x

وحيد عبد المجيد كل هذا الجدل الفارغ حول ثورة 25 يناير! وحيد عبد المجيد الخميس 21-08-2014 20:45


لا معنى ولا قيمة للجدل المحتدم حول ثورة 25 يناير. ولا محل للسؤال المطروح بإلحاح غريب عما إذا كانت هى ثورة بالفعل أم مؤامرة. السؤال خطأ. والجدل حوله ليس إلا تبديداً للوقت والجهد.

فلا مبرر أصلاً للجزع الذى أصاب بعض من يؤمنون بأنه لا تقدم لمصر بدون حرية وكرامة وعدالة اجتماعية بسبب حملة تشويه ضارية ضد الثورة التى عبرت عن هذه الأهداف.

أفليس من طبائع الأمور أن يكون هذا هو موقف أعداء الثورة والقوى المضادة لها؟ وألم نعرف من تاريخنا، وتاريخ غيرنا، أن لكل ثورة قوى مضادة تعاديها؟ وهل وقف خصوم أى ثورة فى تاريخ مصر، كما فى تاريخ العالم، غير مثل هذا الموقف؟ وألا يقول لنا التاريخ إن أسرة الـ بوربون التى أسقطتها الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789 عادت مرة أخرى، وإن لويس الثامن عشر وريث الملك الذى خلعته تولى العرش لسنوات وخاطب الفرنسيين من القصر وليس من محكمة يمثل أمامها؟

فلماذا كل هذا الشعور باليأس لأن «الملك» الذى خلعته ثورة 25 يناير ووريثه وحاشيته يشوهونها؟ وهل كان ممكناً أن تحقق فرنسا كل هذا التقدم لو يئس ثوارها بسبب هول التشويه الذى تعرضت له الثورة من القوى المضادة لها؟ وهل يشك أحد الآن – مجرد شك – فى ثوريتها لمجرد أنها بدأت بتحطيم سجن الباستيل باعتباره رمزاً للقهر والظلم والاستعباد.

فكيف نستغرب إذن التشويه الذى تتعرض له ثورة 25 يناير بينما التاريخ يخبرنا بأن هناك دائما قوى مضادة للثورات تدافع عن مصالحها غير المشروعة؟ وهل سلمت أى من ثوراتنا الوطنية الديمقراطية من التشويه الذى كان رهيباً فى بعضها، خاصة الثورة العرابية وثورة 1952.

لقد رحل الضابط الوطنى العظيم أحمد عرابى حزيناً لا يعرف كيف سيخلده التاريخ، ولم يتوقع أنه لن تمضى عقود قليلة حتى تندلع ثورة أكبر عام 1919، وأن أحفاده فى الجيش سيقودون ثورة تالية بعدها عام 1952. كما لم يتخيل بالطبع أن أحفاداً آخرين له فى الجيش الوطنى سيدعمون ثورة شعبية أكبر بعد 130 عاما من ثورته، وأن أحد كبارهم سيؤدى التحية العسكرية لأرواح شهدائها الجارى تشويههم الآن.

وليت كل من يضيع دقائق فى الاستماع إلى ترهات القوى المضادة لهذه الثورة الآن أن يسأل نفسه وغيره سؤالا بسيطاً جداً هو: أين وضع التاريخ من شوهّوا الثورات السابقة وتآمروا ضدها؟ ألم يلق بهم بعيداً ويصدر حكمه الذى لا يقبل النقض ضدهم، بينما خلّد هذه الثورات ووضعها بين أنصع صفحات المجد الوطنى المصرى؟

وكيف يغيب عنا حجم التشويه الذى لحق بثورة 1952 والمؤامرات التى حاكتها ضدها القوى التى قاومت سياسات التنمية العادية منذ الإصلاح الزراعى؟ ألم يتجدد هذا التشويه من وقت إلى آخر، ويتحول بعد رحيل زعيمها إلى حملات انتقام رخيص، وألا يحفل أرشيف الصحافة المصرية بما يشيب له الولدان فى هذا المجال خاصة فى سبعينيات القرن الماضى؟

كيف ننسى هذا كله، أو لا ندركه؟ وهل يظن من يحزنهم تشويه ثورة 25 يناير أن تأثير الحملات ضدها على قطاعات من المصريين سيستمر؟ وهل كان عرابى وصحبه الثوار يعرفون أن أجيالاً متوالية من المصريين سيمجدونهم إلى يوم الدين؟ وهل كان عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية ومفكرها يعرف مدى الاحترام الذى ستحظى به إسهاماته التى جُمعت ونُشرت عدة مرات فى صورة أعمال كاملة.

وهل كان جمال عبدالناصر الذى تركنا مهموماً بعد هزيمة 1967 يعرف أن نضاله الوطنى والاجتماعى سيصير ملهماً لثورة أكبر من ثورته تنطلق من الميدان الذى كان له الفضل فى تسميته «ميدان التحرير»؟

والحال أن هذا كله ليس إلا غيضاً من فيض ما حدث، وسيحدث، للثورات التى تهدف إلى تغيير لا يمكن أن يتحقق إلا بإبعاد طغاة مستبدين وفاسدين سارقين لقوت الناس، وأن هؤلاء يصبحون قوة مضادة لهذا التغيير. وسواء فشلوا فى منع التغيير وهى القاعدة، أو نجحوا وهو الاستثناء، لابد أن يستخدموا كل ما لديهم من أسلحة فاسدة لتشويه الثورات التى تهدف إلى تحقيق هذا التغيير. وما ثورة 25 يناير إلا واحدة من هذه الثورات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية