جاء التقرير الأخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية والمعنية بحالة حقوق الإنسان فى العالم، حول عملية فضٌ اعتصام رابعة، الأعنف ضد الحكومة.. «المصرى اليوم» حاورت الباحث الأمريكى ذا الأصول العراقية عمر شاكر، المشرف على ملف تقرير المنظمة، فى أول حوار له مع وسيلة إعلامية مصرية، وذلك عبر الهاتف من لندن، حيث أكد أنه من الأفضل لمصر فتح تحقيقات جادة ومستقلة حول الأحداث، قائلا إن العالم لن ينتظر للأبد ليرى محاسبة المتورطين فى الانتهاكات التى صاحبت عملية الفض.. وإلى نص الحوار:
■ هل كنت تنوى الدخول للقاهرة بتأشيرة سياحة للإعلان عن تقرير المنظمة لفض اعتصام رابعة؟
- سبق ودخلت أنا وزملائى بالمنظمة مصر عشرات المرات، وأحصل على تأشيرة عمل فى المطار أو من السفارة المصرية بواشنطن، وأغلب الظن أنه تم منعنا من الدخول بسبب التقرير.
■ وهل كانت الحكومة تعلم ذلك؟
- نعم بالطبع فقد أرسلنا إلى وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة العدل ومكتب النائب العام والسفارة المصرية بواشنطن، والبعثة المصرية للأمم المتحدة بنيويورك نسخا من التقرير النهائى، قبل الإعلان عنها منذ نحو شهرين، لاستطلاع رأى تلك الجهات حول ما جاء بالتقرير قبيل الإعلان عنه، ونحن عادة لا نفعل هذا فى المنظمة، ولكن نظراً لحساسية ما جاء بالتقرير قررنا إرساله لتلك الجهات لربما يكون لديها رد.
■ وهل تلقيتم أى ردود؟
- منذ عملية الفض ونحن نخاطب المؤسسات والجهات الحكومية فى مصر ولم نتلق أى ردود، وحتى الطب الشرعى رفض تزويدنا بأى معلومات.
■ إذن ما هى الآلية التى اتبعتموها للحصول على المعلومات الواردة فى التقرير؟
- فى ظل عدم وجود قوانين تتيح تداول المعلومات وتجبر المؤسسات الحكومية على الإفصاح بما لديها لن يكون أمامك بديل وكل المنظمات المصرية تعمل وهى تدرك هذه الحقيقة، وليس أمامها سبيل للحصول على المعلومات سوى طرقها الخاصة.
■ وما هى تلك الطرق؟
- كان لدينا مكتب بالقاهرة منذ يوليو 2013 ندير منه عملية جمع الأدلة وتوثيقها وإجراء مقابلات مع شهود العيان من المتظاهرين وأهالى منطقة رابعة والنهضة وبعض المُطلعين وذوى الحيثية مثل المحامين والباحثين بالمنظمات المصرية والصحفيين ومراسلى الصحف الأجنبية وأهالى الضحايا وذويهم.
وكان لدينا باحثون فى مستشفى التأمين الصحى القريب من مقر الاعتصام، والمستشفى الميدانى برابعة، ومسجد الإيمان، وأغلب الأعداد التى حصرناها كضحايا والتى تقدر بـ 817 قتيلا لعملية فض الاعتصام، تمت بمعرفة باحثينا بشكل مباشر.
وعند توثيق فض اعتصام رابعة، أجرى طاقم هيومان رايتس ووتش مقابلات مع 122 شاهداً بينهم 69 متظاهراً و20 صحفياً و20 مسعفاً و3 محامين و10 من سكان المنطقة، بمن فيهم بعض الذين كانوا يفرون من الفض، وكذلك فى المستشفيات والمشرحة خلال الأيام التالية.
■ كم عدد فريق العمل فى التقرير؟
- لدينا 20 باحثا وباحثة عملوا على هذا التقرير.
■ هل كان من بينهم مصريون؟
- نعم كان لدينا نحو 6 باحثين مصريين.
■ ماذا عن انتماءاتهم وميولهم السياسية؟
- لدينا بالمنظمة مدونة سلوك تحظر مشاركة أى ممن لهم ميول سياسية وتحيزات مسبقة فى أى من أبحاثنا حرصاً على نزاهة واستقلال المنتج البحثى.
■ وماذا عن اتهام المنظمة بانتهاك السيادة المصرية؟
- لا يشغلنا الأمر كثيراً بالمنظمة، فنحن لدينا مكتب بالقاهرة منذ 2007 وطلبنا أكثر من مرة تصاريح من وزارة الخارجية المصرية والمعنيين فى مصر، وكان الرد كل مرة انتظروا قانون الجمعيات والمنظمات الجديد والذى يبدو أنه لن يخرج للنور أبدا، وعندما يكون لديك حدث بجسامة فضٌ اعتصام رابعة لن تنتظر تصاريح، ومن باب أولى بالحكومة التحقيق فى الجرائم التى صاحبت عملية الفض بدلاً من اتهامنا بانتهاك القانون لأننا وثقنا جرائم ضد القانون.
■ ماذا عن اتهامك بأنك على اتصال بقيادات جماعة الإخوان وتنسق معهم لرفع دعوى أمام الجنائية الدولية؟
- التقينا فى فريق عمل التقرير بالفعل مع عدد من القيادات الإخوانية لسؤالهم عن حقيقة ما حدث برابعة باعتبارهم طرفا أصليا فيما حدث، ولم يتم التعاون معنا فى بداية الأمر، حيث كان يسود التوجس، وسبق أن اتهمنا بعضهم بأننا معادون لجماعة الإخوان والحركة الإسلامية، لكننا لم نلتق بأى منهم لأى تنسيق أو ما شابه كما قيل فى وسائل إعلام مصرية، وفى النهاية أنا باحث، لست متعاطفا أو مناهضا، وموضوع التنسيق لرفع دعوى أمام الجنائية الدولية سمعت عنه من الإعلام مثلكم جميعاً.
■ لماذا لم يتم الانتظار لحين انتهاء أعمال لجنة تقصى حقائق 30 يونيو؟
- العالم لن ينتظر للأبد لمعرفة حقيقة ما حدث خلال عملية الفض، هذا ليس شأنا داخليا، فمصر عضو فى الأمم المتحدة وعضو فى المجلس الدولى لحقوق الإنسان، ولديها التزامات دولية يجب أن تحترمها، ودعنى أؤكد لك أن لجنة تقصى حقائق 30 يونيو لن تنجز الكثير، فأولاً تقريرها النهائى سيكون سريا غير متاح للاطلاع، وثانياً والأهم أنه فى لقاءاتنا السابقة معها أكدت مراراً وتكراراً أن الأجهزة الحكومية لم تتعاون معها بالشكل الكافى، ومن غير المنتظر فى ظل موجة التضييق التى تقوم بها الحكومة ضد المنظمات المصرية خروجها بأى نتائج جادة.
■ ماذا تقصد بأنه ليس شأنا داخليا فى حين أن الولاية القضائية للتحقيق فيما حدث فى رابعة لسلطات التحقيق المصرية؟
- نرى فى هيومان رايتس ووتش أن ما حدث فى فض اعتصام رابعة جريمة ضد الإنسانية، بناء على التحليل القانونى لباحثينا، حيث صاحب عملية الفض مخالفات جسيمة للقانون الدولى لحقوق الإنسان لفض الاعتصامات، وبناءً على هذا التوصيف يمكن لأى محكمة فى العالم أن تنظر فى مثل هذا النوع من الجرائم، لأن الجرائم ضد الإنسانية لا تخضع لولاية قضائية جغرافية فحسب.
■ أولاً الاعتصام كان مسلحاً كما ورد فى تقريركم، ثانياً ألا ترى أن استخدام لفظ «جريمة ضد الإنسانية» ينطوى على مبالغة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أنه لا يتم استخدامه سوى فى جرائم الإبادة العرقية أو ما شابه أوقات الحروب والنزاعات المسلحة؟
- أولاً، ارتكاب عمليات قتل غير مشروع على نحو ممنهج وواسع النطاق فى عمليات فض متتالية، كما تكرر فى رابعة والنهضة، كجزء من سياسة حكومية تقضى بالاعتداء على أشخاص عزل، هى جريمة ضد الإنسانية أو درجة من درجاتها تبحثها سلطات التحقيق، والأمر هنا ليس متعلقا بحجم الضحايا فحسب، بل متعلق بالمنهج وتلك الجرائم يمكن ارتكابها فى السلم أو النزاعات المسلحة، وهى تمثل أفعالا محددة ترتكب على نطاق واسع أو ممنهج كجزء من «هجوم موجه ضد أى مجموعة من السكان المدنيين» بمعنى وجود درجة من درجات التخطيط أو السياسة من جانب السلطات. وتشتمل تلك الأفعال على القتل أو الاضطهاد الموجه إلى جماعة لأسباب سياسية.
وثانياً لا تقتصر مسؤولية الجرائم ضد الإنسانية على أولئك الذين نفذوا الأفعال، بل تمتد إلى من أمروا بها أو ساعدوا أو تواطأوا عليها لإخفائها أو التعتيم عليها وبموجب مبدأ مسؤولية القيادة، تجوز المساءلة الجنائية للمسؤولين المدنيين أو العسكريين حتى قمة تسلسل القيادة على جرائم ارتكبها مرؤوسوهم، إذا كانوا يعلمون أو كان ينبغى لهم العلم بارتكاب تلك الجرائم، ولكنهم أخفقوا فى اتخاذ إجراءات معقولة لمنعها، وبناء على كلام وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم والذى قال إن عملية الفض نجحت بنسبة 100% فكل الأمور تشير إلى أن الأمر كان مخططا له فى أعلى المستويات.
وثالثاً، صحيح رصدنا وجود أسلحة فى يد بعض معتصمى رابعة، لكن هذا لا يبرر إطلاق النار عشوائياً على المتظاهرين، ودعنى أؤكد لك أن مئات المتظاهرين الذين قتلوا كانوا سلميين فعلاً.
■ بماذا تفسر تضارب أرقام الضحايا بينكم وبين عدة جهات أخرى؟
- فى هيومان رايتس ووتش توصلنا إلى رقم 817 قتيلا فى فض رابعة، و1150 منذ عزل مرسى، وذلك عن طريق مطابقة السجل الرسمى بالأرقام التى جمعها المجلس القومى لحقوق الإنسان مع قوائم عمليات توثيق أجراها باحثو المنظمة. كما راجعنا قوائم إضافية للموتى من أعداد ناجين ومنظمات أخرى من منظمات المجتمع المدنى، لنصل فى النهاية إلى هذا الرقم، ومن المرجح أن يكون هو الأقرب للصواب.
■ وماذا عن تقرير رابعة.. هل هناك خطة لحملة ما لمتابعة نتائج التقرير؟
- نعم، فبعد منع دخولى لمصر توجهت لبيروت للإعلان عن التقرير، ثم توجهت إلى جنيف للقاء عدد من مسؤولى المجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهناك تم الاتفاق على إثارة التقرير فى المحافل الدولية.
ومن الممكن خلال الفترة المقبلة بحث فرض حظر سفر للخارج ضد بعض المسؤولين عن ارتكاب جرائم فى فض الاعتصام، وبحث فرض حظر تصدير نوعيات معينة من الأسلحة لمصر تستخدم فى انتهاك حقوق الإنسان.
وأرجو أن تدرك الحكومة المصرية أن الغرض من التقرير ليس مهاجمتها بقدر ما هو دعوة صادقة لكشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين أيا كان موقعهم، وصدقنى من الأجدى لمصر فتح تحقيقات جادة بدلاً من تشكيل لجنة تحقيق دولية وهو أمر ليس بعيداً كما تظنون.