x

طارق الغزالي حرب هل تكفى عبارة «تجديد الخطاب الدينى» فى مواجهة الكارثه؟ (1) طارق الغزالي حرب الأحد 10-08-2014 21:51


هزنى بشدة المقال الأخير للكاتبة المثقفة الواعدة نادين البدير الذى نُشر فى هذه الصفحة يوم الثلاثاء الماضى تحت عنوان «ودعوه.. فهى آخر أيامه»، قاصدة بذلك الوطن كفكرة وحدود.. وما دفعها لهذه العبارة القاسية هو استعراضها لما جرى ويجرى فى المنطقه العربية على مدى العقود الأربعة الأخيرة تقريباً، والتى رصدت منها الاختفاء شبه التام لمصطلح «العالم العربى» لصالح مصطلح «الشرق الأوسط»، وكيف أن كل ماكان يُقال عن وحدة الوطن العربى ومايجمعه من تاريخ ولغة وعرق وأرض أصبح تجهله الآن الأجيال الجديدة، وقالت بكلمات واضحة «أجيال عربية بالملايين تشبعت فقه التخلف وتحولت لأجيال تزدرى العروبة وتعلن عن رابط واحد هو المذهب»، وتساءلت فى نهاية مقالها عن مصير بقية الآخرين أصحاب المذاهب والأديان الأخرى ومصير أصحاب الفكر العروبى والليبرالى والحر، وهل عليها أن تحزم أمتعتها وتهاجر؟! ربما كان الدافع الأكبر للكاتبة المحترمة لكتابة ماكتبته هذه الأيام هو ماتتناقله وكالات الأنباء طيلة الأسابيع الماضية عن دولة مزعومة للخلافة الإسلامية فى العراق والشام تحلم بامتدادها شرقاً وغرباً، وماتفيض به صفحات التواصل الاجتماعى من أخبار وحكايات وفيديوهات عن أفراد هذه الجماعات المتخلفة المجنونة ومايقومون به من جرائم إنسانية حقيرة تجاه المواطنين الذين شاء حظهم العاثر أن يقعوا تحت قبضتهم وليسوا على نفس مذهبهم.. وربما زادها حيرة – كما هو حال كثيرين – تلك الحكايات عن شبان مصريين متعلمين ومن طبقات مُقتدرة يلتحقون بهذه الجماعات. لقد وصلت الكاتبة إلى نتيجة أظنها جوهر الموضوع كله، وهى أن سقوط إخوان مصر أو حكم حماس لايعنى على الإطلاق سقوط الفكر الظلامى المتخلف الذى لايرى غضاضة فى قبول أفكار «داعش» ومن على شاكلتها، ويرى أن إقامة الخلافة الإسلامية ومُبايعة أمير للمؤمنين هدف إسلامى سام يستحق أن تُبذل فى سبيله الدماء والأرواح والأموال، طالما الشهادة والجنة هما المُراد والمثوى. يبقى السؤال الأخطر والأهم فى مواجهة هذه الكارثه: أين الخلل؟ هل هو المناخ السياسى المُهترئ البائس الذى نعيش فى ظلاله منذ عقود وإلى الآن؟ أم أن الخلل الأساسى هو فى الخطاب الدينى والإعلامى الرسمى وغير الرسمى السائد منذ السبعينيات والذى فتح له الأبواب على مصراعيها الرئيس «المؤمن» السادات؟ أم كلاهما معاً؟ والسؤال الآخر المهم، هل الحلول الأمنية الباطشة وانتهاك الحريات واستباحة الحرمات وزيادة المعتقلات والإعدامات هى الحل؟ أسئلة خطيرة ومهمة ينبغى على كافة المثقفين والوطنيين المهمومين بمستقبل هذا الوطن الانشغال بالإجابة عنها بمنتهى الوضوح والشجاعة.. وينبغى كذلك على الدولة رئيساً وحكومةً ومؤسسات دينية وغير دينية، أن تُدلى جميعها بدلائها فى كيفية مواجهة هذا الفكر الجاهل المتخلف المتطرف الذى تمكن من عقول ملايين المصريين سواء كانوا أميين أو متعلمين حاصلين على أعلى الشهادات، بإجراءات حاسمة ومُحددة وفاعلة. لقد سمعت الرئيس السيسى يردد فى أكثر من مناسبة عبارة «تجديد الخطاب الدينى»، وأعجبنى أنه فى احتفال ليلة القدر أدار وجهه ناحية شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المشغولين بمسابقات حفظ القرآن وقال لهما «ماهو اللى بيقتلونا برضه من حفظة القرآن» وهى رساله لها مغزى عميق.. ولكن هل يكفى ترديد العبارة التى نسمعها منذ سنوات عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى بلا أى نتائج ملموسة على أرض الواقع لمواجهة مانحن بصدده الآن؟ إن مواجهة الفكر الدينى المتخلف الجامد لن يكون إلا بكشف التدليس والتزييف الذى تقوم به الغالبية العظمى من تجار الدين الذين يصفون أنفسهم بالعلماء حتى يقطعوا الطريق على أى مسلم عاقل باحث مُتدبر يكشف لعبتهم الخبيثة فى تفسير وتوظيف آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية بما يخدم مافى عقولهم الرجعية المتخلفة من أفكار مريضة يسيطرون بها على عقول العامة من الناس.. لقد شاهدنا فى الفترة الأخيرة الموقف المزرى للمؤسسات الدينية الرسمية تجاه إعلامى مثقف وباحث مجتهد هو الأستاذ إبراهيم عيسى عندما ناقش قضايا لاعلاقة لها بأصول العقيدة وهى قضيتا عذاب القبر والحجاب، فأذهلنى مثلا ماكتبه مفتى الجمهورية فى صحيفة «الأهرام» يوم الجمعة الماضى عن هذا الموضوع، ومنه بالحرف: «فى الفترة الأخيرة دأب البعض على إثارة قضايا تحدث البلبلة من خلال إنكار ثوابت العقيدة من عذاب القبر أو الحجاب أو النيل من بعض الصحابة أو التشكيك فى علماء الحديث مما يفتح باباً لغير المتخصصين لأن يدلوا بدلائهم فى القضايا العقيدية والفقهية مما يثير مشاعر العامة والخاصة فى وقت تسعى البلاد فيه للهدوء بعيدا عن صخب المدعين»! هل ننتظر جديدا أو تجديداً من أمثال أصحاب هذه العقول؟ وللحديث يقية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية