حق مبارك قانوناً أن يتحدث (اليوم) إلى «محكمة القرن»، ومن حقنا عليه أن يتحدث (اليوم) إلى «محكمة الشعب»، يتحدث إلينا نحن، ليس إلى المستشار محمود الرشيدى وهيئته الموقرة وحده، ليعتبرها مبارك كلمة ختامية لعصره ليس بحثاً عن براءة تامة من اتهامات محددة وجهت إليه من قبل النيابة ولكن لوجه الحقيقة.
نحن ننتظر من مبارك شهادة حق على 30 سنة مرت من عمر الوطن، عن حقيقة اتهامات وصمته شخصيًا، ووصمت سنوات حكمه، اتهامات طالت واستطالت لتحجب شمس الحقيقة، اتهامات تمس سمعته السياسية (كنز إسرائيل الاستراتيجى)، والمالية (70 مليار دولار مهربة)، والأسرية (التوريث وما شابه)، ليس مهماً أن يفند مبارك الاتهامات فقط، المهم أن يصدقنا مبارك فى شهادته.
ليعتبرها مبارك كلمة ختامية لعصره، آخر مشهد ستراه الجماهير، لا نريدها كلمة وداعية بل شهادة ضافية، شهادة رئيس على كل لحظة مرت من 30 سنة مضت من عمر رئاسته لمصر.. شهادة لله، للوطن، للشعب، لأجيال صحت من سباتها العميق على ثورة الشباب فى ميدان التحرير.
وقد تنحى الرجل مؤثرًا حقن الدماء، وصمت مليًا من 11 فبراير 2011 حتى الآن، أربع سنوات من الصمت لا تكفيها يقينا أربع ساعات متاحة من الكلام، 30 عاماً فى الحكم لا تكفيها 30 ساعة من الكلام، ربما لن تتاح لمبارك فى حياته مثل هذه الفرصة السانحة لشهادة تاريخية، ليس مهماً دفوع البراءة الكاملة، المهم الحقيقة كاملة، لا نريد من مبارك دفوعاً تفند اتهامات قاصرة الأدلة، نريد شهادة على سنوات الحكم.. للتاريخ الذى سيحكم عليه أخيراً.
شهادة مبارك ستكون على الهواء مباشرة، من مبارك شخصيا، شهادة ستطوى مكتوبة فى مذكرة محفوظة فى ذاكرة التاريخ، 30 سنة من عمر مصر ليست بالقصيرة ولا بالهينة ولا بالسهلة، سنوات كلفتنا ما لا نطيق، هرمنا حتى نرى هذه اللحظة، أربع سنوات عجاف تلت قضت على الأخضر واليابس.
البراءة التى ينشدها مبارك لا تعنى شيئاً لرجل جاوز الثمانين من عمره، الشهادة هى التى ننشدها من مبارك، شهادة عدل وإن كلفته ما تبقى من عمره، شهادة حق يتركها لجيل ثار عليه، أدانوه مسبقاً، يتركها لهم وإن لم يسمعوها، وإن تجاهلوها حتماً سيحتاجونها يوماً.. وإن طال الزمن.
الحقيقة هى ما يهمنا، ما يهم أجيالاً سبقت، لايزال هناك من يبحث عن الحقيقة الغائبة كالإبرة فى كومة قش، ليس مهماً لهذه الأجيال براءة مبارك، لسان حالهم: ما يضير مبارك بعد سجنه، المهم الحقيقة، ولا شىء سواها، الحكم بالسجن أو البراءة فقط هو عنوان الحقيقة، أما الحقيقة فعلمها عند ربى.