فى سبعينيات القرن الميلادى الماضى، وبعد ارتفاع أسعار البترول عقب حرب أكتوبر 1973، وبداية ما عرف باسم «عصر البترودولار»، كانت صورة العربى الثرى من الخليج موضع التندر فى كل العالم، لأنه ينفق الأموال التى جاءته على موائد القمار، وفى الملاهى الليلية، ولم تكن هذه الصورة من فراغ، وإنما تستند إلى وقائع، وكانت هناك مبالغات، ولكنها لم تكن من دون أصل.
ومع الأجيال الجديدة التى نشأت فى ظل الوفرة، وتعلمت فى كبرى الجامعات الأوروبية والأمريكية، وعادت إلى بلادها فى التسعينيات وتولت القيادة فى مواقع الحكم واتخاذ القرار، بدأت الصورة تتغير، ولا تتغير الصورة إلا عندما تتغير فى الواقع، ومع بداية القرن الميلادى الجديد منذ عشر سنوات، أصبح الحديث فى العالم عن القفزة الاقتصادية لمدينة دبى فى الإمارات، وعن القفزة الحضارية فى مدينة أبوظبى عاصمة الإمارات، وعن قناة الجزيرة فى قطر، وفروع الجامعات الكبرى فى عاصمتها الدوحة، وعن المتاحف والمعارض وحفلات الموسيقى ومهرجانات السينما فى المدن الثلاث، وطغى هذا الحديث على حديث موائد القمار والملاهى الليلية، وأصبحت هناك صورة جديدة للعربى الثرى من الخليج.
ويوم الخميس الماضى وصلت الصورة الجديدة إلى ذروتها عندما فازت قطر بتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وشاهدت الدنيا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، وحرمه الشيخة موزة التى ترأست مؤسسة قطر للتعليم والثقافة والفنون وأولادهما وبناتهما يهللون فرحاً بالفوز، ويؤكدون أن بلادهم تساهم فى دخول العرب القرن الـ21، فكأس العالم ليست مجرد مجموعة من المباريات الرياضية، وإنما مثل الألعاب الأوليمبية الدولية، دليل على القدرة العلمية الشاملة التى تتضمن أعلى مستويات الإدارة والتنظيم والإبداع فى استخدام الثورة التكنولوجية.
وتصادف قبل أيام من فوز قطر أن قام أميرها بزيارة خاصة إلى القاهرة لمدة ساعتين للعزاء فى وفاة أستاذه المصرى الذى علمه فى المدرسة، فعبر بذلك عن الأخلاق العربية الكريمة، التى طالما تغنى بها الشعراء فى قصائد الشعر القديم، وأعطى الشباب فى بلاده وكل البلاد العربية درساً بليغاً فى احترام العلم والمعلم، وأصبح القدوة الحسنة لهم فى ذلك.. مبروك لقطر فوزها، ومبروك للعرب قطر وأميرها، الذى لمس شغاف القلوب بزيارته الإنسانية.