x

أهالي «الفرافرة» يشكون عدم الاهتمام ويصرخون: نحن «سلة قمامة» الوادى الجديد

الإثنين 11-08-2014 19:18 | كتب: وفاء بكري |
بحور الرمال البيضاء بحور الرمال البيضاء تصوير : حسام فضل

كانت واحة الفرافرة قرية واحدة منذ سنوات طويلة، ثم تحولت إلى مركز، ونشأت حولها عدد من القرى التى تكونت بفعل «الهجرة الداخلية» لأهالى الصعيد والدلتا، وهو ما أدى إلى اختلاف العادات والتقاليد بها، وبسبب بعدها عن القاهرة وكذلك عن «عاصمة» محافظتها بالوادى الجديد وهى واحة الخارجة، حيث تبعد عن الأولى 627 كيلومترا والثانية نحو 500 كيلو متر، أصبحت هى الأكثر عزلة بين جميع واحات مصر الخمس وخاصة واحات الوادى الجديد، وكأنها «كمن يرقصون على السلم».. فلا هى قريبة من الواحات البحرية أو الجيزة، ليلقى إليها المسؤولون باهتماماتهم، ولا هى ترتبط بـ«أختيها» من الواحتين الأجريين، وتنتظر زيارة المحافظ كـ«هلال العيد»، ودائما يأتى بالوعود بلا تنفيذ.

مسافة طويلة تقطعها لتذهب إلى الفرافرة، طريق ليس بالصعوبة التى يتخيلها البعض، سوى قبل المدينة الأم بـ45 كيلو مترا، ولكن الأصعب أنه لا يتوافر وسيلة مواصلات مريحة إليها، سوى أتوبيس النقل العام، التابع للمحافظة، وبعض أتوبيسات الشركات الخاصة، والمثير أن الطيران يقتصر فيها على «الخارجة» فقط، مرة واحدة فى الأسبوع، بالرغم من أنها من المناطق السياحية المهمة.

طوال الطريق لا تجد أى لوحات تدل على الطريق إليها، ولكن ما يلفت النظر أنه عند مدخل الواحات البحرية، تجد مجسما لـ«المشروم والفرخة» أحد أهم المنحوتات الطبيعية فى الصحراء البيضاء التابعة للفرافرة، على أساس أنه من معالم «البحرية»، وهو ما جعل أحد أهالى الواحة يلقى باللوم على المسؤولين بأن «التهاون» بهم وصل إلى حد «عدم التركيز» والتساهل فى «ممتلكاتهم» التى وهبهم الله إياها، على اعتبار أن هذه المنحوتة تخص الصحراء البيضاء التابعة لهم، ليكون هذا المجسم بداية «الفجوة» وعدم الثقة بين المسؤولين وأهالى الواحة، ولكن تظل طوال الطريق إليها، والجبال التى تكتسى بلون الرمال الصفراء والزلط الأسود، المميز للصحراء البيضاء، «تغازلك» بجمالها الأقرب للجبال البركانية، وكأنها لاتزال مشتعلة، وتمر على الصحراء البيضاء، لتبعث بنورها «الجيرى» إلى عينيك، لترى جمالها، الذى لا مثيل له على مستوى العالم، حتى تصل إلى الفرافرة، تستقبلك بعض قراها فى البداية التى تكونت عبر السنين العشرين الماضية، لتصل أخيرا إلى الواحة الأم، فتقف وتسأل «أين الواحة» فيجيبك أهلها بهدوئهم الشديد «هُنا» تنظر حولك، لتجد البيوت جميعها وقد كستها المدنية بالكامل، ولا يوجد أى بيت ينم عن «بدوية» الواحة.

جمل محددة ومشتركة تقاسمها أهالى الواحة، فى حديثهم معنا، ليصفوا بها حياتهم، ويأكدوا تجاهلهم من الدولة، منها «إحنا سلة القمامة للداخلة والخارجة»، و«مركز تدريب الوادى الجديد»، و«حقل التجارب»، كانت كلماتهم تنم عن غضب وكره شديدين من الواحتين «المدللتين»، عبدالنبى حمودة، ووائل ثابت، أول الوجوه الهادئة التى كانت فى استقبالنا، اصطحبونا طوال الرحلة التى استغرقت 6 أيام، وأصبحا «الدليل» الخاص بنا، باغتنا الأول قائلا:«إحنا مش موجودين على الخريطة ولا يوجد اهتمام بنا مثل واحتى الداخلة والخارجة»، فيما هدد الثانى: «إذا استمر الحال هكذا فلا تلوموا الأجيال القادمة إذا فقدوا قوميتهم وانتماءهم، فنحن نسمع كثيراً من الشباب كلمات خطيرة مثل «يا ريتنا تبع دولة تانية حتى لو كانت ليبيا.. أفضل من الدولة التى لا تعترف بوجودنا، وإن كان هذا الأمر تغير قليلا بعد ثورة 30 يونيو والهجوم الشرس الأخير على الفرافرة لنجد بدايات اهتمام جيدة بواحتنا».

عشرات الشكاوى عرضها الأهالى لـ«المصرى اليوم»

كان أهم ما يشغل بال «الثنائى» عبدالنبى ووائل، اختلاف عادات وتقاليد القرى المحيطة، بالواحة الأم، والتى أدت فى النهاية إلى حدوث أول حادث قتل فى تاريخ الواحة منذ نحو سنتين، فقال عبدالنبى: «جريمة القتل تمت فى أحد الأفراح، متهما فيها أحد شباب عائلة صعيدية وافدة إلينا، ولكن لو نحن نقوم بأخذ الثأر لكانت الواحة الآن، على طريق النار، ولكن هناك إهمال واضح للأمن فى الواحة، فهناك سرقات تتم، بجانب جريمة قتل ثانية منذ نحو شهر تقريبا، من أشخاص ليسوا من أهل الواحة، ولا تتحرك الأجهزة الأمنية كالعادة». ولأول مرة بسبب هذه الجريمة، يتم الاستعانة بالحكم العرفى فى الواحة، التى لم تعرف هذا قط، وكانت «المصرى اليوم» أحد الحضور، فى الجلسة التى لم يعتد عليها أهل الواحة، وقال وائل: «لو الأجهزة الأمنية استمعت لكثير من الشكاوى لنا، لما حدثت هذه الفاجعة التى أثرت فينا، ولكن هذه إحدى حلقات إهمالنا الدائم». المثير أنه استمرارا للانفلات الأمنى فى الواحة، وبالرغم من وقوع حادث الفرافرة الإرهابى، لم يؤثر ذلك على بدء حياة أمنية جديدة فى الواحة، بل على العكس السيارات التى تدخل أو تخرج من الواحة، لا يتم تفتيشها نهائيا، وبالتحديد عند النقطة الأمنية التى حدث عندها حادث الفرافرة.

هنا قصر «الفرافرة القديم».. وهنا البيوت التى تحاول الحفاظ على هويتها، وهنا «البيوت المدنية» أيضا التى غزت الواحة بعدما فشل الرومان فى غزوها منذ قرون طويلة، ذهبنا إلى «أطلال» قصر الفرافرة القديم، الذى يقع على أعلى تبة فى الواحة، يحاول الأهالى حاليا الحفاظ عليه، ليكون مقصدا سياحيا ودليلا على «تاريخ» الواحة، تقف فوقه فتزداد حزنا على الواحة التى فقدت ما يميزها، تجد آثارا فى «أرض القصر» لبعض الاستخدامات القديمة للسكان الأصليين، كمخازن حبوب ودقها أو لحفظ الطعام، وفتحات صغيرة لمراقبة الغزاة، أشبه بفتحات القلاع، تنظر حولك لتجد كلمتين فقط يحملها كل بيت على واجهته.. «شطب بيتك» لتعرف أنه كان مشروعا للرئيس السابق مبارك، لإنهاء تشطيبات أو ترميم أى بيت أوشك على الانهيار، وكان يتم دفع 15 ألف جنيه، من الدولة للمواطن، لتكون بديلا عن قيام الدولة بدورها لبناء مشروعات سكنية لأبنائها على الأراضى الفضاء، بنفس طراز الواحة، وتركتهم ليقوموا بـ«خرق»النظام الأصلى للمبانى فى واحتهم، وذلك برفع أسقف بيوتهم أكثر من 3 أدوار بالرغم من حظر ذلك فى الواحة، «هنعمل إيه عايزين نتجوز ومافيش تخصيص أراضى أو شقق».. هكذا رد أحدهم علينا عندما استفسرنا عن سبب وجود مبان بالطوب الأحمر، وبارتفاع حتى 4 أدوار، فيما قال دليلنا وائل ثابت: «طالبنا أكثر من مرة بتخصيص أراض لهم للبناء بنفس طراز الواحة، ولكن دون جدوى».

بدر عبدالغنى.. أحد فنانى الواحة، اختار أن يؤرخ للواحة، بمتحف خاص يمتلكه، ينحت ويجسد برمال وطمى وجذوع النخيل، دون أن يضفى أى ألوان صناعية عليها «كل رسوماتى برمال الصحراء البيضاء التى تعطى كل الألوان التى أحتاجها».. هكذا أكد عبدالغنى، فى بداية متحفه تدخل لترى صورا مرسومة لقصر الواحة القديم، وأخرى للبدو الأصليين فى الواحة، وهم يلعبون «السيجة»– أحد الألعاب الريفية الشهيرة – وحجرة خاصة جدا أطلق عليها «حجرة الأحزان» لترى وجوها منحوتة على جذوع النخيل التى تشتهر به الفرافرة، جميعها لا تعرف «الابتسامة» طريقا لها، «هذه الغرفة أحب الأماكن إلى قلبى فى المتحف، لأنها تعبر عما بداخلى تجاه الفرافرة، حيث لا أستطيع أن أفعل لها ما أتمناه، من حفاظ على الهوية وعودتها لما كانت عليه.. وسأظل أدافع عن هويتنا لآخر العمر».

مشكلات الواحة، لم تتوقف عند التعليم والصحة والإسكان والحفاظ على الهوية، فهى بلا وجهات للرفاهية، حتى مركز الشباب الوحيد فيها، مسرحه عبارة عن هيكل فقط، بلا كراسى، وأرض الملعب الخماسى «أسمنتية»، ومكتبة الطفل بلا مراوح، ومديرها محمد مرزوق، يقوم بتنظيفها يوميا على «أمل» أن تنظر إليه الدولة، ومشروع الصرف الصحى «الوحيد» لخدمة الأهالى ظل متوقفا لنحو 13 عاما، بسبب تعثر الشركة، حتى قام الأهالى بالتوصيل للمنازل على نفقتهم الخاصة، ليبدأ العمل فيه جزئياً هذا العام.

وعندما تسير لتبحث عما يميز الواحة اجتماعيا، سيهلكك التعب.. ولهذا ذهبنا إلى «الأستاذ» محمد رضا عبدالعظيم، هكذا يطلقون عليه ولا يناديه أحد بدون لقب «أستاذ»، على اعتبار أنه كان مدير الإدارة التعليمية سابقاً بالواحة، والذى يقود حاليا فرقة الفنون الشعبية بالواحة تحت إدارة، محمد بدر عبدربه، على حسابه الخاص، إيمانا منه بأن «الفرقة» هى الملاذ الأخير للحفاظ على التراث الخاص بهم، مثل الأغانى والملابس وغيرها، ولكنه لم يتوقف عند هذا فقط، ولكنه شكا لنا باقى مشاكل الواحة وخاصة الأمن الذى أصبحوا يفتقدونه، بعد أول جريمة قتل فى الواحة، على مدار تاريخها.

الحديث مع «الأستاذ» والاستماع إلى أغنياته «متعة» حقيقية، بدأ بترحيبه بنا بأغنية خاصة جدا، ثم جلس على الأرض، ليشير إلى الفرقة حيث يعد الأب الروحى لها: «زمان ما كنش فيه طبلة ولا رق ولا دف، كان مجرد جركن صاج ومزمار من البوص وهو الموجود حتى الآن، وهما كانا المميزين للأغانى البدوية، ووزارة الثقافة لا تدعمنا، فنحن نقوم بشراء هذه الآلات والملابس على حسابنا الخاص».. وأشار إلى أحد الراقصين بالفرقة وقال: «لم يكن لدينا رجل يرقص نهائيا، وكانت من تقوم بذلك فى الأفراح والمناسبات، سيدة تسمى الحجالة، وتقوم بتغطية وجهها، والرقص أمام الرجال، ولكن لم يعد هذا موجودا الآن».، واستطرد: «التهميش لأهالى الواحة فى كل المجالات، حتى التراث، فبالرغم من أن الفرقة تحصل على المركز الأول، فى المسابقات، إلا أن الوزارة لا تهتم بنا، وأعضاء الفرقة لا يحصلون على أى مقابل مادى، وللعلم الأغانى البدوية فى الواحة كانت لغة تخاطب بين الناس وبعضها، ونحن أقرب للشعبين التونسى والليبى، ولهذا مازلنا نحتفظ بنطق حرف القاف فى كلامنا، ولكن تراث الواحة الأصلى فى طريقه للاندثار، ونحاول الحفاظ على البعض منه. «الكرم والاحترام وتقدير الغريب والشجاعة والسلام.. صفات الفرفروني لم تندثر مع التراث».. هكذا أكد «الأستاذ»: «هذه الصفات مميزة لنا فى الواحة منذ عقود، ولكن مع زيادة الهجرة الداخلية لأهالى الدتا والصعيد، أصبحت هناك فجوة وخوف من الغريب، فلقد أصبحوا مثل الاحتلال، يحصلون على أراضينا، ووظائفنا وكأنهم أبناء الواحة، وبعدما كنا ننام والباب مفتوح، ولم يقم أى أحد منا من قبل بحمل سلاح، كل هذا تغير بعد أول جريمة قتل فى الواحة، ولم نشعر بالأمن، فغزتنا السرقة والجريمة، وأرسلت أكثر من 6 فاكسات لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ولمدير الأمن والمحافظ ووزير الداخلية، ولكن دون جدوى، وبصراحة زى اللى بينفخ فى قربة مقطوعة».

«الأستاذ» يرى أن «الفرافرة» مستقبل مصر، لوجود أجود الأراضى الزراعية والمياه الجوفية والعيون الرومانية، وأن الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات، كانا قد وضعا خططا لزراعة أراضى الواحة، ولم تتم إلا فى عهد مبارك لزراعة بعض قرى الخريجين، ولكن تم إهمالها، لأسباب غير معروفة، «لا نريد أن نصبح مثل سيناء» بهذه الجملة أبدى الأستاذ تخوفه على الواحة وأبنائها، وقال: «لابد أن نحصل كأبناء أصليين على حقوقنا، وإلا ستكون الكراهية هى عنوان الواحة للوافدين، الذين يحصلون على حقوقنا، لقد عانينا الأمرين فى التعليم، وكنت أسافر بالجمل 4 أيام كاملة إلى الواحات البحرية، وبعدها أركب أى وسيلة مواصلات للمناشى، لأحصل على دبلوم المعلمين، وهو الأمر نفسه الذى فعله غيرى فى الواحة، فأخشى أن يهاجر أهالى الواحة من الشباب، بعد إطلاق فكرة الانفصال منذ فترة والانضمام الى ليبيا، فنحن نحب مصر حتى تحبنا ولا تذلنا، فلقد طبقوا علينا قوانين المدن ولا نأخذ حقوقها، فالوادى الجديد كله يأخذ كهرباء من السد العالى، ماعدا الفرافرة حيث تستخدم الواحة ماكينات الديزل».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية