x

د. ياسر عبد العزيز ناصر لم يكن محظوظاً د. ياسر عبد العزيز السبت 09-08-2014 22:17


فى عبارة شهيرة يقول كارل ماركس إن «التاريخ يعيد نفسه فى المرة الأولى كمأساة، وفى المرة الثانية كمهزلة».

نحن نريد أن نتعلم من التاريخ، لكن لا نريد أن نعيد ما جرى يوماً ما بالتفاصيل والأخطاء ذاتها، وكأن العالم لم يتحرك، والسياقات لم تتغير، والظروف لم تتبدل، وإلا أصبحنا كمن يبحث عن مأساة أو مهزلة- على حد قول ماركس.

فى تاريخ مصر الحديث، ربما لا يوجد من هو أكثر نبلاً وإخلاصاً ووطنية من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كى نجعله مصدر إلهام لخطواتنا فى العمل الوطنى.

وعلى هذا النحو، فقد أتى ذكر هذا الزعيم، وسرى إلهامه، خلال الأسبوع الماضى، فى الأجواء التى تم الإعلان فيها عن مشروع تنمية محور قناة السويس، بما يتضمنه من شق فرع جديد للقناة.

لقد كرس الرئيس السيسى زعامته فى هذا اليوم، الذى أعلن فيه عن المشروع، كما دشن مبادراته الاقتصادية والتنموية على نحو موفق ورائع، وراح يعلن عن جانب جديد فى شخصيته يضم سمات البانى والمُعمر إلى خصال الحامى والضامن.

ومما قاله الرئيس السيسى فى ذلك اليوم أن «الزعيم الراحل عبدالناصر كان محظوظاً، لأنه كان يتحدث والإعلام معه».

يغبط السيسى الزعيم الراحل عبدالناصر لأن الإعلام المصرى فى عهده كان تقريباً يعكس رؤية الزعيم، ويردد كلماته، ويدافع عنه، ويهاجم خصومه، ويمجد إنجازاته، ويمدح بطولاته، ويساند قضايا التنمية التى يحددها، ويغنى لها.. وله.

من الصعب جداً تخطئة المنظومة الإعلامية المصرية فى عهد عبدالناصر حينما يأتى القول عن «مساندتها لزعيم وطنى مخلص فى مواجهة تدبير إقليمى ودولى شرير ومخاطر عظيمة تحدق بالدولة، فى أجواء عملية بناء وتنمية صعبة صبت فى صالح فقراء الوطن وأضعف أبنائه».

ومن الصعب أيضاً تبرئة هذا الإعلام عند الحديث عن «غياب الحس النقدى، وإشاعة أجواء الزهو الفارغ، والتغطية على العيوب، وتجاهل القصور، وتسليم الأمة مخدرة إلى هزيمة مذلة، يفقد بسببها قطاع من الشعب الثقة العامة، ويتزعزع معها يقين الملايين، ويضيع الأمل لسنوات».

فالفارق كبير طبعاً بين منظومة إعلامية واعية، تعمل وفق القواعد المهنية على تعزيز التغطية المعيارية لمشروع ضخم وحيوى مثل تنمية محور قناة السويس، وبين منظومة إعلامية تنطلق من دوافع أخرى فى عملية مديح مثلاً لجهاز «اللواء عبدالعاطى».

ستأخذنا التغطية المعيارية المسؤولة فى الحالتين إلى الموقف الصائب، وإلى ما يخدم السيسى ومشروعه، ففى المرة الأولى سيتم تعزيز التوجه فى المشروع الصحيح، وفى المرة الثانية سيتم دق أجراس الخطر فى المشروع الخاطئ.

تنطوى النظم الإعلامية الرشيدة على الكثير من الفرص لنظم الحكم، كما تنطوى أيضاً على مخاطر، لكن الأكيد أن النظم الإعلامية المنغلقة والشمولية لا تنطوى على الفرص الكافية لمساعدة نظام على البقاء والتقدم فى هذا العالم المنفتح.

بسبب تغيرات جوهرية طرأت على نظم الاتصال العالمية وعلى ثقافة الاتصال وآلياته فى مصر، سيكون من الصعب جداً إعادة تجربة الستينيات الإعلامية، التى ارتكزت أساساً على فكرة قدرة الدولة على التحكم فى مصادر الرسائل الإعلامية وطبيعتها.

ولأن الأداء الإعلامى الراهن يمكن أن ينطوى على مخاطر حقيقية فى ظل تدنى المستوى، وغياب آليات التقييم، واحتمالات الاختراق التمويلى، وهشاشة البنية العامة، فلن يمكن استمرار الأوضاع على ما هى عليه فى هذا الملف الخطير.

والحل يكمن ببساطة فى إعادة بناء النظام الإعلامى المصرى، عبر الوفاء بالاستحقاقات الدستورية الواردة فى هذا الصدد، بشكل يسمح بتقنين عادل لأشكال التملك، وإخضاع الأداء للتقييم الفنى الدورى، ومحاسبة المتجاوزين بما لا يجور على الحرية.

يجب أن يبقى الإعلام حراً ومنفتحاً وتعددياً وخاضعاً للتقييم الفنى العادل، بحيث يساعدنا على أن ندرك إنجازات عبدالناصر، ونتفادى هزائمه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية