، وملابس مي جلال، والاستعانة الرائعة بفنان العرائس محمد سلام، الذي تقمص جسد الباندا، وظل البطل الوحيد للفيلم مع الرائع طارق الأمير في دور الرائد «حسام»، وإدوارد بشكله الجديد في دور «أشرف»، مدير مستشفى الأمراض العقلية، لكنها عناصر سعت إلى تبديل شكل التجربة ولم تفلح في تغيير مضمونها الكسيح، وفلسفتها التي توقفت عند حد تكرار الأقوال المدرسية مثل: «من طلب العلا سهر الليالي»، «النجاح أن نقف كلما وقعنا»، وحتى الحكمة التي أراد الفيلم للجمهور أن يخرج بها من قاعة العرض، وتقول: «عش يومًا واحدًا تفعل ما تحب أفضل من أن تعيش مائة سنة في حياة شخص تاني» بدت ركيكة ومفتعلة للغاية، كونها افتقدت السلاسة، وافتقرت إلى الإقناع، بعكس الطرافة التي اتسمت بها بعض المشاهد، كالطفلة التي تذهب إلى المدرسة في الليل، وبائع البالونات في الليل، والغراب الذي أسقط البالون فأجهض محاولة الهروب، فضلاً عن مشهد قسم البوليس الذي كُتب بشكل غير تقليدي، واتسم حواره بخفة ظل، وحس كوميدي رقيق وغير مفتعل. أما الفشل الأكبر للمخرج عمرو سلامة فتمثل في تنفيذ مشهد تبادل الأدوار، والأرواح، بين البطل «علاء» وحيوان «الباندا»، إذ بدا ضعيفاً وخالياً من أي مسحة إبداع!

النهاية الملفقة.. وناقوس الخطر!

إلى ما قبل الدقائق الأخيرة التي سبقت ظهور عناوين النهاية، لا تكاد تجد علاقة بين عنوان «صُنع في مصر» وما شاهدناه من أحداث اقتربت مدة عرضها على الشاشة من الساعة ونصف الساعة، لكن، فجأة، وعلى غير توقع، رأينا البطل «علاء»، بعد أن سقط عنه مفعول لعنة شقيقته، وهو يُتابع في ورشة أبيه المحاولات الدءوبة لإحياء المهنة التي أفنى فيها الأب عمره، ونتلمس الخطوات التي تجري على قدم وساق لتصنيع دمى ذات طابع فولكلوري مصري، تمهيداً لتصديرها إلى الأسواق العالمية، بعد أن يتم الاستغناء عن ملصق «صُنع في الصين» واستبداله بمُلصق «صُنع في مصر»، في نهاية هي الأكثر سوءاً وتلفيقاً، كونها جاءت بعد سلسلة من المقدمات المرتبكة، والمواقف غير المستساغة، والأداء التمثيلي الباهت، خصوصاً من جانب أحمد حلمي، الذي يمثل لغزاً كبيراً في فيلم «صُنع في مصر»، يدعونا إلى التساؤل بجدية: «هل ثمة علاقة بين اتجاه الممثل الشاب أحمد حلمي إلى تأسيس شركة إنتاجية تحتكر تمويل برامجه وأفلامه الأخيرة، والهبوط الملحوظ الذي اعترى أسهمه في الآونة الأخيرة؟»، فالواقع يقول إن ثمة خللاً أصاب العملية الإنتاجية لأفلامه، وانعكس بالسلب على أدواره، فباستثناء باكورة إنتاجه في فيلم «عسل أسود» (2010) تأرجح مستوى أفلامه التالية: «بلبل حيران» (2010)، «إكس لارج» (2011) و«على جثتي» (2013)، وشهدت تبايناً كبيراً في رؤاها ومستواها مُقارنة بأفلامه السابقة :«كده رضا» (2007)، «آسف على الإزعاج» (2008) و«1000 مبروك» (2009). وربما يمكن القول إن جرعة الجرأة والمغامرة زادت أكثر في الأفلام التي أنتجها بواسطة شركته، لكنها ظلت جرأة شكلية مشوبة بتكرار ما من ناحية الموضوع، ففي غالبية أفلامه هو «الحاضر الغائب»، الذي يكتشف أنه يعيش لنفسه، ولا تؤرقه سوى همومه، وفي اللحظة المناسبة، التي تأتي بمثابة النهاية السعيدة، يستيقظ من أوهامه، ويعود إلى رشده وصوابه، ويُدرك أن النرجسية آفة مدمرة تصيب الإنسانية في مقتل، وهي «الثيمة» نفسها التي اعتمد عليها «حلمي» الممثل في فيلم «صُنع في مصر»، لكن الشحوب زاد أكثر، والاستسهال بدا واضحاً، سواء على صعيد اقترابه من تقمص الشخصية، ومراعاة أبعادها النفسية والاجتماعية، أو من جانب قدرة كاتب الفيلم مصطفى حلمي على إيجاد مبررات للفكرة، وتوفير البيئة الصالحة لانطلاقها، وحشد الأسباب التي تدعو للقبول بها، والتعاطف مع أبطالها، وتصديق نتائجها!

المشكلة «ميسي»

مشكلة فيلم «صنع في مصر»، في رأيي، ليست في توقيت عرضه، الذي جاء في أعقاب تشبع الجمهور من تجربة أحمد حلمي في المسلسل الرمضاني «العملية ميسي»، وإنما في حالة «الصربعة» التي أصابت هذا الممثل، وباتت تحول بينه والدراسة المتأنية لمشروعاته الفنية، والاختيار الرصين لأدواره الدرامية، فضلاً عن الثقة المفرطة التي صارت تلازم تفكيره، وربما تمنحه شيئاً من الغرور يدعوه للإنصات إلى نفسه فقط، ويُهمل كثيراً انتقاء طاقم العمل المعاون له، وهي المصائب التي ابتلاه بها الله في تجربة «صُنع في مصر» فكانت النتيجة الوخيمة التي جعلت أقرب الناس إليه يتمنون لو أن إيرادات فيلمه اقتربت من إيرادات فيلم «الحرب العالمية الثالثة» وتفوقت على إيرادات «عنتر وبيسة».. وسبحان مغير الأحوال!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية