عندى خبر سار للذين يبحثون عن نسمة هواء، وسط القاهرة فى حر أغسطس.. أما الخبر فهو أن ما دعوت إليه، مراراً فى هذا المكان، قبل ثورتى يناير ويونيو، ثم بعدهما، حول أرض مطار إمبابة، وكيف أنها لابد أن تتحول إلى حديقة مفتوحة ومزروعة بالمدارس والملاعب، لم يذهب سدى!
ففى صباح أمس، فهمت من المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، خلال اتصال منه، أنه قرر تحويل المساحة التى كانت مخصصة للاستثمار فى المطار، إلى حديقة كبيرة، تملؤها المدارس، ومن حولها وبينها الملاعب.
وكنت قد كتبت فى هذا المكان، صباح السبت، أدعو رئيس حكومتنا إلى أن يغيثنا، وأن يوقف ما أعلنه الدكتور على عبدالرحمن، محافظ الجيزة، يوم الجمعة، حول طرح 70 فداناً من أرض المطار للاستثمار، بحيث تقام عليها مولات تجارية وأشياء أخرى!
وفى صباح يوم السبت نفسه، كنت قد تلقيت اتصالاً من المحافظ الدكتور عبدالرحمن، فهمت منه أن هذه الـ70 فداناً هى كل ما تبقى من أرض المطار التى تبلغ مساحتها 215 فداناً، وأن باقى المساحة قد جرى استغلال جزء منها فى تسكين بعض أبناء منطقة الوراق الذين سوف يخرجون منها بعد فتح الشوارع الضيقة فيها، وأن جزءاً آخر سوف يستغله امتداد المحور الممتد من شارع عرابى بالمهندسين، وأن جزءاً ثالثاً تحول إلى حديقة جرى افتتاحها من قبل فعلاً، ومساحتها 38 فداناً، لتبقى بعد هذا كله، مساحة الـ70 فداناً، التى كان تقدير المحافظ حولها أن استغلالها استثمارياً سوف يدر عائداً على المحافظة، بما يجعل مسألة تطوير أرض المطار، فى إجمالها، عملية اقتصادية، بحسابات الربح والخسارة فى مثل هذه الحالة.
ورغم أن المحافظ بدا متفهماً، أثناء المكالمة، لأهمية أن تتحول المساحة كلها، لا بعضها، إلى حديقة عامة مزروعة بالمدارس والملاعب، إلا أنى حزنت بعدها، لأن دعاة الخضرة والحدائق والأشجار فى البلد لن يفوزوا من الأرض كلها إلا بـ38 فداناً فقط، هى مساحة الحديقة الموجودة فعلاً.
ولم تمض 48 ساعة، حتى جاءت مكالمة رئيس الحكومة، لتنتشلنى من حزنى، ولتبعث حولى الكثير من التفاؤل، ولأسمع منه أنه قرر، وانتهى الأمر، وأن تفريغاً لعدد من مدارس وسط البلد والجيزة سوف يتم فى اتجاه أرض المطار، بعد تحويل الـ70 فداناً إلى حديقة تتنفس منها القاهرة والجيزة معاً، وأن التفاصيل سوف يجرى إعلانها خلال أيام قادمة!
إن الذين يعيشون فى القاهرة والجيزة، يعرفون أنهما فى حاجة إلى مائة مساحة حولهما، من نوعية ومقاس مساحة مطار إمبابة، وأنهما أحق بأى مساحة تخلو حولهما، أو فيهما لتتحول على الفور إلى حديقة، ودون تردد، لأن سوء حال البيئة فى المحافظتين، وزحامهما، واختناقهما، وتلوث هوائهما، لم يعد هذا كله يحتمل منا أى انتظار.. ثم إننا لا نبتدع، ولا نؤلف، ولا نخترع، عندما نتبنى دعوة كهذه، إزاء أرض المطار: فهذا هو الحال فى أى عاصمة متطورة فى الدنيا، تخلو حولها أرض مطار قديم.
كنا بالطبع نطمح إلى تحويل المساحة كلها، وليس نصفها هكذا «38 فداناً + 70 فداناً» ولكننا فى النهاية وأمام واقع قائم لا نملك إلا أن نحيى المهندس محلب، صاحب القرار ونشكره.. وفى كل الأحوال فإن نصف العمى أفضل من العمى كله!