x

البخاري.. الصبي الذي رد الله له بصره ليصبح «أمير الحديث»

الأربعاء 13-08-2014 19:51 | كتب: بسام رمضان |
الإمام البخاري الإمام البخاري تصوير : other

استنكر علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، وشيوخ سلفيين هجوم محمد عبدالله نصر، الشهير بـ«الشيخ ميزو»، هجومه على الإمام البخاري، ووصفه إياه بـ«المسخرة».

ويصف علماء كتاب البخاري في الحديث بـ«أصح كتاب بعد القرآن»، مشيدين بجهد الرجل في جمع سنة الرسول، عليه السلام، واصفين إياه بـ«أمير المؤمنين في الحديث».

ونستعرض في التقرير التالي، سيرة مختصرة للإمام البخاري، وفقًا لما جاء في كتب العلماء والفقهاء.

قال الحافظ ابن كثير، في كتاب «البداية والنهاية» إنه «محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه، وُلِد البخاري (رحمه الله) في شوال سنةَ 194 من الهجرة، ومات أبوه وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، فألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردًا».

وأشار الذهبي، في كتابه «سير أعلام النبلاء» إلى أنه «وكان قدر الله أن يموت والد البخاري وهو مازال طفلاً صغيرًا، لينشأ يتيمًا في حجر أمه، لم تكن بداية البخاري الطفل ككل الأبناء، إذ ابتلاه الله عز وجل في صباه بفقدان بصره، ولكنَّ أمه الصالحة لم تنقطع صلتُها بربها، وكانت تتودد إليه ليل نهار، وهي تدعوه سبحانه راجية أن يرد على صبيها بصره، ويشاء الله أن يسمع دعاءها، فيأتيها إبراهيم عليه السلام يبشرها في المنام يقول لها: (يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره لكثرة دعائك)».

وأوضح الخطيب البغدادي، في كتاب «تاريخ بغداد»: «وما كاد البخاري يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين، حتى بلغ محفوظه آلاف الأحاديث وهو لايزال غلامًا، وكانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز العلم، تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء».

رحلته العلمية

وقال الحافظ بن حجر العسقلاني، في كتاب «فتح الباري»: «في الحرمين الشريفين، كانت بداية رحلة البخاري في طلب العلم، وقد ظل بهما ستة أعوام، ينهل من الشيوخ والعلماء، انطلق بعدها متنقلاً بين حواضر العالم الإسلامي، يجالس العلماء ويحاور المحدِّثين، ويجمع الحديث، ويعقد مجالس للتحديث، ويتكبد مشاق السفر والانتقال، لم يترك حاضرة من حواضر العلم إلا نزل بها وروى عن شيوخها، وربما حلَّ بالبلد الواحد مرات عديدة، يغادره ثم يعود إليه مرة أخرى، وكان من الحواضر الإسلامية التي نهل منها وأخذ من شيوخها غير مكة والمدينة، بغداد وواسط، والبصرة، والكوفة، ودمشق، وقيسارية، وعسقلان، وخراسان، وبلخ، ونيسابور، ومرو، وهراة، ومصر، وغيرها».

وعن رحلاته في طلب العلم يقول البخاري: «دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين، وإلى البصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد».

شيوخ البخاري ومنهجه

وأضاف بن حجر: «وكان من شيوخ الإمام البخاري المعروفين والذين روى عنهم: أحمد بن حنبل، ويذكره البخاري ممتنًا فيقول: «قال لي في آخر ما ودَّعته: يا أبا عبدالله، تدع العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قال: فأنا الآن أذكر قوله. وكان من شيوخه أيضًا يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وقتيبة بن سعيد، وأبوبكر بن أبي شيبة، وأبوحاتم الرازي، وغيرهم».

وأردف: «كان للبخاري منهجا خاصا في حياته كلها، وبالأخص في العلم وتدوين الحديث، ظل ستة عشرة عامًا يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر على البحث، وتحرٍ للصواب، قلما توافر لباحث قبله أو بعده، وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين، وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: كان أبوعبدالله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمسة عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري (يشعل) نارًا ويسرج، ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها».

وأشار ابن حجر إلى أن «كان من كلام البخاري رحمه الله: (ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم، وحتى نظرت في عامة كتب الرأي، وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها، فما تركت بها حديثًا صحيحًا إلا كتبته، إلا ما لم يظهر لي)، وتميز بقوة الحفظ، وذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة، فيحفظه من نظرة واحدة، والأخبار عنه في ذلك كثيرة».

قصة تأليف صحيح البخاري

ويعد «الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه»، أشهر كتب البخاري، وهو المعروف بـ«الجامع الصحيح» أو «صحيح البخاري»، ويُعد أول كتاب صُنف في الحديث الصحيح المجرد، وقد قال فيه الإمام البخاري: «وما أدخلت فيه حديثًا إلا بعدما استخرت الله تعالى، وصليت ركعتين، وتيقنت صحته».

ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: «كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح».

وقال «البخاري»، وفقًا لما نقله الإمام السيوطي، في كتابه «تدريب الراوي»: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه، فسألت بعض المعبرين، فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح».

وبدأ تأليف الكتاب في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح، ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.

يحوي الكتاب 7275 حديثًا، اختارها البخاري من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، وكان قد وضع شروطًا خاصة في قبول رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يكون قد سمع الحديث منه، إلى جانب: الثقة، والعدالة، والضبط، والإتقان، والعلم، والورع.

ويقول ابن حجر، في «فتح الباري»: «استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه هذا بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ وقد استحسنوه وشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، إلا في أربعة أحاديث، قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى».

وتلقف الكتاب علماء أجلاء بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين، حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.

وفاته

يقول أبوالحجاج المزي، في كتاب «تهذيب الكمال»: «بعد رحلته الطويلة الشاقة، والتي لقي فيها الشيوخ ووضع مؤلفاته العظيمة، وقد ذاعت صيته بين الناس، رجع البخاري إلى نيسابور للإقامة بها، إلا أن بعض العلماء غيرة وحسدًا سعوا به إلى والي المدينة، وألصقوا به تهمًا مختلقة، مما اضطروه إلى أن يغادر نيسابور إلى مسقط رأسه بخارى، وهناك استقبله أهلها استقبال الفاتحين، فنُصبت له القباب على مشارف المدينة، ونُثرت عليه الدراهم والدنانير».

وتابع: «فلم يكد يستقر البخاري في موطنه الأصلي حتى طلب منه أميرها خالد بن أحمد الدهلي أن يأتي إليه ليُسمعه الحديث؛ فقال البخاري لرسول الأمير بعزة العالِم: (قل له إنني لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء فليحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم)، ما كان من الحاكم إلا أن أخذ يحرض عليه ويسيء إليه، وقد أغرى به بعض السفهاء ليتكلموا في حقه، ويثيروا عليه الناس، وفي نهاية الأمر قام بنفيه من المدينة (بخارى) إلى خرتنك».

ويقول ابن كثير: «كانت وفاته ليلة عيد الفطر سنةَ ستٍّ وخمسين ومائتين، وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء، وصلى عليه يوم العيد بعد الظهر، وكُفِّن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به، وحينما دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من ريح المسك، ثم دام ذلك أيامًا، ثم جعلت ترى سواري بيض بحذاء قبره، وكان عمره 62».

ثناء العلماء عليه

قال أبونعيم أحمد بن حماد: «هو فقيه هذه الأمة»، وقال قتيبة بن سعيد: «رحل إليَّ من شرق الأرض وغربها خلق، فما رحل إليَّ مثل محمد بن إسماعيل البخاري».

وقال أبومحمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي: «محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبًا»، ووصفه العلماء بـ«أمير المؤمنين في الحديث».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية