للأدب الأوروبى الحديث مرجعان كبيران؛ الإنجليزى شكسبير فى الشعر والمسرح، والإسبانى سرفانتس فى الرواية. وكلاهما يضمر صورة للمسلم المتخلف. وفى أدب شرق القارة العجوز يبدو العداء أكبر.
«جسر على نهر درينا» رواية اليوغسلافى إيفو أندريتش تقدم صورة للتركى المسلم الذى لا يعرف الرحمة. وهذه الرواية بالذات تفسر القسوة التى شهدناها فيما بعد فى حروب العرقيات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتى. الازدراء نفسه نجده فى كتابات اليونانى نيكوس كازنتزاكس. ولا تتسع المساحة هنا لكل تجليات صورة المسلم المتوحش فى الأدب الأوروبى.
ومن الطريف أن الأوروبيين يستخدمون كلمة «تركى» للإشارة إلى المسلم، وهذا ما جنته الإمبراطورية العثمانية التى فرضت علينا التخلف فى بلادنا، وفرضت علينا صورة بشعة لدى الأوروبيين!
وللإنصاف.. فإن المسلم المتوحش اليوم ليس تركيًا نقيًا. صحيح أن تركيا الإخوانية تحمل رخصة للتصنيع، لكنها ليست الوكيل الوحيد المفوض من الولايات المتحدة صاحبة براءة اختراع الإرهاب الإسلامى.
أطلقت أمريكا الوحش ولم تزل ترعاه، من القاعدة إلى داعش. ودائمًا التمويل مضمون من فوائض النفط العربية. وإذا كان من الطبيعى أن تأمر أمريكا دويلات صغيرة فتطيع، فمن الغريب أن تجر وراءها أوروبا إلى هذه اللعبة الخطرة.
سؤال ضرورى، خصوصاً فى ملف الإرهاب، لأن التجاور بين أوروبا والمنطقة العربية يجعل أوروبا هدفاً لغزو الإرهاب، وغزو الهاربين من الإرهاب على السواء. كما أن أعداد المسلمين الذين يحملون الجنسيات الأوروبية ليست بالهينة، فهى تتراوح ما بين 5 و6 ملايين فى فرنسا، ونحو 4 ملايين فى ألمانيا، وأكثر من مليونين فى بريطانيا.
ورغم أن الولايات المتحدة ليست خالية من المسلمين، إلا أنهم أقل عزلة من مسلمى أوروبا، وبالتالى فإن الأفكار المتطرفة أقل انتشارًا بينهم بعكس الحال مع مسلمى أوروبا.
ولذلك كان انهيار برجى نيويورك بفعل «غزوة خارجية» بينما وقعت معظم العمليات الإرهابية فى أوروبا الغربية بأيدى إرهابيين يحملون جنسيات بلدانهم. وبينما أخذت أمريكا تستنفر العالم ضد داعش مؤخراً على خلفية ذبح الصحفى فى العراق، كانت بريطانيا تتحدث عن المواطنة «خديجة دارى» التى تسمى نفسها «مهاجرة الشام» وأطلقت فيديو تحمل فيه الكلاشينكوف، معلنة انضمامها لداعش، متعهدة بقطع رؤوس الأوروبيين!
وبهذه المناسبة السعيدة، اكتشفت بريطانيا أن عدد المسلمين من مواطنيها فى صفوف داعش يبلغ ألفى مقاتل، وهذا ضعف عدد المسلمين فى الجيش البريطانى. وبإضافة أعداد الداعشيين فى البلدان الأوروبية الأخرى، يبدو الخطر جديًا، لا تمنعه إجراءات نزع الجنسية التى تفكر بها النمسا وبريطانيا، بل يُحتم على القارة العجوز الاستيقاظ والتصرف باستقلال عن أمريكا، حتى لا تجد نفسها ولاية أو عدة ولايات فى دولة الخلافة الداعشية.
لا تحتاج أوروبا سوى قليل من النزاهة كى تدرك أن مصالحها تتحقق مع وجود ديمقراطية حقيقية جنوب المتوسط، وليس مع إفشال التحول الديمقراطى وخلق ثقب أسود لتجميع الإرهابيين على حدودها.
لن تستفيد القارة العجوز شيئًا إذا خسرت نفسها وكسبت بضع روايات تتحدث عن مسلمين متوحشين ساهمت فى صنعهم!