x

عبد الرؤوف الريدي تعقيباً على مقال الرئيس السويسرى ورئيس الصليب الأحمر عبد الرؤوف الريدي الأحد 24-08-2014 21:33


أكتب هذا التعقيب بعد أن اطلعت على مقال السيدين ديدييه بوركهالتر، رئيس الاتحاد السويسرى، وبيتر ماورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمناسبة مرور مائة وخمسين عاما على عقد اتفاقية جنيف الأولى فى عام 1864 بخصوص تحسين حالة الجرحى بالقوات المسلحة بالميدان، ولقد كانت هذه الاتفاقية بمثابة اللبنة الأولى فى وضع وتطوير اتفاقيات جنيف الأربع بصورتها الحالية التى عقدت فى 13 أغسطس 1949.. وما تلا ذلك من وضع البروتوكلات الثلاثة المكملة لها.. ولقد أصبحت هذه الاتفاقيات والبرتوكولات هى العمود الرئيسى لتطور مبادئ وأحكام القانون الدولى الإنسانى.. وليس من شك أن كلا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد السويسرى الذى يعتبر الراعى لهذه الاتفاقيات قد لعبا الدور الأساسى فى تطوير هذا القانون الهام..

إلا أن الاحتفال بمرور مائة وخمسين عاما على وضع الاتفاقية الأولى من شأنه أن يثير لدى المتابعين لتطور القانون الدولى الإنسانى أسئلة أساسية حول مدى ما استطاع القانون الدولى الإنسانى أن يفعله على أرض الواقع بينما نرى تلك الحرب البشعة التى ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين فى غزة.. وما إذا كان القانون الدولى الإنسانى قد استطاع أن يقيد الاندفاع الإسرائيلى فى هذه الحرب المدمرة واللا إنسانية ضد غزة بما فى ذلك قصف مخيمات اللاجئين ومؤسسات الأمم المتحدة مثل منظمة الأونروا وتعريض السكان المدنيين للقتل والفتك بهم دون رادع من القانون الدولى الإنسانى، أو غيره من القوانين وهو ما يجب أن يطرح على كل المهتمين بالقانون الدولى الإنسانى وبوجه خاص اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد السويسرى ومواجهته بأمانة وصدق.. وربما كان الاحتفال بذكرى مرور قرن ونصف على عقد اتفاقية جنيف الأولى مناسبة لكل المهتمين بهذاالقانون أن يفكروا فيما يجب أو يمكن عمله لضمان احترام هذا القانون.

ولعل من أهم ما يجب أن يثار فى الاجتماع الذى تعتزمون الدعوة إليه فى أواخر العام القادم لإقامة محفل دولى يلجأ إليه الأطراف وربما آخرون أيضا لضمان احترام الالتزام باتفاقيات جنيف وغيرها من أحكام القانون الدولى الإنسانى.

وإذا كانت الحالة الإسرائيلية تدعى أنها فى حالة دفاع عن النفس، ويحدث ما نراه فى غزة.. فإننا قد رأينا أسلوبا آخر لجأت إليه الولايات المتحدة منذ أحد عشر عاما عندما قررت أن تشن حربا على العراق.. بدعوى أنه توجد بالعراق أسلحة دمار شامل.. ليتضح بعد ذلك أن العراق كان خاليا من أسلحة الدمار الشامل.. ولكن هذا الاكتشاف جاء بعد أن كانت الجيوش التى قادتها الولايات المتحدة قد غزت الأراضى العراقية وقتل فيها الآلاف من العراقيين فضلا عن تفكيك الدولة العراقية ذاتها.. هل استطاع القانون الدولى الإنسانى أن يفعل شيئا لإيقاف أو لفرملة هذه الحرب العدوانية أو حتى التخفيف مما أنزلته من كوارث إنسانية.. بالطبع لم يستطع.

إذن فالمشكلة لا تكمن فى نقص أو ضعف فى مبادئ القانون الدولى الإنسانى بقدر ما تكمن فيما يرتكب من خرق صريح لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولى العام.

تلك هى المشكلة التى يتحتم مواجهتها بصدق وحتى لا يكون القانون الدولى الإنسانى مجرد غطاء أو ذراً للرماد فى العيون فيما يرتكب من عدوان صريح وسافر ضد الدول الأضعف ومن يعيش فيها من مدنيين سواء كان هذا العدوان بواسطة دولة كبرى أو بواسطة دولة تحميها دولة كبرى.

أنا لا أشك فى النوايا الطيبة التى تدفع كلا من الاتحاد السويسرى واللجنة الدولية للصليب الأحمر لأخذ مبادرة جديدة لإقامة محفل تثار فيه قضايا القانون الدولى الإنسانى فى أواخر العام القادم وأتطلع إلى ما سيكون عليه الأمر فى هذا الاجتماع لإقامة المحفل المنشود الذى يكون سندا لما استقر عليه القانون الدولى الإنسانى من قواعد ومبادئ ولكن ينبغى مواجهة الأمور مواجهة جادة بالنسبة لتوفير الاحترام لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتفعيل ما نص عليه الميثاق من إجراءات لردع العدوان وحماية المعتدى عليه، ولعلنا لا ننسى هنا الرجوع إلى الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الذى صدر منذ عدة أعوام بمناسبة إقامة الجدار العازل حول الأراضى الفلسطينية المحتلة وما تضمنه هذا الرأى من تذكير بمبادئ الميثاق وضرورة احترامها.. وإلا تحولت مثل هذه المبادرات النابعة عن نوايا نبيلة إلى مجرد محاولات للهروب من الحقيقة والواقع المر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية