x

هشام علام العراق: النفط مقابل داعش هشام علام الجمعة 15-08-2014 01:45


مع تقدم داعش صوب إقليم كردستان شمال العراق٬ بدأت شركات النفط العالمية مستهل أغسطس الجاري إجلاء عمالها تمهيداً لانسحابها حال تفاقم الأوضاع٬على رأسهم شركتي «إكسون موبيل» و«شيفرون»..وما هي إلا ساعات حتى راحت الطائرات الأمريكية تنطلق من قواعدها في الخليج العربي لتنقض على «داعش». الحجة الأمريكية هذه المرة «حماية الاقليات».

رغم أن سقوط الموصل في أيدي قوات دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام «داعش» تم منذ ما يزيد عن شهرين٬ وصاحبه عمليات قتل واعتداء جنسي وطائفي وتهجير قسري٬ إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً.

بمرور الوقت تفاقم الوضع٬ وانسحبت قوات الجيش والشرطة التي تلقت تدريباً وتسليحاً أمريكياً٬ وفشلت المخابرات العراقية والتي تلقت هي الأخرى دعما أمريكيا في التنبوء بخطوات داعش التالية٬ ومن ثم سقط سد الموصل ـ شريان المياه في العراق ـ غنيمة حرب تحت أيدي المتطرفين٬ وسرعان ما توالت «الفتوحات».

منذ ١١ عاما ٬ تحركت الولايات المتحدة ومن خلفها بريطانيا وأسبانيا ودعمٌأممي من أجل تحقيق اهداف ثلاثة:

١ـ محاربة الإرهاب ( حيث اتهم نظام صدام حسين بايواء عناصر من تنظيم القاعدة ودعمهم ماليا).

٢ـ تفكيك مشروع العراق النووي والقضاء على مزاعم امتلاك بغداد لاسلحة دمار شامل.

٣ـ نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.

وانقضت الحرب٬ وسقط صدام واعدم٬ فلا الارهاب انقطع٬ ولا أسلحة الدمار الشامل وجدت٬ ولا الديمقراطية تحققت.

وخلال الأيام الماضية بدأت حرب جديدة يروج لها دوليا بأنها من أجل العراق٬ ولأن قواعد الحرب تقتضي دائما ان يكون هناك «حجة وغنيمة»٬ فكان لابد من حجة٬ والحجة هذه المرة داعش٬ أما الغنائم فسوف تتضح بالتدريج من قرادة سيناريو الحرب الأولى. ولكي نفسر لماذا جاء هذا التحرك العسكري في هذه المنطقة مرة أخرى علينا أن ننظر أولا إلى الحقائق التالية:

الخطوات:

في يناير ٢٠٠٣ قال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إن بلاده مستعدة لمهاجمة العراق حتى دون تفويض أممي٬ رغم أنه وقبل ذلك التاريخ بشهرين عاد المفتشون الدوليون لممارسة عملهم لأول مرة داخل العراق بعد غياب دام أربع سنوات٬ وبعدما قدم صدام حسين إعلانا من ١٢ ألف صفحة يؤكد فيه خلو بلاده من الأسلحة المحظورة.

وبنهاية العام أصدر «بول ولفويتز» نائب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك تعليمات تقضي بمنع فرنسا وألمانيا وكندا والمكسيك والصين وروسيا من التنافس على العقود الضخمة في عملية إعمار العراق٬ وكانت الدول الأربعة قد اعترضت على التدخل (الأنجلوـ أمريكي) في العراق.

وفي يناير ٢٠٠٤ أعلن «ديفد كاى» الرئيس السابق لفريق المفتشين الأمريكيين في شهادته أمام مجلس الشيوخ أن كل المعلومات الاستخبارية عن أسلحة الدمار كانت «جميعها تقريبا مغلوطة». وفي ١٤ يوليو ٢٠٠٤ صدر تقرير «باتلر» في بريطانيا مؤكدا: المعلومات الاستخبارية التي اعتمدت لشن الحرب كانت محل مبالغة٬ وبعد ثمانية أيام تصدر استراليا تقرير «فلود» الذي وصف الأدلة على وجود أسلحة دمار شامل بالعراق بانها «غامضة وغير مكتملة». وأخيراً وفي يناير ٢٠٠٥ يعلن البيت الابيض رسمياً أن عمليات التفتيش في العراق قد انتهت دون العثور على أسلحة الدمار الشامل.

النتيجة:

عندما ترغب الولايات المتحدة في التحرك عسكريا لاقتناص فريسة أو تحقيق هدف استراتيجي تخلق الذرائع التي تريدها٬ تصدقها وتجبر الجميع على تصديقها٬ حتى وإن تكشف بعد ذلك بهتان كل مزاعمها وتكلف الأمر قتل ابرياء وتدمير أقوى الجيوش العربية في المنطقة. أما من يعترض فيلقى جزاء فرنسا والصين والمكسيك وغيرهم من الدول التي وقفت حينها في وجه التمدد الأمريكي ومن ثم حرمانهم من المشاركة في اقتسام الغنائم.

الخطوات:

في ظل التواجد الأمريكي قتل السفير المصري في بغداد وكذلك دبلوماسيين جزائريين على يد الجماعات الارهابية٬ وخلال هذه الفترة أيضا قتل الجنود الأمريكيين ٢٤ مدنيا بينهم أطفال ونساء في بلدة «حديثة» انتقاما لمقتل جندى من مشاة المارينز.

دعني أذكرك إذن ببعض الأرقام:

مارس ٢٠٠٦: العثور على عشرات الجثث في بغداد٬ أغلبهم عذبوا وأُعدِموا.

يوليو: وزارة الصحة العراقية ومشرحة بغداد تتحدثان عن نحو ٣٥٠٠ مدني قتلوا خلال ذلك الشهر.

أكتوبر٢٠٠٦: ارتفاع مستوى القتلى خلال هذا الشهر فقط إلى ٣٧٠٠ قتيل.

أغسطس ٢٠٠٧: مقتل مالا يقل عن ٥٠٠ من الأقلية «اليزيدية» في تفجيرين شمال العراق.

النتيجة: كانت تلك حصيلة القتلى جراء الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة من جانب٬ والجماعات المتطرفة والأقليات الدينية من جانب آخر٬ كل ذلك تم بمشاركة ومباركة الجيش الاأمريكي ومعاونة أقدم الديمقراطيات في العالم «بريطانيا»٬ من أجل ما أسموه «عراق جديد»٬ أو قل إن شئت «بترول لا ينضب».

دعنا الآن ننتقل إلى صلب القضية٬ هل مازلت مقتنعاً أنهم جاءوا إلى العراق من أجل نصرة المسيحيين المهجرين قسراً من ديارهم٬ أو إنصافا لنساء اليزيدين اللائي إتخذهن قادة داعش سبايا بعدما دفنوا رجالهم أحياء؟..اسأل نفسك أولاً: لماذا عادت داعش الآن والحرب لم تنته في سوريا وكيف؟

آخر ما يهم الغرب في منطقة الشرق الاوسط هو حرية الاعتقاد أو حقوق الانسان٬ الجيش الأمريكي الذي يعتنق نظرية استخدام الطائرات بدون طيار٬ التي تُسقط قتلى من المدنيين أضعاف ما تُسقط من الارهابيين٬ يؤمن تماماً أن الشرق الأوسط لا يصلح معه إلا القوة والدم٬ حكامه يستحقون مصير مشابه لصدام والقذافي وبشار٬ وشعوبه لا يلائمها إلا أن تكون استنساخ للعراق واليمن وسوريا. هل تحتاج إلى التذكير بما حدث في سجن ابو غريب٬ معتقل جونتانامو٬ الأباتشي التي تصيدت مدنيين في العرق٬ الوقائع الإجرامية لم تخدش حياء أمريكا٬ أما مزاعمها التي ثبت خطئها في العراق دمرت بلداً واستنزفت موارده وأعدمت رئيسه وفرقت شعبه٬ اقرأ معى هذا الخبر:

«في يناير ٢٠١٤ تلقى رئيس الوزراء العراقي نور المالكي اتصالا من جو بايدن نائب الرئيس الامريكي يؤكد فيه دعم الولايات المتحدة للعراق في حربه ضد داعش..ويدعو إلى ضرورة التوافق بين أربيل وبغداد لحسم قضية الصادرات النفطية.»

في مقال سابق بعنوان «داعش..مسافة السكة» قلت إن المتطرفين الذين لجئوا إلى سوريا كانوا يحتاجون إلى وطن بديل بعدما اقترب الوضع في الشام من تسوية قريبة بانتصار ظاهري لتحالف (روسيا ـ ايران ـحزب الله ـبشار) فكان لابد من خلق بيئة حاضنة لهم٬ وكانت العراق٬ وكانت لابد من مكاسب أيضاً تحققها أمريكا التي تولت تسليح ودعم المعارضة السورية في العلن نيابة عن معسكر دول الخليج العربي المتضررة من انضمام بشار إلى «حضن» إيران٬ فكان السيناريو الجاري في العراق٬ ليكون التدخل بالصيغة الجديدة مبررا٬ ويكون هناك دول «مرتجفة» من مخاطر داعش تستمر في دفع ضريبة التحرك العسكرى الأمريكي وتمول عمليات تسليح سكان كردستان وتتحمل قيمة الضربات الاستباقية ولو سراً٬ فيما تبقى القوات السعودية «مثالاً» متأهبة في شمال حدودها في انتظار المعركة التي تتمنى ألا تحدث.

على كلٍ٬ فإن «داعش» برعاية استخباراتية غربية٬ وتمويل «عربي ـ خليجي» تحولت من فزاعة في وجه «بشار سوريا» إلى شوكة في مؤخرة دول المنطقة٬ لا تفرق بين دولة تترنح أو بلد منهك في إرهابه الداخلي أو ولي نعمة شرقي أو غربي..المهم أن ينفذ السيناريو القادم من هناك..من غرب الأطلنطي.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية