x

«المصري اليوم» ترافق الناجين من جحيم ليبيا في معبر رأس جدير التونسي

الجمعة 08-08-2014 22:37 | كتب: صفاء صالح, أحمد يوسف |
نزوح العمال المصريين من ليبيا نزوح العمال المصريين من ليبيا تصوير : أ.ف.ب

7 ساعات قضاها فريق عمل «المصرى اليوم» على الجانب التونسى من معبر رأس جدير المنفذ الغربى لخروج العمال المصريين وأسرهم، فارين من نيران ليبيا. يسلك المصريون هذا المنفذ ليخرجوا إلى واحد من ثلاث طرق تصل بهم إلى مصر: ميناء جرجيس البحرى، ومطار جربا- جرجيس، ومطار جابس مماطا المقابل لمنفذ السلوم فى غرب ليبيا.

بدأت الرحلة من مدينة جربا الواقعة على بعد ما يزيد على 600 كيلومتر من تونس العاصمة، ومن جربا إلى مدينة بن جردان التى تفصلها عن معبر رأس جدير الحدودى بين تونس وليبيا 3 أكمنة للجيش والشرطة التونسيين تنتهى فى كمين رأس جدير على بعد 500 متر من الشريط الحدودى. من هنا تعبر عشرات السيارات تحمل ليبيين فارين من جحيم الحرب الدائرة فى بلادهم، بينما لم تظهر وجوه العمال المصريين إﻻ فى الساعة الثالثة والنصف فجر الجمعة، فى حافلتين كبيرتين تنقلهم إلى مطار جابس ليستقلوا طائرة الخامسة فجرا إلى القاهرة ليصبح عدد من سافروا فى ذلك اليوم عبر 7 رحلات جوية 1700 مصرى ومصرية، وذلك بعد أيام من الجلوس فى العراء ليلًا وتحت قيظ الشمس نهارا، ولم يعبر فى الأيام الأولى لفرارهم إلا من كان قادرا على دفع الرسوم بما تبقى فى جيوبهم من أموال، أو عبر مساعدة بعض العاملين على الجانب الليبى.

توقفت الحافلتان ليرافقهما صحفيا «المصرى اليوم» فى رحلتهما إلى المطار. بمجرد الصعود إلى الحافلة المكتظة بالمصريين العاملين وزوجات بعضهم وأطفالهم تعالت الصيحات: «لن نتحدث إلى أحد. أين كانت مصر ونحن نتعرض للإهانة والضرب كل يوم بالخراطيم والعصى والمواسير الحديد، بخلاف طلقات تحذيرية فوق رؤوسنا؟!».

يرفضون الحديث إﻻ إذا دخلنا بأنفسنا إلى الجانب الليبى ورأينا الانتهاكات. يقولون: «لو صحيح عاوزين تعرفوا الحقيقة عدوا الناحية التانية وشوفوا بعيونكم اتصرفوا وادخلوا. هناك تتم إهانة المصريين. حتى الوجبة ﻻ نأخذها إﻻ فى وجود الهلال الأحمر لما ييجى كل يوم، وأحيانا كل يومين يصورونا وهو بيسلموا الوجبات وبعدها تبدأ حفلات الضرب والإهانة».

مسعود عبدالمطلب، شاب ثلاثينى، الوحيد الذى وافق على الحديث بعد فترة: «أنا شغال مبيض محارة، من المنصورة. توجهت مع زوجتى وثلاث بنات وولد أكبرهم حنين فى الصف الأول الابتدائى إلى المعبر، بعد أن أجبرتنا الظروف على المغادرة، حيث ارتفعت أسعار السلع فى ليبيا بشدة، بعد نشوب الأزمة. الليبيين بياكلوا علينا فلوسنا، واستحملنا كتير على أمل إن الحرب تنتهى، وبعدين لما قررنا نمشى ونقول بلدنا أَوْلَى بينا لم نجد أى رحلات طيران، وطبعا الطريق البرى غير آمن»، ويضيف: «ذهبنا باتجاه معبر رأس جدير، وعلى ما وصلنا كانت صحتنا راحت غير اللى شوفناه فى الممر.. ذل وقهر وإهانة وجوع يعنى خلصنا من الميليشيات فى طرابلس وقعنا فى إيد من ﻻ يرحم على المعبر».

محمد عادل، أحد العمال المصريين الفارين، جاء من العياط بمحافظة الجيزة: «أعمل فى إحدى شركات الكهرباء، وفوجئنا ذات ليلة أنا ورفاقى فى السكن من المصريين بوقوع صواريخ على البيوت ومخازن الشركة، فانتقلت إلى مكان آخر، فوقعت علينا الصواريخ واحنا نايمين، وبعدها انتقلنا إلى مكان ثالث، قبل أن يتم قصف خزانات النفط واشتعال النيران بها، فقررت الرجوع، واحنا فى الطريق تم الاستيلاء على أموالنا وهواتفنا من قِبَل قطاع طرق». ويتابع: «اللى ماسكين المعبر بيهددونا ويضربوا نار فوق الروس، والناس لو مرجعتش خلال يومين هيموتوا من حرارة الشمس وعدم الأكل».

جلال محمد عبدالعاطى، من العياط بمحافظة الجيزة، يقول: «هربنا بعدما طلبت الميليشيات تجنيدنا مقابل 400 دينار ليبى، ونضرب فى أى حد، لأن هناك متعرفش مين مع مين ومين ضد مين، فرفضنا، وقررنا الهروب إلى معبر رأس جدير. العبور هنا بالبركة.. لا فيه نظام ولا دور. معاملة الجانب التونسى أفضل من الموظفين على الجانب الليبى. المصريين الناحية التانية نايمين على التراب!».

«قاعدين على الرمل والشمس فى دماغنا طول النهار، وبالليل بنموت من البرد كل واحد فينا عاوز ينفد بجلده بنطلع نجرى على البوابات بيضربوا علينا ويشتمونا بأبشع الألفاظ ويتوعدونا إننا مش هنرجع ليبيا تانى، علشان هربنا منها وقت الحرب» يقول «أ. ع»، العامل الخمسينى، الذى لفحت وجهه شمس الحقول بمدينة الزاوية الليبية وشمس المعبر على الحدود. يخشى ذكر اسمه كباقى المعترضين على الإهانة فى ليبيا، لكن الأمل فى قلوبهم أن يعودوا للعمل هناك ذات يوم، ويضيف: «أنا أب لـ 7 أوﻻد، عايش باشتغل بالأجرة فى أسيوط اليوم بـ 20 جنيه، إزاى عيلتى تاكل؟! ﻻزم آجى تانى، دا أنا بعت حلق مراتى ونصيبى من البقرة الشرك، واستلفت، ودفعت 8 آﻻف جنيه اللى سفرونى».

بينما كانت زوجته وأوﻻده الثلاثة يلتزمون الصمت، ويرفضون الحديث فى مقدمة الحافلة، حيث تولى أشرف محمد، فنى ديكورات، من المنصورة، الحديث بدﻻ منهم، فيقول: «دفعت على الجانب الليبى 400 دينار رشوة علشان أعدى لتونس. المبلغ ده يوازى 2500 جنيه مصرى، علشان أرحم مراتى من البهدلة والمنع من دخول دورات المياه من الـ 6 صباحا لـ 7 مساء».

بوجه عابس وملامح معترضة وصوت يملؤه الغضب يقول محمد حامد، 24 سنة، من أسيوط، كان يعمل جزارا فى قرية جنزور التى يسكنها عدد كبير من المصريين داخل ليبيا: «أوجه كلامى لمين؟! طول المصريين ما بيتهانوا قدام المسؤولين بتوعنا ويسكتوا مافيش فايدة، لما راجل عنده 60 سنة قد ابويا يتربط من رجليه ويتمد عليها بالخرطوم علشان عاوز يدخل المعبر وبيقولهم دخلونى، لما اشوفه وهو بيبكى وهو بيتمد وأنا عاجز عن أن أدافع عنه، لأن ده معناه انى أموت برصاصة فورا. إزاى يبقى احنا لينا كرامة؟!».

تنتهى الرحلة فى الرابعة والنصف بالوصول إلى مطار جابس لينضم مستقلو الحافلتين إلى باقى المصريين المتوجهين إلى الطائرة التى أقلتهم إلى القاهرة فى ثالث رحلاتها عبر مطار جابس.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية