بعد أن انتهت سميرة سمعان من مساعدة ابنتها في تحضير الخبز، وأثناء عودتها إلى منزلها في «حارة المونسية» بقرية دلجا جنوب محافظة المنيا، أخبرها المارة أن الإخوان قاموا بإشعال النيران في منزلها وعدد من منازل الأقباط في نفس الحارة بعد أن سلبوا محتوياته، ونصحوها بألا تذهب هناك حتى تنجو بحياتها، لم تهتم سميرة بالنصيحة وعادت تهرول إلى البيت حتى تحاول إنقاذ أي شىء يمكن إنقاذه، لكنها لم تجد سوى جدران مشتعلة يغطيها السواد وآثار الرماد على بيتها وبيوت الأسر القبطية المجاورة لها.
حاذت قرية «دلجا» على الجانب الأكبر من أعمال العنف التي قام بها أنصار الجماعة بمحافظة «المنيا»، بينما كانت قوات الشرطة تفض اعتصام ميدانى «رابعة العدوية» و«النهضة» العام الماضى، أحرق الإسلاميون «كنيسة العذراء والأنباء إبرام»، وسط القرية، والتى يعود إنشاؤها لأكثر من 1600 عام، وقاموا بسرقة محتوياتها، وطرد مئات الأسر القبطية من منازلهم بالقرية، خلال سلسلة العنف التي شهدتها المحافظة، رداً على ما حدث في القاهرة لأنصار التنظيم.
تعيش سميرة سمعان، الآن، حالة خوف بسبب التهديدات التي تتردد بشكل يومى في أوساط قرية «دلجا»، من احتمالية قيام أنصار جماعة الإخوان المسلمين بالاعتداء على منازل الأقباط، أثناء المسيرات الليلية التي لم تتوقف الجماعة عن تنظيمها حتى الآن.
بعد عام من التهجير والعودة الذي شهدته الأسر القبطية في القرية، تبدلت عادات الأسر. لم تعد أبواب المنازل مفتوحة مثلما كانت قبل الحادث، واستبدلت الأبواب الخشبية بأبواب حديدية بعد ترميم المنازل، وإعادة بنائها، لكن جدران منازل الأسر القبطية ما زالت تمتلئ بعشرات العبارات التي تحض على الطائفية وتهديد أقباط القرية، كلما أزالت الأسر التي تسكن المنازال تلك العبارات يعاود مجهولون كتابتها أثناء المسيرات التي تشهدها القرية بشكل متكرر حتى اليوم.
وراء البيوت تختبئ مئات الأسر التي تفتقد الراحة بسبب الشعور بالخوف وعدم الطمأنينة، من «العيال الغلاّطة»، بحسب قول حنا طانيوس، الذي يقول: «ما زالت الجماعة تنظم مسيرات تطوف شوارع القرية، يلقون من خلالها الطوب على بيوت الأقباط والكنيسة المجاورة».
خلال الأحداث، قدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عدد المبانى الكنسية التي تم الاعتداء عليها بـ 20 مبنىً كنسياً»، بالإضافة إلى إحراق مئات المنازل للأسر المسيحية في المحافظة وتهجير عائلات بأكملها من قرية «دلجا»، بحسب بيان لها صدر بعد الأحداث بأسبوع.
خلف المنازل القبطية تستقر كنيسة «العذراء والأنبا إبرام»، تعرضت الكنيسة لأعمال تخريب وعنف أدت إلى تحطيمها وسرقة محتوياتها بالكامل، وانهارت الكنيسة الأثرية التي شهدت تربية الأنبا «إبرام» راعى الكنيسة الأول، والتى سميت الكنيسة باسمه تقديرا لدوره، بعد عام من الحادث لم تشهد الكنيسة أي ترميم رغم وعود حكومتين متتاليتين باكتمال ترميم جميع الكنائس التي تم تخريبها في موعد أقصاه 30 يونيو الماضى، يبرر القس «سلوانس»، راعى الكنيسة، تأخر أعمال الترميم بتقسيم أعمال الترميم على ثلاث مراحل بسبب كثرة الكنائس التي تم تخريبها والتى وصلت إلى 14 كنيسة وقتها، يقول: «وعد الحكومة قائم لكن بسبب كثرة الكنائس المحترقة تم تقسيمهم إلى ثلاث مراحل، كنيسة الأنبا إبرام في المرحلة الثانية بحسب الترتيب»، يضيف: «كان من المفترض أن تبدأ أعمال ترميم المرحلة الثانية منذ شهر لكن هناك تأخيرا بسبب الاعتمادات المالية المخصصة لأعمال الترميم».
بعد أن كانت جدران غرفة القس «سلوانس»، مزينة برسومات ونقوش قبطية يعود زمانها إلى مئات السنين، لم يبق من الغرفة سوى «الطوب الأحمر» والسواد الذي يملأ جدرانها من آثار الحرائق، بعد احتراق الكنيسة، لكن ذلك لم يمنع الأقباط من إقامة القداس كل يوم أحد.
لا تزال المضايقات التي يتعرض لها الأقباط مستمرة داخل القرية، يقول «سلوانس»: «الوضع لا يقارن بالعام الماضى أثناء الاعتصام لم يكن هناك وجود للدولة داخل القرية، كان أنصار الجماعة يسيطرون على القرية بأكملها، الآن المظاهرات مستمرة وإلقاء الطوب على بيوت الأقباط مستمر، لكنه أصبح على استحياء في ظل وجود قوات الأمن بشكل مستمر».
تعرض الأقباط داخل القرية إلى مضايقات قبل فض الاعتصام، يشير «سلوانس» إلى أن الاعتداء بدأ فور بيان الفريق عبدالفتاح السيسى آنذاك بعزل الرئيس السابق محمد مرسى، في ظل انعدام تواجد قوات الأمن حتى انتهى إلى أن القرية أصبحت خارج نطاق سيطرة الدولة تماماً، يعلق: «لم يكن أحد يتوقع أن يكون العنف بهذه القوة، ولولا اقتحام قوات الأمن القرية بعد الأحداث بأسابيع لكنا مازلنا خارج القرية».
على مدخل القرية تستقر نقطة أمنية مكونة من مدرعات لقوات الشرطة والجيش معاً، تغلق الطريق المؤدى إلى الكنسية منذ العام الماضى.
يحاول «سلوانس» تخطى المضايقات اللفظية التي يتعرض لها في الطريق من قرية «دير مواس»، محل سكنه، إلى «كنيسة العذراء والأنبا إبرام»، يقول: «نحاول بأقصى استطاعة الاستمرار في إقامة الشعائر الدينية، الوضع متوتر نسبياً، ومظاهرات الجماعة مستمرة حتى الآن، لكنه على أي حال أفضل مما سبق».
يبرر «سلوانس» استمرار الاحتقان إلى طيبة أهالى القرى التي لا تتذكرهم الدولة، وسط «الثقة العمياء» التي يعطوها إلى القيادات الدينية ومستوى التعليم الضعيف، وهي أشياء يسهل من خلالها توجيه الناس بأسهل ما يمكن من قبل الجماعات الاسلامية التي تتستر وراء الدين لتحقيق مكاسب سياسية لها.
يرى «سلوانس» أن الحل يكمن في استمرار التواجد الأمني، لإزالة الاحتقان، بالتوازي مع نشر الوعي من خلال المنابر الدينية لتقديم مظاهر السماحة الحقيقية في الدين الاسلامي الوسطي، حتى لا يتم استخدام أولئك الناس حطباً في إشعال الفتن.