يجلس عم عيد الرجل الستينى أمام باب مسجد الرحمة، أسفل كوبرى جامعة القاهرة، ينتظر مرور دقائق معدودة لرفع أذان صلاة العصر، ملتقطا أنفاسه يبدأ في تذكر مشاهد من اعتصام أنصار الرئيس المعزول بميدان النهضة، الذي لا يبعد سوى عدة أمتار عن المسجد، والذى شهد محيطه بحسب تحقيقات نيابات الجيزة، أول واقعة عثور على عبوة ناسفة، أبطلها خبراء المفرقعات في خامس أيام الاعتصام، يوليو قبل الماضى.
«خربوا البلد وقلبهم مش علينا».. بهذه الكلمات، بدأ عم عيد عامل المسجد، انتقاده لجماعة الإخوان بصفة عامة، وأنصار المعزول الذين اعتصموا بالميدان بصفة خاصة، يقول الرجل الستينى «استمر الاعتصام بالميدان أكثر من 40 يوما، هنا المنطقة راقية، ويبلغ سعر الشقة الواحدة بالمنطقة ملايين الجنيهات، هجر معظم الأهالى المنطقة أثناء الاعتصام، من لديه منزل آخر ذهب إليه، ومنهم من توجه إلى أحد أقاربه ليقيم معه خلال هذه الفترة، لم يبق أحد منهم في المنطقة سوى القليل، وقطعت بسبب هجرة السكان أرزاق العديد من البائعين».
يستطرد عم عيد قائلا: «كان الإخوان المعتصمون يسرقون سيارات الأهالى ويستولون على البنزين بعد فتح التانك»، ليصنعوا به زجاجات المولوتوف، ليستخدموه ضد الشرطة، وكانوا يفتشون المارة، وما من أحد يدخل المنطقة أو يخرج منها، إلا ويسألونه عن بطاقته الشخصية، ويفتشونه ويفتشون سيارته، كأننا في أراض محتلة، وهذه الأفعال جعلت الكثير من الأهالى يهجر المنطقة، بالرغم من أن الاعتصام كان خلال شهر رمضان».
يضيف عم عيد: «كانت لدينا تعليمات بعدم السماح لأى أحد، بصعود المنبر، أو إلقاء خطب، أو إعطاء دروس، بالمسجد سوى إمام وخطيب الجامع، كما أنه كان غير مسموح لأحد بالبيات داخل المسجد أيا كان، وكان يتم إغلاقه من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر».
يوضح عامل المسجد: «الإخوان المعتصمون لا يتحدثون بشئ يخصهم داخل المسجد، يصلون ويستحمون ويخرجون إلى خيمهم داخل الميدان، يقطعون الطريق من وقت إلى آخر ويتشاجرون مع مارة من وقت لآخر ويسحبونهم إلى داخل الميدان ليتم الاعتداء عليهم، إذا تبين أنهم يخالفونهم الرأى بالنسبة لأحوال البلاد».
يختتم عم عيد: «يوم الفض، كنا نتابع العمليات من أمام المسجد، ولم نتحرك خطوة بعدما سمعنا إطلاق النيران الذي استمر لساعات، الحال الآن أفضل بعد عام من فض الاعتصام، عادت الحياة إلى طبيعتها ونشعر بالأمان، ونأمل في صلاح الأحوال، وربنا يهدى الإخوان».
من ناحيتها، تقول شادية «31 عاما»، بائعة الشاى في محيط الميدان إبان الاعتصام: «كنا نضطر للدعاء على السيسى حتى يسمحوا لنا الإخوان بالمرور من أمام الميدان، وكنا نسمع عن حفرة داخل الميدان، يلقون فيها من يعارضهم الرأى أو يدعم الجيش، وبالرغم من ذلك لم أستطع أن أعمل بالقرب منهم أو داخل الميدان، من لا يحب أحد لا يحب أن يصنع له كوب شاى أو (ساندويتش)، وأنا لا أحبهم مما رأيت منهم».
تضيف شادية التي تبيع الشاى بالميدان منذ سنوات: «أكل عيشى وقف بسببهم، وقتلوا فيما بعد العميد طارق المرجاوى أمام الجامعة وهو يؤدى عمله، كان رجلا طيبا ومحترما، كلما رآنى كان يعطينى العيدية، ولا يبخل على أي أحد بشىء، كما أنهم أثناء الاعتصام، اعتدوا على كثير من الناس بالضرب وكانوا يخرجونهم في حالة إعياء ومصابين داخل سيارات ملاكى، ويلقونهم بعيدا عن المنطقة».
وعن واقعة إبلاغها عن عثور على جسم غريب أسفل كوبرى الجامعة، قالت شادية: «كنت أمر من أسفل الكوبرى وسمعت صوت (طقطقة) تصدر من علبة حديد، وأبلغت أمين الشرطة، وبعدها حضر ضباط بكلاب بوليسية وعرفوا أنها قنبلة، وأبطلوها ومن حينها وأنا أخاف أن أمشى في هذا المكان».
تقول شادية: «كنت متواجدة يوم فض الاعتصام في المنطقة، وأول طلقة ضربها الإخوان من داخل الميدان، والشرطة تعاملت معهم، وتركت النساء ومن لا يحملون أسلحة بالخروج من الميدان والعودة إلى منازلهم».
ترى شادية أن السيسى رئيس جيد إلى هذه اللحظة بحسب وصفها، وأنه أنقذ البلاد من كابوس الإخوان، إلا أنها تقول: «أنا أحب السيسى لكن البلد أهم من أي رئيس، الرئيس مسيره يذهب لكن البلد باقية، ونحن نخاف على بلدنا، وإن لم يصلح سيصبح مصيره كمصير من قبله من الرؤساء الذين ضحكوا علينا».
تضيف: «ابن عمى أبلغ عن ابنه، الذي جنده الإخوان بالميدان، أقنعوه بأن كل من خرج على مرسى كافر لأنه خرج على الشرعية، أبلغ عنه والده الشرطة وقبضت عليه ثم خرج وعاد إلى عقله».
تقول شادية إن المنطقة بعد عام من فض الاعتصامات عادت إلى حياتها الطبيعية، ولا يعكر صفو الميدان سوى طلاب الإخوان بجامعة القاهرة، الذي يفتعلون أعمال عنف كلما تظاهروا، تقول: «هذا مكان للعلم ومن يريد أن يتعلم عليه أن يتعلم باحترامه، من المفترض ألا يقطعوا الطرق أو يعطلوا حال البلد».