أسدٌ علىّ وفى الحروب نعامة.. بعض الزملاء الصحفيين والمذيعين يأتون على الضعيف بأقلامهم وبرامجهم، ويذبحونه، ويقدمونه فريسة للرأى العام الذى يتشكل اتجاهه من مجموع ما نكتبه، ونقدمه على شاشات التليفزيون. هؤلاء الذين يتبارون فى الخوض فى ذمة الضعيف هم أنفسهم الذين يقفون كالنعام أمام الشرس والقوى، ولو كثرت أخطاؤه، ولا يستبيحون الحديث عنه، أو الاقتراب منه، وإن مروا عليه يمروا فى لمح البصر، لا يكاد يلمحهم أحد.
هذا الاختلاف تجده واضحاً فى طريقة وأداء وأسلوب الإعلام فى التعامل مع المدير الفنى الإسبانى للأهلى، جاريدو، والمدير الفنى للزمالك، حسام حسن! فمن اللحظة الأولى أباحت بعض وسائل الإعلام، على اختلاف انتماءاتها، دم المدرب الإسبانى، فقبل أن يستقر على مقعده فى المؤتمر الصحفى تم اتهامه بالفشل فى التجارب التدريبية التى خاضها فى إسبانيا وبلجيكا، وجرى الزملاء إلى الإنترنت يبحثون عما يدعم وجهة نظرهم سابقة التجهيز، متجاهلين إنجازات الرجل، ومسلطين الضوء على إخفاقاته. والسؤال الساذج البسيط الذى يطرح نفسه هو: لو أن هذا المدرب نجح فى تجربته مع ريافيال أو ريابتيس، وحصل على بطولة الدورى الإسبانى، فلماذا يأتى إلى مصر؟ وما الإغراءات التى ستدفعه لمغادرة المجد والشهرة والمال فى عالم الكرة الأوروبية، ليأتى إلى بلد لا يعرف نظام الدورى فيها الموسم القادم، وهو ما يسمى فى عالم الكرة بالجهل والتخلف.
والذين قرأوا فى السيرة الذاتية للمدرب (جانبها السلبى) تعمدوا إغفال الجوانب الإيجابية، وأولها أن لديه المؤهلات العلمية والعملية التى رشحته للعمل مع فرق تلعب فى الدورى الإسبانى، ثانى أهم وأقوى وأجمل وأمتع دورى فى العالم، بعد الدورى الإنجليزى. وثانيها أنه صعد قبل أربع سنوات بفريق ريافيال للمركز الرابع، وتأهل معه للمشاركة فى دورى أبطال أوروبا، وهو إنجاز عظيم فى أوروبا لمدرب لم يكن وقتها تجاوز واحداً وأربعين عاما، فإذا أضفنا أن المدرب الإسبانى الذى لم يتجاوز عمره الآن الخامسة والأربعين لم يجلس عاطلاً طوال واحد وعشرين عاما، منذ بداية عمله فى التدريب، كما أنه عمل لفترة طويلة مع فرق الشباب، بذلك تكون لديه المواصفات النموذجية لإعادة بناء الأهلى، كما يجب أن يكون، ولكن لأن بعضنا يستهوى إهانة المحترم الذى لا يصرخ أو يهاجم أو يشتم منتقديه، ولأن إدارة الأهلى باتت أضعف إعلامياً، وانصرفت عنها جوقة النظام السابق، التى كانت تلبس قميص حب الأهلى، وتدافع عنه ظالماً أو مظلوماً، وجدنا من يخرج، ويهين المدرب، ويشكك فى ذمته وأخلاقه، ويدعى أنه كان يعمل سمساراً من الباطن فى الأندية التى تولى تدريبها، بناء على معلومات وردت إليه من صديق إسبانى، أو من تقرير صحفى ضعيف ليس له سند من الحقيقة، ووجدنا من يحتفل بهذه المعلومات المغلوطة، ويفرد لها الصفحات والبرامج، متجاهلا أن الإدارة الكروية فى أوروبا تفرم من يثبت عليه ذلك.
إن استخدام هذه المعلومات بهذه الطريقة وفى هذا التوقيت- قد يحمل أغراضا خبيثة، هدفها التشكيك فى المدرب وهز الثقة بينه وبين الجماهير، وما يزيد الطين بلّة غياب إعلام أهلاوى يدافع عن اختيارات الإدارة، ويدعم المدرب معنوياً ونفسياً، ويبث الثقة فى نفوس الجماهير.
وعن نفسى، تقودنى قناعتى إلى أن الإسبانى جاريدو هو الخيار الأفضل لفريق الأهلى فى هذا التوقيت، وأنه لو حالفه التوفيق فسينقل الكرة المصرية إلى آفاق جديدة فى اللعب الحديث، وهى قناعة مبنية على معلومات موثوقة من داخل الفريق، تؤكد أن المدرب يملك فكرا ورؤية أوروبية حديثة، وأنه دؤوب فى تنفيذ أفكاره، ويرفض فكرة الترقيع، ويظن أن هؤلاء اللاعبين لديهم إمكانات عظيمة بشرط أن يجتهدوا فى إبرازها، وأنه لو تغيرت عادتهم الغذائية والتدريبية والبدنية، فسيكون الدورى المصرى أقل بكثير من إمكاناتهم وطاقتهم وطموحهم.
نعود إلى الإعلام الأسد على جاريدو، والنعامة أمام حسام حسن، ففى الوقت الذى استُقبِل فيه الإسبانى بهذه الإساءات والاتهامات والتبكير بإعلان الفشل، وجدنا نفس الإعلام صامتاً هادئاً وديعاً أمام اختيار الزمالك لحسام، ولم يذهب أحد للبحث عن سيرته الذاتية فى الأردن، أو الإشارة للحملة الإعلامية التى كانت تطالب بطرده من المنتخب الأردنى، أو بمشكلته مع نجوم الفريق: عامر شفيع، وحسن عبدالفتاح، وعامر ذيب، وتعديه لفظياً على اللاعبين، بعد إحدى مباريات تصفيات كأس آسيا، ولم يتذكر أحد أنه لم يحقق بطولة مع الزمالك منذ توليه فى نوفمبر ٢٠٠٩ حتى أغسطس ٢٠١١.
لكن هل معنى ذلك أن حسام ليس الخيار الأنسب للزمالك فى هذا التوقيت؟ بالطبع لا، بل هو أفضل خيار يناسب المرحلة، حيث تعاقد الزمالك مع فريق جديد أول ما يحتاجه إعادة تشكيل وعى اللاعبين بقيمة وأهمية النادى الذى يرتدون فانلته، وضرورة التحلى بروح البطولة، واللعب تحت الضغط الإعلامى والجماهيرى (حين يعود)، وكلها سمات ليس هناك أقدر من حسام وإبراهيم على زرعها فى نفوس هؤلاء الغرباء، أضف إلى ذلك أن حسام بات لديه من الخبرة الفنية والممارسة التدريبية ما يرشحه لتحقيق البطولات.
ما أقصده هنا أن هناك خللا وغيابا للعدل فى تناول الإعلام والصحافة القضايا والأشخاص، والأهم أن الزمالك الآن يتمتع بحماية إعلامية تحول دون انتقاده أو مراجعته، بينما الأهلى ليس له رب يحميه، فسبحان مغير الأحوال!.