x

علاء عبدالفتاح.. الجسد ميدان المقاومة الباقي (بروفايل)

الإثنين 25-08-2014 17:52 | كتب: عزة مغازي |
جلسة محاكمة علاء عبد الفتاح جلسة محاكمة علاء عبد الفتاح تصوير : حسام فضل

في السادس من أغسطس الجاري نقلت المواقع الإلكترونية صورة جديدة لعلاء عبدالفتاح من داخل قفص محبسه، أثناء نظر القضية التي وُجِّه له فيها اتهام بالدعوة للتظاهر أمام مجلس الشورى، بعد ساعات قلائل من إقرار الرئيس المؤقت عدلي منصور لقانون التظاهر.

وجّه علاء في هذه الصورة كان مختلفًا عن كل صوره العديدة الشبيهة من داخل قفص الحبس، الذي خطى إليه مرارًا في تهم متفرقة منذ عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك مرورًا بكل من تلوه على رأس السلطة انتهاء بالنظام الحالي، هذه المرة غابت الابتسامة عن الوجه وحملت العينان أثر الغضب لا الإصرار.

بعد أيام من تلك الجلسة، خضع المحامي والمناضل الحقوقي «أحمد سيف الإسلام حمد» والد علاء لجراحة قلب مفتوح، تعرض بعدها لمضاعفات لم يدر بها علاء، الذي جاء من سجنه لزيارة أبيه، بعد تقدم الأسرة بعدة طلبات للنائب العام، للسماح لعلاء المحكوم عليه بالسجن خمسة عشر عامًا بتهمة الدعوة للتظاهر، وشقيقته سناء المحبوسة على ذمة قضية المشاركة في مسيرة ضد قانون التظاهر، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«مظاهرة الاتحادية،» لزيارة والدهما.

عقب الزيارة، قرر علاء الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، ونقلت أسرته عن لسانه في بيان نشرته عبر فيس بوك مساء الثامن عشر من أغسطس: «لن ألعب الدور الذي رسموه لي».

وأضافت الأسرة في بيانها: «علاء في السجن للمرة الثالثة منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وفي كل مرة تأتيه السلطة- أيا من كانت- بتهمة وهمية جديدة. وقد كلفه ذلك الكثير.. وأخيرا جاء ما لم يستطع تحمله وهو أنهم منعوه من الوقوف إلى جانب أبيه ومساندته، حين دخل ليجري جراحة قلب مفتوح. ومنعوه من زيارته إلى أن غاب عن الوعي».

لحق علاء عبدالفتاح بقائمة آخذة في الازدياد من المسجونين المضربين عن الطعام، احتجاجاً على ما يرونه استمراراً من الدولة ومؤسساتها القضائية والأمنية في استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة، فاليوم الخامس والعشرين من أغسطس، بينما يتم علاء أسبوعه الأول مضربًا عن الطعام، يدخل محمد سلطان يومه رقم 221 في الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على استمرار سجنه عقب القبض عليه لإجبار والده القيادي الإخواني «صلاح سلطان» على تسليم نفسه للسلطات الأمنية.

مرت على «سلطان» 5 أشهر دون أن توجه له النيابة اتهامًا أو تقدمه للمحاكمة، ليبدأ في إضرابه الممتد عن الطعام في السادس والعشرين من يناير الماضي للمطالبة بتقديمه للمحاكمة وإعلان التهم الموجهة إليه أو إخلاء سبيله. وتلاه إبراهيم اليماني الذي يدخل إضرابه الإثنين، يومه رقم 132. ومعتقلين آخرين انضموا تباعًا إلى الإضراب عن الطعام، منهم مسجونين بلا اتهامات ومنهم مسجونين في قضايا تتعلق بقانون التظاهر الذي انتقدته منظمات حقوقية دولية ومحلية وأسماء محسوبة على التيار القومي المقرب من الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

وتعد المحامية والناشطة الحقوقية «ماهينور المصري» الصادر ضدها حكمًا بالسجن عامين بتهمة الدعوة للتظاهر أحدث المنضمين لقائمة المضربين عن الطعام، احتجاجًا على سريان القانون واستمرار الحبس الاحتياطي وسجن الأصوات المعارضة، وبدأت في إضرابها المفتوح يوم الأحد.

تعد هذه أكبر موجة إضرابات، مسجلة، عن الطعام في السجون المصرية منذ عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، قبل سجنهم كان هؤلاء النشطاء أنفسهم «علاء عبدالفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة وماهينور» من أكبر الداعمين عبر وسائل الإعلام الجديدة لما سمي «معركة الأمعاء الخاوية»، التي خاضها أسرى فلسطينيون في سجون الاحتلال الاسرائيلي، مستلهمين حركة الإضراب عن الطعام التي قام بها نشطاء سياسيون أيرلنديون منخرطون في الجيش الجمهوري الأيرلندي خلال مرحلة اعتقالهم في السجون الإنجليزية في مطلع الثمانينيات.

في كل حالات الإضراب المسجلة داخل السجون تسعى السلطات للتدخل لمنع ووقف الإضراب، باعتباره كسرًا من السجين لسيطرة السلطة على جسده عبر السجن، في كتابه المراقبة والعقاب يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، إن ابتداع فكرة السجن في جوهرها، تثبيت لاحتكار السلطات لأجساد مواطنيها، فحصار الجسد القائم داخل السجون وتطويعه عبر آليات العقاب والمراقبة المستخدمة تتجلى فيه سيطرة السلطات على كل ما يتصل بالأفراد وأجسادهم.

معركة السيطرة على الجسد يدركها علاء عبدالفتاح، وأدركها من قبله عبدالله الشامي الذي حاولت السلطات الأمنية كسر إضرابه عن الطعام أو نفي ذلك الإضراب عبر تسريب صور مشكوك في صحتها تشكك في استمراره في الإضراب.

ويسجل التاريخ قيام السلطات الأمنية في دول عدة بالتدخل لإجبار المساجين المضربين عن الطعام على كسر إضرابهم بالقوة أو طواعية.

ففي أول حالة تاريخية مسجلة للإضراب في السجون، قامت بها سيدات بريطانيات سُجِنّ من أجل نضالهن للحصول للمرأة على حق التصويت في الانتخابات العامة عام 1909. وقتها بدأت «ماريون دانلوب» إضرابها عن الطعام، احتجاجاً على سجنها وزميلاتها. ومع إصرارها على الاستمرار في الإضراب اضطرت السلطات للإفراج عنها «حتى لا تصير شهيدة». ومع دخول المزيد من زميلاتها في الإضراب، لجأت سلطات السجن لإجبارهن على تناول الطعام عنوة بعد تكبيلهن، ووضع أنابيب الطعام في معداتهن. وقتها سربت الصحف صورًا لعملية الإطعام القسري، لتثير الصور الرأي العام البريطاني، خاصة بعد مصرع الراهبة ماري كلارك أثناء إطعامها قسرًا على يد سلطات السجن.

غيرت إدارات السجون من سياساتها تجاه الإضراب عن الطعام، لكنها استمرت في اعتقال المدافعات عن حق المرأة في التصويت إلى أن أدت ضغوطهن وإضراباتهن داخل السجون وخارجها لانتزاع حقهن وحق النساء في التصويت. لتنتقل حركة الإضراب عن الطعام لسجينات الولايات المتحدة اللائي نجحن لاحقًا في انتزاع حقهن في التصويت عبر انتصارهن في معاركهن، وعلى رأسها معركة الأمعاء الخاوية.

الإضراب عن الطعام انتصر في إيرلندا مرتين، استلهم الإيرلنديون من تراثهم تقليد الإضراب عن الطعام لوصم الخصم، فمارسوا الإضراب منذ عام 1917 داخل السجون البريطانية، ومات بعضهم خلال محاولات الإطعام القسري، وسجل جون وبيتر كراولي الإيرلنديين عام 1920 رقمًا قياسيًا بلغ 99 يومًا من الإضراب المستمر عن الطعام دون إطعام قسري.

ويسجل موقع «Irish Hunger Strike» وقائع الإضرابات التي شارك فيها مئات الإيرلنديين في السجون البريطانية، والتي امتدت حتى ثمانينيات القرن العشرين، وانتهت بانتزاع حقوق المسجونين السياسيين الإيرلنديين، بالإضافة لتحسين صورة الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي كانت السلطات البريطانية قد نجحت في وصمه دوليًا وإعلانه منظمة إرهابية. وسجل المخرج الأمريكي ستيف مكوين وقائع إضراب 1981 الذي قام به ثوار الجيش الجمهوري الإيرلندي في فيلم حاز على الكاميرا الذهبية بمهرجان كان عام 2008 باسم Hunger.

يقول «ميشيل فوكو» في كتابه المراقبة والعقاب- ولادة السجن: «إن السجن في جوهره ليس إلا تكنيك السلطة في إخضاع الجسد واستثماره، وإن الذات يمكن ترجمتها هنا بالشخصية الحرة» يجري اكتسابها عبر آليات المقاومة ورفض الخضوع لآليات السلطة في حربها المستمرة للسيطرة على أجساد ومصائر الأفراد، فالجسد شاهد على حقل ممارسة السلطات لقوتها وسيطرتها. يدرك علاء عبدالفتاح الذي يتمنى ألا يحتفل بميلاده الرابع والثلاثين في السجن بحلول الثامن عشر من نوفمبر المقبل، أن جسده هو ميدان المقاومة الباقي، وأنه بإعلان إضرابه يعلن أنه يملك هذا الجسد ويملك التحكم فيه والاحتجاج من خلاله».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية