x

د. ياسر عبد العزيز لماذا دخل السيسى دائرة «البوتينزم»؟ د. ياسر عبد العزيز السبت 16-08-2014 21:37


لن يجرؤ أى ناقد، مهما كان متبجحاً، على أن يقلل من أهمية زيارة الرئيس السيسى الأخيرة لروسيا وأثرها فى مستقبل السياسات المصرية والعلاقات بين الجانبين.

لقد أظهر الرئيس السيسى ما يكفى من البراهين على قدراته الاستراتيجية، وإدراكه لآليات عمل العلاقات الدولية، ومهاراته فى تسخير التطورات فى السياسة العالمية لمصلحة بلاده؛ وهو الأمر الذى لاقاه الجانب الروسى بشكل لائق، يعكس الاحترام والتقدير الكافيين لبناء الثقة وارتياد آفاق التعاون الواسعة.

إن نتائج تلك الزيارة، وقبلها زيارة أخرى قام بها الرئيس حين كان وزيراً للدفاع، ستضاف إلى التقارير عن صفقة أسلحة روسية لمصر، وإلى الأنباء عن مشروعات تعاون فى مجالات عديدة، فضلاً عن المساندة السياسية القوية من جانب موسكو للقاهرة، لتشكل ملامح علاقة استراتيجية بازغة تربط البلدين.

لكن دوائر غربية عديدة لم تجتهد لتقصى تفصيلات تلك العلاقة، ولم تهتم بما انطوت عليه تلك الزيارة من تطورات فعلية فى مسار العلاقات بين البلدين، واكتفت فقط بتسليط الضوء على «التشابه بين بوتين والسيسي»، أو ما أسمته بـ «دخول السيسى دائرة البوتينزم»، باعتباره أحد المنتمين إلى «مدرسة القيادة البوتينية»، على حد قول بعض تلك الدوائر.

لم تكن «واشنطن بوست» Washington Post، ولا موقع «بزفييد» Buzzfeed، اللذان نشرا موضوعات وصوراً تبرز التشابه بين القائدين بوتين والسيسى، أول من اكتشف تشابهاً أو ارتباطاً بينهماً؛ لكن هذا الاكتشاف يعود حصراً لجمهور الثورة المصرية فى هبة 30 يونيو، الذى رفع صور القائدين معاً، معبراً عن اعتزاز بكليهما، وعن أمل فى توثق العلاقة بينهما، خصوصاً بعدما ظهر انحياز الولايات المتحدة السافر لمصلحة تنظيم «الإخوان» ضد الإرادة الشعبية المصرية.

يأتى إصرار تلك الدوائر الغربية على ربط السيسى ببوتين فى سياق هجومى وسلبى بكل تأكيد؛ إذ يتم النظر إلى «البوتينية» باعتبارها إطاراً سلطوياً شمولياً، بدأ يغرى قادة عديدين بانتهاجه، خصوصاً فى ظل عجز الغرب الواضح عن لجم جماح موسكو فى أكثر من ملف.

يشن عدد كبير من قادة الرأى فى العالم الغربى هجمات متتالية لا هوادة فيها على بوتين، وينسبون له سعيه إلى «إعادة مجد القياصرة» أو محاولته بناء «الإمبراطورية السوفييتية» مرة أخرى؛ ولذلك فقد طال السيسى قدر لا يستهان به من الاتهامات والاستهداف فى أعقاب تلك الزيارة الأخيرة.

تتهم دوائر غربية بوتين بأن سلطاته تتخطى القانون، وأن عدالته «انتقائية»؛ إذ يطبقها على أعدائه بكل حسم، فى ما لا يُخضع حلفاءه لأى محاسبة، وأنه يقيد حرية الإعلام، ويربط نفسه بقيم تقليدية (الوطنية فى الحالة الروسية)، ويستخدم القوة، أو يهدد بها، لكى يحقق مصالح سياسية، وأنه يستخدم وسائل «حادة تتجاوز معايير حقوق الإنسان» فى مقاومة تهديدات «إرهابية» تطال بلاده.

ومن بين أهم الانتقادات التى يتم توجيهها لبوتين باستمرار هيمنته على السلطة من خلال الاستيفاء الإجرائى للشروط الديمقراطية، ملمحين بالطبع إلى قدرته على الاحتفاظ بتلك السلطة لسنوات طويلة سواء عبر بقائه فى الكرملين رئيساً أو من خلال «تفويض» رئيس آخر (ميديفيدف) لفترة، قبل أن يسترد منه موقعه الأثير.

وكما ترى، فإن تلك الاتهامات يشوبها الكثير من العوار؛ فهى لا تنطلق من أى تقييم «وطنى روسي»، بمعنى أنها لا تحفل بما يريده الروس ويحرصون عليه، كما أنها تكيل بعدة مكاييل؛ لأن أردوغان فى تركيا مثلاً يعد تلميذاً فى «مدرسة القيادة البوتينية» بامتياز.

ألم يقمع أردوغان حرية الصحافة والإعلام؟ ألم يوجه إهانات عنصرية للأرمن؟ ألم يتحايل على فكرة تداول السلطة؛ فترشح لرئاسة الجمهورية بعد نفاد مدد توليه رئاسة الوزراء؟ ألم يسع إلى تعديل الدستور لكى ينقل الصلاحيات القيادية إلى موقع رئيس الجمهورية الفخرى؟ ألم يقتل المتظاهرين فى «جيزي» ويقمع الاحتجاجات؟ ألم يتورط هو ونجله وقيادات حزبه ووزراؤه فى الفساد؟ ألا ينطلق من قيم تقليدية («إخوان مسلمين» و«سلطنة» و«خلافة»)؟

والشاهد إذن أن بوتين سيظل عدواً للغرب يُعارض ويُهاجم وتُلطخ سمعته، وسيكون السيسى عضواً فى مدرسة «القيادة البوتينية»، يُتهم بالديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان، طالما أنه لا يخدم السياسات الأمريكية ويطيع الأوامر، أما أردوغان، وعشرات القادة المستبدين الآخرين فى هذا العالم، فسيظلون «ديمقراطيين محترمين» طالما أبقوا على الولاء والطاعة للسياسات الأمريكية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية