قال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والمتهم الرئيسي في قضية «محاكمة القرن»، في أول مرافعة له بعد تنحيه عن الحكم في 2011، أنه سيقبل بأي حكم للمحكمة أيًا كان، مؤكدًا أن مصر ستنهض من عثرتها.
وقال إنه لم يأمر أبدًا بقتل المتظاهرين، ولم يصدر قرارًا بذلك، وأضاف أنه لا شرف عسكري، يسمح باستغلال نفوذه أو تربح أو فساد مالي.
«المصري اليوم» تنشر النص الكامل لمرافعة مبارك عن نفسه أمام هيئة المحكمة:
«بسم الله الرحمن الرحيم، سيادة المستشار الجليل رئيس المحكمة، تحية إجلال وتقدير لحضراتكم، تعكس ما أحمله من احترام وتوقير لقضاء مصر، وقضاته، وإنني وقد قاربت المحكمة على الانتهاء من حسم القضية، أشكر المحكمة على إتاحة الفرصة كي أمارس حق يكفله لي القانون بأن أتحدث لهيئة المحكمة مدافعا عن نفسي، مضيفا إلى ما أبداه عني المحامي القدير الأستاذ فريد الديب، أتحدث إلى حضراتكم باقتناع أكيد بأن عجلة التاريخ لا ترجع أبدا إلى الوراء، عجلة التاريخ لا ترجع أبدا للوراء، وأن أحدا لا يستطيع أن يزيف التاريخ، فالتاريخ يعي أخبار الرجال ويعطي كل ذي حق حقه، مهما كانت محاولة الطمس والتزييف، وفي نهاية المطاف لا يصح عند الله سبحانه تعالى وعند التاريخ إلا الصحيح.
منذ أن تركت موقعي كرئيس للجمهوية تعرضت وأسرتي لحملات ظالمة من الإساءة والتشكيك، وتعرضت عند تحملي للمسؤولية لحملات مماثلة، تنتقص من كل إنجاز تحقق، وتنسب إليها كل رخيص، وتبعد عني كل إنجاز، إنني أمثل أمام المحكمة الموقرة بعد أن أمضيت أكثر من 62 عامًا في خدمة للوطن، أمنت به، سنوات طويلة أمضيتها ابنا للقوات المسلحة، ثم نائبا ثم رئيسا للجمهورية، خضت كل حروب مصر بعد ثورة 25 يوليو (23 يوليو)، وتوليت قيادة القوات الجوية في حرب أكتوبر 1973، لم أكن يوما ساعيا وراء منصب أو سلطة، وأؤكد أنني لم أكن يوما ساعيا وراء منصب أو سلطة، وتعلمون حضراتكم الظروف العصيبة التي تحملت فيها مسؤولية الرئاسة، خلفا لرئيس اغتالته يد الإرهاب.
واجهت منذ اليوم الأول تحديات الإرهاب، وتابعت استكمال انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982 ثم من طابا عام 1989، واستعدنا آخر شبر من أراضينا المحتلة، وأدرت العلاقات مع إسرائيل كمن يمشي على سلك مشدود دون أي تهاون أو حقوق الشعب الفلسطيني، ورفضت زيارة إسرائيل طالما بقي الاحتلال، وظل موقفي متمسكا بأسس عملية السلام، مناهضا للانقسام بين الضفة وغزة، راعيا للمصالح الفلسطينية، لم أتردد لحظة في تقديم دعم مصر للمحاصرين في غزة، لكني تصديت لمحاولات تهديد أمن مصر القومي عبر حدودنا مع هذا القطاع، حافظت على السلام، ولم انجرف لم يهدده، ولم أقامر بأرواح المصريين أبدًا في مغامرات غير محسوبة، وحرصت في ذات الوقت على تطوير قواتنا المسلحة عتادا وتسليحا وتدريبا، لتبقى درعا للوطن يحمي أرضه وشعبه وسيادته، ويحمي السلام.
كان أمامي منذ اليوم الأول تحدي الإرهاب، وخضت مواجهة شرسة تمثل تلك التي نخوضها الآن، وانتصرت مصر في حربها مع الإرهاب في الثمانينات والتسعينيات، كما سننتصر بإذن الله بتضافر شعبها وبحكمة قيادته في مواجهتها معها اليوم، كما أن علينا مواجهة تحديا آخر، هو إعادة بناء بنية أساسية متهالكة، وخدمات متراجعة، واقتصاد الذي أنهكته الحروب، مضينا في إصلاحات اقتصادية، ونجحنا في إسقاط ما يقرب من 27 مليار دولار تمثل نصف دوين مصر الخارجية، وحررنا اقتصادنا، وفتحنا به على العالم، وفتحنا المناخ الجاذب للاستثمار.
استهدفت سياساتنا الاقتصادية فتح أبواب الرزق لبيوت الملايين من المصريين، وحقق اقتصادنا أعلى معدلات نموًا في التاريخ وأعلى احتياطي للنقد الأجنبي، وواجهنا تلك التحديات، وتحققت لمصر وشعبها إنجازات عديدة، واجهنا التحديات وغيرها، رغم الزيادة السكانية وما تشكله من ضغط على الموارد، والإحصاءات المسجلة والموثقة والمتاحة، ولكن مجال الحديث عنها بالتفصيل ليس هنا أو الآن.
ويشهد الله أننا لا أبالي بمحاولات البعض التعمية على دوري دوري بحرب أكتوبر، فقد قمت به مخلصا تجاه الله والوطن، ويشهد الله أنني لا أبالي أيضا أن يحمى اسمي من على المشروعات القومية أو المؤسسات التعليمية والثقافية، فستظل باقية شاهدة ضمن شواهد عديدة على اتساع أرض الوطن.
سيادة المستشار رئيس المحكمة، هيئة المحكمة الموقرة، لقد أقمت سياسة مصر الخارجية على الندية والتكافؤ، سعيت المصالح المصرية أينما كانت، وآمن مصر القومي على كافة أبعاده ومحاوره، فلم نكن يوما حليفا مهادرًا ومتهاونا في الحفاظ على السيادة المصرية، واستعدت علاقات مصر المقطوعة مع الدول العربية، وعاد مقر جامعة الدول العربية للقاهرة، وحافظت على مصر في مكانتها بالسياحة الدولية، وعلاقاتها العربية والإفريقية والأوروبية، ولم أقبل أبدا أي تدخل خارجي أي كانت الظروف في الشأن المصري، أو أي تواجد عسكري أبدا على أرضنا أو مساسا بشريان حياتنا نهر النيل.
مضينا في نفس الوقت في تطوير البنية الدستورية، وإتاحة مساحات غير مسبوقة، لحرية الإعلام والصحافة، استهدفت التعديلات الدستورية توسيع التجربة الدستورية، وتعزيز مبدأ المواطنة، محذرين من خلط الدين بالسياسة والانتكاس للوراء، على نحو ما أتت به الأحداث عام 2012، وما حدث في يناير 2011، عندما اخترق المتاجرون بالدين والمتحالفون معهم من الداخل والخارج، المظاهرات السلمية، من أعمال عنف وقتل وترويع للشعب وتعدي على الممتلكات العامة والخاصة واقتحام السجون وإحراق لأقسام الشرطة.
وبادرت منذ الأيام الأولى باتخاذ قرارات وإجراءات لمواجهة تداعياتهما فأصدرت تعليمات بنزول القوات المسلحة عصر يوم 28 يناير لحفظ الأمن، وتأمين البلاد بعد أن عجزت الشرطة عن القيام بدورها نظرا لما تعرضت له من المتآمرين على الوطن، وفي إطار استجابتي لمطالب المتظاهرين طرحت خطوات تضمن انتقال السلمي للسلطة في إطار الدستور والقانون بحلول انتخابات الرئاسة في سبتمبر 2011 وأعلنتها في خطابي للجماهير في الأول من فبراير، فسعى من أرادوا الانقضاض على الدولة إلى تأجيج الأوضاع، وزعزعة ثقة الشعب في قيادات والقوات المسلحة، بل والوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة.
مع تفاقم الأحداث وأصبحت متأكدا من أن هدف هؤلاء هو إسقاط الدولة ومؤسساتها فاخترت طواعية أتخلى عن مسؤوليتي كرئيس للجمهورية حقنا للدماء وحفاظا على تماسك الوطن كي لا تنزلق مصر إلى منزلقات خطرة تدفع بها للمجهول، اخترت بحس وطني خالص تسليم الأمانة للقوات المسلحة، ثقة في قدرتها على العبور بمصر وشعبها لبر الآمان وقد كان.
وأقول بكل صدق أن ضميرنا الوطني يملي علينا جميعا إعادة قراءة الأحداث منذ عام 2011 في ضوء ما تداعت به التطورات، وما انكشف من مؤامرات أطراف عديدة كانت تتربص بمصر ولا تزال تسعى للانقضاض عليها.
سيادة المستشار الجليل، رئيس المحكمة حضرات المستشارين الأجلاء، لم أتحدث اليوم لكي استعرض عطائي لبلادي، فسيظل عطاء مصر هو الأفضل، سيظل لها الفضل علينا جميعا فهي الوطن والأهل والملاذ وأرض المحيا والممات، إلا إنني أدافع عن نفسي اليوم لمواجهة الاتهام، لا أدعي بنفسي الكمال، فالكمال لله وحده، فأنا بشر أصيب وأخطئ.
تحملت المسؤولية بشرف وأمانة وبذلت غاية جهدي وطاقتي، وسوف يحكم التاريخ على وعلى غيري بما لنا وما علينا، من المؤكد أن التوفيق لم يحالفني في بعض ما اتخذته من قرارات وهو شيء طبيعي، ومن المؤكد أن بعضها لم يرتق لتطلعات بني وطني، ولكنني أشهد أمام الله أن كل قرار اتخذته وسياسة انتهجتها إنما ابتغيت صالح الوطن، وأقول مخلصا إن ما تعرضت له من إساءة واتهام وتشهير، لا أزال شديد الاعتزاز بما قدمته من عطاء لخدمة بلادي وبني وطني من أيدني منهم، ومن عارضني على حد سواء.
إن محمد حسني مبارك الذي يتحدث اليوم أمامكم، لم يكن ليأمر أبدا بقتل المتظاهرين، لم يكن ليأمر أبدا بإراقة دماء المصريين، وهو الذي أفنى عمره في الدفاع عن مصر وأبناءها، وأقول أمام الله وأمام الشعب أنني قضيت حياتي مقاتلًا، وأقول أمام الشعب وأمامكم كان تعليمي وتدريبي لقتل الأعداء، وتلك كانت عقيدتي منذ تخرجي في سلاح الطيران، ولم أكن لآمر أبدا بقتل مصري واحد تحت أي ظروف.
لم يكن لي أبدًا أن أصدر قرارا بإشاعة الفوضى، وقد حذرت منها مرارًا، ولم أكن لأصدر قرارا بإحداث فراغ أمني، فيعلم الجميع أنني حافظت على استقرار مصر وأمنها الوطني، ولم يكن من الحقيقة أبدا أن أتهم بالفساد المال والإضرار بالمال العام أو التربح، فلا شرف عسكري ولا اعتزاز بنفسي كإنسان قضى عمره بشرف وأمانة يسمحان لي بذلك.
إنني كابن من أبناء القوات المسلحة كنت وسوف أظل حريصا على الشرف العسكري حتى الرمق الأخير ولن أفرط ولا أخون، وإنني كابن من أبناء مصر سأظل ما حييت أحافظ على أبناء مصر، وأثق أن مصر لن تنسى من عملوا وسهروا من أجلها، وضحوا بأرواحهم ولا يزالون، من رجال القوات المسلحة والشرطة.
إنني أثق في عدالة المحكمة وحكمها وسأتقبله بنفس راضية، الحكم العدل هو حكم التاريخ، وثقتي بلا حدود أن مصر ستنهض من عثرتها، لتستعيد عافيتها وستواصل بناء نهضتها من جديد بقيادتها الوطنية المخلصة وبعزة ورفعة وكرامة.
لعل حديثي إلى حضراتكم اليوم، هو آخر ما أتحدث به حتى ينتهي العمر، وأواري في تراب مصر الطاهر، وإنني وإذ اقترب العمر أحمد الله مرتاح الضمير، أن قضيته مدافعا عن مصر ومصالحها وأبناءها حربا وسلاما، وإنني بخبرة السنين أقول لكل مصري ومصرية حافظوا على وحدة الوطن، وانتبهوا لما يحدق بالوطن من أخطار وما يحاك له من مخطات ومؤامرات، ومصر أمانة أحملوا رايتها واحفظوها وامضوا بها إلى الأمام، حمى الله مصر ورعاها، وحمى شعبها، وأشكركم سيادة الرئيس.