تبدو طبيعة أهل قرية الأبطال، التابعة لمركز القنطرة شرق فى الإسماعيلية، واضحة من المنازل ذات الدور الواحد، التى لايزال بعضها مبنيا بالطين، والطريق الترابى الذى يخترق المنطقة، التى وصف سكانها أنفسهم بأنهم «ضحايا»، مشروع قناة السويس الجديدة، التى تطلب شقها «التضحية بمنازلهم وأراضيهم»، التى شاء حظهم أن تكون فى موقع حفر القناة الجديدة، فيما شدد آخرون من سكان المنطقة على أن أرواحهم وممتلكاتهم فداء لمصر، ولمشروع القناة، وطالبوا فى الوقت نفسه بتعويضهم ماديا، عن ممتلكاتهم التى سيخسرونها بسبب أعمال الحفر.
«إحنا عايشين هنا من 30 سنة، وواخدين الأرض دى جبل، أخدنا 3 فدادين، ونحن 6 أسر نعيش على هذه الأرض التى نزرعها بالمانجو».. كلمات جاءت على لسان رمضان جودة أحمد، أحد سكان منطقة «المغذى الرئيسى»، التابعة لقرية الأبطال.
وأضاف: «تانى يوم لخطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكأن مافيش بنى آدمين عايشين هنا، اللوادر نزلت الأرض والحفارات، وبدأوا يشتغلوا فى حفر أرضنا المزروعة دون سابق إنذار ودون أن يقولوا لنا إنهم سيقومون بتعويضنا، وكان الرد الوحيد الذى حصلنا عليه أن الخرائط الخاصة بالمشروع لا تفيد بوجود أى مساكن أو أراض هنا، وأن هذه الأرض ملك لهيئة قناة السويس، ونحن تعدينا عليها بوضع اليد، لكن الحقيقة أننا نملك أوراقا ومستندات رسمية تفيد بحصولنا على حيازة زراعية لهذه الأراضى».
وقالت صابرين محمد أحمد: «أنا من الأصل من محافظة الشرقية، بعنا أراضينا وجينا هنا، أملك فدانين أنا وأبنائى الاثنين، بقالى 30 سنة هنا، منهم 10 سنين من غير كهربا ولا مياه ولا شبكة صرف صحى، عمرّنا الجبل وزرعنا الأرض ويا دوب بتدينا رزق بعد ما فضلنا سنين نراعيها».
وأوضحت: «ماحدش قالنا إن دى أرض هيئة، الحكومة وصلّت لنا مرافق ووافقوا على وجودنا من 20 و30 سنة، والنهاردة بيقولوا إننا معتدين، لدينا فواتير الكهرباء والمياه التى تثبت اعتراف الحكومة بوجودنا».
واستعرض أحمد جودة إيصالات الكهرباء والمياه الصادرة باسمه، قائلا: «عمرى 48 سنة، قضيت منها 30 عاماً هنا فى القرية، وأعمل منذ 20 عاماً باليومية لأدخر 100 ألف جنيه لأبنى بيتى وقد أتممت بناءه هذا العام، وبعد كل ها العمر ستقوم جرافات المشروع بهدمه، الهيئة كانت فين من 30 سنة، ونحن نسدد ضرائب عقارية، ونستلم الكيماوى من الجمعية الزراعية، وأطفالنا يتلقون تعليمهم بمدارس تم بناؤها بالقرب من القرية، وهذا المكان مصدر رزقنا الوحيد».
وقال على محمد سليم، إنه يعيش فى القرية منذ 15 عاما، ويشرح أنها مكونة من ثلاث مناطق رئيسية هى: عزبة أبو خوص، والإرسال، والمغذى الرئيسى، وكل واحدة لا يقل عدد سكانها عن 500 أسرة.
وأضاف: «منذ بدء المشروع ونحن نعيش فى جحيم، فهناك من هدم منزله الذى يعيش به منذ أن ولد، وهناك من رأى بعينه أرضه التى ظل يزرعها لسنوات بأشجار المانجو تقتلع من الأرض، ولوادر المشروع تمر بين منازلنا وتدخل أرضنا ولا نستطيع أن نحرك ساكناً».
وقال حسين محمد محمد حسين، أحد شباب القرية: «قابلنا قائد المعسكر المتمركز أمام مسجد الرحمة، وقلنا له كان من المفترض أن يتم إنذار أهالى القرية قبل البدء فى أعمال إزالة القرية بأكملها، فأكد لنا أنه سيتم بحث الأمر، وفى نفس التوقيت الذى كنا نتحدث معه فيه، كانت جرافات المشروع تقلع أشجارنا ومنازل بعض سكان القرية!».
تمسك بهيكل الصندوق الخلفى لسيارة نقل، حيث وضع أثاث منزله الذى جمع ما استطاع منه ليبحث عن مكان آخر يسكنه.. مازن محمد المهدى، الذى كان فى طريقه للرحيل عن القرية، يقول: «أنا أصلا من الإسماعيلية، لكن عشت هنا منذ ما يزيد على 15 سنة، واللى حصل إن جرافات مشروع القناة دخلت على البيت، فجمعت اللى أقدر عليه من العفش واتحركت، ومش عارف لا هاروح فين ولا هاعمل إيه؟!».
لا يختلف الأمر كثيراً داخل منزل محمد السيد إبراهيم، الذى فكك أثاث المنزل ووضعه فى الطرقات وعلى درجات السلم ليحمل منه ما يستطيع حيث تدك أظافر الجرافات جدران منزله.
وقال «محمد»، متزوج منذ 9 أشهر، إنه لا يعلم أين سيذهب بأسرته وأثاث منزله الجديد، مشيرا إلى انصياعه لأمر الجيش، وأن والده جاء إلى القرية بحلم تعمير الأرض الصحراوية، وبالفعل نجح وغيره من سكان القرية فى ذلك، وبعد أن بدأت أشجار المانجو تعطى خيرها بعد انتظار 6 سنوات جاء قرار التهجير دون أى إيضاحات، وتابع: «على الأقل يعرفونا هانتصرف إزاى!».
محمد محمد المهدى، يتذكر فترة تجنيده فى القوات المسلحة، قائلا: «أنا حاربت فى الجيش سنة 1967، ودخلت الجيش تانى سنة 1971، وكنت فى أول نسق عبر إلى سيناء قبل نصب المعابر ومرور القوارب المطاطية بالفرقة 16، واللواء 112 مشاة مع الكتيبة 136 تحت أمرة المقدم صلاح الدين مجاهد، واللواء عادل يسرى، قائد الفرقة 16، وبعد الحرب والنصر، وبعد ما سألونى عايز أرض ولا وظيفة، قلت أنا فلاح وهاخد أرض، وروحت المكتب العسكرى بقسم الضواحى بالإسماعيلية، والناس استلمت فى الكيلو 9 بالقنطرة، ومالقيتش اسمى، وبعد سنين مبارك قال الأرض لمن يزرعها فى سيناء، وجينا هنا، وحولنا الجبل زرعة خضرا، ودلوقتى الحكومة عاوزة تموتنى وتاخد الأرض».
يشرح «المهدى»: «أنا عايز أقول إننا مع (السيسى) ونبيع (خلجاتنا) علشان مصر مش بس بيوتنا، وأرواحنا كمان، وعارفين إن المشروع ده لينا ولولادنا، بس ضرورى يعوضونا عن بيوتنا وأرضنا وإلا مش هانستفيد من المشروع، ولا هايبقى لينا ولاد وأحفاد يستفيدوا منه، لأننا هانموت بدون أرض ولا سكن».
شيرين الحداد، المحامية التى تساعد السكان، تعرض أوراقها التى توضح أن وزارة الزراعة والإسكان والكهرباء قدمت لها أكثر من إثبات ودليل على ملكية أهالى قرية الأبطال لأراضيهم ووحداتهم السكنية بمستندات يعود تاريخها لأكثر من 24 عاماً. «المصرى اليوم» اطلعت على المستندات وحصلت على صور ضوئية منها، وهى عبارة عن بطاقات الحيازة الزراعية التى تصدرها وزارة الزراعة للفلاحين، ويعود تاريخ أولها إلى عام 1990، فيما صرف الأهالى بموجب تلك البطاقات الأسمدة والبذور وحصة الكيماوى المخصصة للأراضى التى تطلب منهم هيئة قناة السويس الآن الهجرة منها.
تقول المحامية: «منذ 15 عاما قامت وزارة الكهرباء بإنشاء شبكة كهرباء وأعمدة إنارة للقرية، كما قامت الدولة بإدخال جميع المرافق، وتلقت نظير ذلك مقابلاً مالياً بمجرد حصول الأهالى على الخدمات، وهو ما يعتبر اعترافا رسميا بوجود قرية الأبطال»، مشيرة إلى أنها ستقيم دعوى ضد وزارة الزراعة وهيئة قناة السويس، تتهمهما فيها بالاستيلاء على الأماكن التى تم تخصيصها للأهالى لأغراض تتعلق بالمنفعة العامة، وبناء على النصوص القانونية لابد من تعويض مادى أو مثل ما تم نزعه منهم، وهو ما لم يتم حتى الآن بعد بدء عملية تهجيرهم وطردهم من أراضيهم».
واطلعت «المصرى اليوم» على صور ضوئية من مخاطبات الإدارة المركزية للملكية والتصرف بهيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية التابعة لديوان عام وزارة الزراعة، والتى وجهتها لعدد من الأهالى، رداً على طلب تقدموا به لتملك أراضيهم، فيما جاء الرد مؤكداً انتظار تحديد موعد للقيام بالمعاينة والإرشاد عن المساحات محل طلب الأهالى، ويعود تاريخ المخاطبات إلى عام 1998، فيما أكد الأهالى أن رفض طلبهم يعود إلى عدم السماح بتملك أراض فى سيناء، بينما اعترفت الحكومة بحيازتهم الأراضى الزراعية والوحدات السكنية.