في مقطع فيديو قصير لا تتجاوز مدته دقيقتين، يرفع شخص وهو داخل سيارته المتوقفة على بعد قرابة 100 متر من نقطة تفتيش في منطقة اليرموك في بغداد ورقة كتب عليها اسم «الدولة الإسلامية».
ويصور الشخص عناصر نقطة التفتيش البعيدة إلى جانب علم «داعش»، ويقول: «لم يبق الكثير حتى ندخل بغداد ونقتلكم أيها المجوس الرافضة»، في إشارة إلى قوات الأمن العراقية.
هذا المقطع القصير أثار مشاعر كل من شاهده من البغداديين، بعدما تداولته مواقع التواصل الاجتماعية، وفقًا لتقرير نشره موقع «دويتشه فيله» الألماني.
البعض قلل من شأنه والبعض الآخر أبدى مخاوفه وحذر من أن خطر «داعش» مازال قائمًا في بغداد بسبب الخلايا النائمة، التي تعيش بين السكان.
نظام «الدولة الإسلامية» في العراق استولى بسرعة لافتة، منذ 10 يونيو الماضي على مساحات شاسعة من الأراضي في الموصل وسنجار وتلعفر شمالًا، وأجزاء من محافظة ديالى شرقا، ومعظم محافظة الأنبار غربًا، غير أن محللين قالوا إن «الخلايا النائمة داخل هذه المدن منذ سنوات هي التي كانت وراء نجاح التنظيم في اقتحام المدن وليست قوته العسكرية».
وتعد الخلايا النائمة أبرز ما يثير قلق البغداديين هذه الأيام، لأن عناصرها يعملون في الخفاء في مساعدة المسلحين، بينما هم في العلن يمارسون أعمالا عادية كالنجارة والحدادة والبناء.
ولهذا السبب لا يثقون كثيرًا بأي عائلة جديدة تسكن مناطقهم إلى حين التعرف عليها أكثر.
عبد الله الربيعي، الذي يسكن منطقة الكرادة وسط بغداد، يقول لـ«DW عربية»: «نشعر بأن المسلحين يعيشون بيننا، وقبل أسبوعين تعرضت المنطقة لـ4 تفجيرات أسفرت عن مقتل العشرات»، مضيفًا: «كيف يمكن للمسلحين إدخال سيارة ملغومة إلى المنطقة دون مساعدة من أحد سكانها».
ويضيف: «هناك العديد من السكان، الذين يتعاطفون مع الإرهابيين ربما من أجل المال، لكن خطرهم أشد من خطر المسلحين، الذين يحملون السلاح ويحاولون اقتحام بغداد من المنافذ الشمالية والجنوبية».
وقال: «الأسبوع الماضي تمكنت قوات الأمن من اعتقال شخص في منزله على بعد شارعين من منزلي لتورطه في العمل مع الإرهابيين، رغم أنه كان متنكرًا ولم نشك فيه للحظة».
بدوره، قال هشام الشملي، محلل وخبير في الشؤون الأمنية والجماعات الإسلامية المتشددة لـ«DW/ عربية»، إن «الخلايا النائمة تختلف عن الناشطة، فالعناصر الناشطة لها بيعة وأمير مباشر ووظيفة داخل الهيكل التنظيمي وغير مرتبطة بعمل حكومي وتأخذ كفالات شهرية (راتب) وملزمة بولاية من ولايات التنظيم».
ويضيف قائلًا: «أما الخلايا النائمة فهي مرتبطة ببيعة وأمير مباشر فقط، وهم 3 أنواع: الأول مجمّد عن العمل بسبب قرار أمني أو تنظيمي أو شرعي، والثاني مكلّف باختراق الأجهزة الحكومية الأمنية والعسكرية والمعلوماتية، والثالث مكلف بالدعوة والتدريب الشرعي والعسكري وجمع الصدقات ونشر الفكر لكن بحذر ودون إحداث أي مؤشرات».
ويلفت «الهاشمي» إلى أن «الخلايا النائمة تستيقظ وتكون نشطة عندما ينجح المسلحون في السيطرة على منطقة ما، بعدها ينسحب المسلحون الميدانيون من المنطقة ويتوجهون إلى مناطق أخرى للسيطرة عليها، فيما تقوم الخلايا النائمة سابقا بإدارة شؤون المناطق وكأنهم مسؤولون عنها».
في الأسبوع الماضي، تمكنت القوات الأمنية من اعتقال عناصر من تنظيم «داعش» ساعدوا الانتحاري، «أبو القعقاع الألماني»، الألماني الجنسية، على إثر تفجير سيارة مفخخة عند نقطة تفتيش في منطقة الدورة جنوب بغداد.
وكشفت التحقيقات، التي أجرتها وزارة الداخلية مع المتهمين ونشرت اعترافاتهم على قناة «العراقية» الرسمية، أنهم من سكان المنطقة ويعرفون شوارعها وأزقتها جيدا.
وكانت مهمتهم كـ«خلية نائمة» تكمن في مساعدة «الانتحاري»، الذي ينتمي إلى خلية ناشطة وفق تصنيف «داعش»، من خلال توفير السيارة المفخخة وإعطائها له.
حسام ستار، الموظف في وزارة الكهرباء وهو من سكان منطقة الدورة، يلفت إلى أنه «لولا وجود أشخاص من البغداديين لما تمكّن أشخاص من جنسيات عربية وأجنبية من الدخول إلى بغداد وتنفيذ عمليات إرهابية فيها».
ويضيف حسام لـ«DW/ عربية» أن «التفجير، الذي طال منطقتنا فجره ألماني الجنسية، وقبلها قام آخر استرالي الجنسية بتفجير في منطقة الكاظمية، وتفجير آخر في منطقة الحبيبية نفذه ليبي الجنسية، وهؤلاء حصلوا على المساعدة وتم استضافتهم في منازل داخل المناطق».
فشل مهمة الاستخبارات
لكن هل تمتلك القوات الأمنية العراقية في بغداد خريطة واضحة حول أماكن انتشار الخلايا النائمة في بغداد؟
عن هذا السؤال يجيب عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، شوان محمد طه، قائلًا: «القوات الأمنية ليس لديها معرفة دقيقة بهذا الأمر»، مضيفًا: «تقارير أمنية سرية تشير إلى أن الخلايا النائمة منتشرة في جميع مناطق بغداد سواء الشيعية أو السنية، ولكنها في المناطق السنية أكثر بسبب وجود نوع من التعاطف عند البعض مع المسلحين السنة».
ويقول «طه» إن «إستراتيجية الحكومة الأمنية خاطئة، لأنها تعتمد على الجهد العسكري دون الجهد الاستخباراتي، والدبابة لا تستطيع معرفة المسلحين عند دخولها في منطقة، ولكن عنصرًا واحدًا من الاستخبارات في تلك المنطقة يستطيع الكشف عن المسلحين والمتعاونين معهم، ولكن بسبب فشل الجانب الاستخباراتي للقوات الأمنية نجحت الخلايا النائمة في العمل بحرية».
مهام الخلايا النائمة
الخلايا النائمة لهام مهام كثيرة، وفقًا لقول نقيب يدعى أحمد في وحدة «وكالة الاستخبارات الاتحادية»، التابعة لوزارة الداخلية، الذي يوضح: «أبرزها التجسس على سكان المنطقة، الذين يعيشون فيها وإعداد قوائم بالعاملين في القوات الأمنية والوظائف الحكومية المدنية المهمة وإرسالها إلى المسلحين، كما أن من مهامهم معرفة حجم القوات الأمنية وعدد نقاط التفتيش في المناطق».
ويضيف «أحمد» لـ«DW/ عربية»، قائلًا: «تحقيقاتنا تشير إلى وجود أكثر من 3000 عنصر من الخلايا النائمة في مختلف مناطق بغداد، أبرزها غرب العاصمة وشمالها، وهؤلاء بعضهم يعمل أعمالا حرة، والبعض الآخر يعملون كموظفين في الدوائر الحكومية والأجهزة الأمنية وهؤلاء هم الأشد خطرا».
- هذا المحتوى منشور بالتعاون مع موقع «دويشته فيله» الألماني.