x

جوهانسبرج.. «تشيرنوبل جنوب إفريقيا» ضحية مناجم الذهب

الأربعاء 20-08-2014 18:39 | كتب: شريف سمير |
جوهانسبرج جوهانسبرج تصوير : other

جرت العادة أن ينظر إلى مناجم الذهب في أي دولة وكأنها «كنز استراتيجى» يوفر مليارات الدولارات للخزينة العامة ويساهم بقوة في بناء الاقتصاد، ولكن السحر انقلب على الساحر في مدينة جوهانسبرج فصارت هذه النعمة نقمة عندما أساء المعدن الذهبى إلى الطبيعة الخلابة في جنوب إفريقيا وانتشرت المياه الملوثة بالمعادن الثقيلة والعناصر المشعة في بيئة المدينة الكبرى نتيجة تسرب نفايات المناجم القديمة.

وبقدر ما حققه استغلال المناجم على مدار عقود من ثروات طائلة جنتها جوهانسبرج، بقدر ما استحقت مؤخرا لقب «تشرنوبيل جنوب إفريقيا» في أعقاب ظهور مشكلة المناجم عندما بدأت تغلق أبوابها فأصبحت بيد المستغلين، الذين لا يهتمون إلا باستخراج نفايات المناجم والتخلص منها دون محاذير أو ضوابط تضمن الحماية المناسبة للبيئة، فالمياه الملوثة تحت الأرض يتم ضخها لتتيح لعمال المناجم النزول لاستخراج المواد القابعة في أعماقها، والتى بدأت تغرق الحجرات السفلية.

وأثار المشهد قلق ورعب الأكاديميين والخبراء المراقبين، فدق الأستاذ في جامعة التكنولوجيا في بريتوريا، جاني ماري، ناقوس الخطر محذرا من «كارثة بيئية» تعيشها جوهانسبرج وتهدد حياة سكانها، وقد تمتد وتتسع الدائرة لتطول المدن الأخرى، وقال: «كان هناك تمويل من السلطات لمواصلة ضخ المياه، وعندما توقف بدأت المياه الملوثة بالصعود، مهددة البيئة»، علما بأن المخاطر على الصحة البشرية كبيرة في هذه المدينة نظرا لأنها قائمة على ضفاف المناجم، وليس على ضفاف نهر أو بحر، بل وتحتوي على مخزون طبيعي محدود من مياه الشرب الجوفية.

وإدراكا لخطورة الموقف، خرجت مجموعة من الحلول لمواجهة المشكلة، وكانت نقطة الانطلاق، من 2007، بعمل جبار تبنته مجموعة «أنجلو أمريكان» في شرق جوهانسبرج، حيث جرت معالجة المياه الحمضية الصادرة من مناجم الفحم القديمة وصولا إلى استخدامها كمياه صالحة للشرب حتى أنها كانت تغذي مصنعا لإنتاج المياه المعبأة في زجاجات.

جوهانسبرج

ورغم الجهد الخارق في احتواء الكارثة، يقف ارتفاع تكلفة المهمة عقبة في طريق التنفيذ، فإذا كانت المجموعة البريطانية الأمريكية تمتلك الإمكانات التي تسمح لها باستثمار 25 مليون دولار في معالجة المياه، غير أن سائر المجموعات الأخرى التي تعمل في حقل المناجم ليس بمقدروها أن تتحمل مسؤولياتها في معالجة المياه الملوثة الصادرة عن المناجم، رغم وجود قانون صارم بهذا الشأن جرى إقراراه مع إحلال الديمقراطية في جنوب إفريقيا البلاد، خلال 1994.

وتتضاعف المخاطر لتجاوزها حدود المياه لتشمل الهواء مع انبعاث الغبار السام المنبعث من مخلفات المناجم في ظل انتشار الأنابيب تحت الأرض التي يتسرب منها الوقود والغاز، ليغطى هذا التلوث بدوره كثيرا من معالم المنطقة، ويتم إعلان بحيرة روبنسون «منطقة ملوثة بالإشعاع النووي» ممنوع الاقتراب منها بعد أن كانت قبلة شهيرة للأنشطة الترفيهية.

وكان للأزمة تأثيرها على الموقف الدولى مما دفع 20 مسؤولا إفريقيا إلى عقد اجتماع سريع في جوهانسبرج، مصدر الخطر، في إطار ورشة حول قوانين العمل داخل المناجم نظمها المعهد الإفريقي للتنمية الاقتصادية والتخطيط التابع للأمم المتحدة في دكار، لتكون نواة لتحركات مكثفة وعاجلة وعملية لتقليص الأضرار الناتجة عن مياه المناجم.

وتسرب الإهمال إلى مناجم الذهب من واقع ماشهدته من حالة شلل نتج عن استمرار إضراب العمال المطالبين بتحسين أجورهم، غداة فشل المفاوضات بين النقابات وإدارات الشركات في القطاع الذي يعتبر أساسيا بالنسبة للاقتصاد الإفريقى وكان يشكل مصدر الثروة الرئيسى في البلاد، ومع تصاعد الإضرابات كشفت دراسة نشرتها غرفة المناجم أن القطاع يمكن أن يخسر 600 مليون راند يوميا بما يعادل 44،4 مليون يورو في كل يوم إضراب، وهو ما أخرج جوهانسبرج من أزمة المطالب الفئوية، مؤقتا، لتصطدم بصخرة «النفايات والتلوث» الأشد عنفا والأكثر صلابة بما يهدد معالمها، بل والحياة كلها بالفناء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية