x

أيمن الجندي فى المصيف قبل السياسة أيمن الجندي الأحد 07-07-2013 21:38


أرمق شوارع طنطا فى رثاء وأنا أتأهب للذهاب إلى الساحل الشمالى. المدينة منهكة كجيش مهزوم.

كنتُ أعلم أن الأمور مرشحة للعنف، ولكنى قدرتُ أيضا أن الطريق سيكون خاليا، بعد أن آثر المصريون البقاء فى بيوتهم ومتابعة الأحداث.

المدى الأخضر على الجانبين منفصل عن صراعنا المحموم، ويوحى باللانهائية والسلام. يُذكّرنى أننا جيل من آلاف الأجيال التى تعاقبت على الأرض، فصنعنا عالمنا الملىء بالبؤس، وتصارعنا حتى الموت، هذا مع أن موارد الكوكب تكفى الجميع.

البحر يلوح من بعيد، حاضرا وغائبا. موجود باستمرار ولكنه متناءٍ عن صراعنا المجنون. يرسل أمواجه المتعاقبة ليعلن أن الكون أكبر من الدنيا، والأبد فوق الزمن، والطبيعة تهزم البشر. وسنفنى جميعا وتولد أجيال أخرى.

البوابة تقترب، والمصيف شبه مهجور. أضع أمتعتى وأدير القنوات الفضائية لأعرف آخر الأحداث. عالم الحشود الغفيرة، التى نزلت إلى الشارع لتعلن الرفض وتظهر الغضب وتستهين بالموت. ما أبعد الشقة عن الأمس البعيد.

أعوام كثيرة إلى الوراء. أعوام تعبت من عدّها، والكوكب الأرضى يدور بلا توقف، دون أن يعرف أنه يقصف أعمارنا.

المعمورة زمان.

كنتُ وقتها فى الثالثة عشرة. وكان يُخيّل إلى أننى لو مددت أصابعى إلى السماء لأشعلتها بالنجوم. الأشجار تخاطبنى، والزهور تغازلنى، والقمر صديقى، أعرف منازله يوما بعد يوم، وهواء الليل يطيرنى، فاشتعل بالحنين.

كنتُ صفحة بيضاء مكتوب عليها أشعار رقيقة بقلم رصاص. كنت وردة استيقظت فى الصباح، فعرفت أنها وردة، فابتسمت وقالت: «الحياة جميلة»، ثم راحت تتفتح للوجود. كنتُ أحب قبل أن أعرف من أحب. ولكنى أدخر لها كل المشاعر الجميلة.

المعمورة زمان.

الشمسية الملونة المنصوبة فى رمال الشاطئ، والمقاعد القماشية، وطعم الملوحة فى فمى، وأمواج البحر تضرب وجهى، وجسمى العارى المُغطى بقبلات الشمس، وفى داخلى لحن جديد.

أذكر وقتها أن اليوم كان طويلا جدا. وكنت أستيقظ فى السابعة صباحا لأكون فى الشاطئ عند الثامنة. لماذا كانت الأرض تدور بهذا البطء؟ ولماذا كان الصباح يتسع لفعل عشرات الأشياء؟ وبعد أن نتناول طعام الغداء كان هناك متسع للنوم. وحين نستيقظ نجد أنفسنا وقت العصر، والشمس تقطع رحلتها عبر الأفق الوردى فى تأن شديد. نبدأ نزهتنا فى حدائق المعمورة، وكان الليل يتسع للسمر البرىء برغم أننا ننام فى العاشرة.

هناك شىء تغير، فما الذى قد تغير؟ هناك شىء مريب! هل تغير ناموس الكون؟ هل صارت الشمس عجلى؟ هل تناقصت دورة الكوكب؟

ولم يكن أحد يتحدث فى السياسة، هذه أشياء لم تكن تخطر بالبال. كان هناك كيان عملاق اسمه (الدولة). تقول لنا بلسان صامت: «أنا أهتم بكم. أعنى بشؤونكم كما يعنى الأب بأطفاله دون أن يشغلهم بالمشكلات. اهتموا أنتم بالحب، والعلاقات الإنسانية، تناقشوا عن حرية المرأة، وعن تفعيل دور الشباب. تشاجروا عما إذا كان هذا الزمن هو الأفضل! أم الزمن الماضى! اسهروا مع أم كلثوم واحلموا بالحب مع عبد الحليم، لكن دعوا (بابا) يعالج المشكلات».

تنهدتُ من قلب شجى. أيام مضت! بالتأكيد كانت أسعد. لكنى لا أستطيع أن أجزم أنها الصواب.

aymanguindy@yahoo.com

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية