استمعت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة، الخميس، إلى تعقيب النيابة على مرافعة المحامى فريد الديب، في جلسات إعادة محاكمة القرن، التي يحاكم فيها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ونجلاه علاء وجمال، ووزير داخليته حبيب العادلى، و6 من كبار مساعديه، واستشهدت النيابة بالآية القرآنية «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً»، للرد على اتهام الدفاع لها بتحريف الأدلة. عقدت الجلسة برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدى، وعضوية المستشارين إسماعيل عوض، ووجدى عبدالمنعم، وأمانة سر محمد السنوسى، وصبحى عبدالحميد، بإثبات حضور المتهمين، ومن بينهم مبارك، الذي حضر محمولا على سرير طبى.
وقالت النيابة إن دفاع المتهمين وصف المتظاهرين بالبلطجية، وحاول أن يقتصر القضية على ما حدث أمام أقسام الشرطة، وتوضح النيابة أن الاتهامات الموجهة للمتهمين هي قتل المتظاهرين في الميادين وليس أمام الأقسام، ولم يتحدث الدفاع عن المتظاهرين الذين قتلوا في الميادين.
وأثبتت المحكمة في بداية الجلسة أنه ورد طلبان من فريد الديب، دفاع مبارك، ونبيل مدحت سالم، محامى اللواء أحمد رمزى، مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الأمن المركزى، وأثناء إبداء الديب طلبه تبين وجود عطل في الميكروفون، فقال القاضى: «ربنا يتولانا مع الأكاديمية».
وأكد الديب أن حالة مبارك الصحية تتردى وفى غاية السوء، والأطباء كادوا يعيدوه إلى المستشفى قبل استقلال الطائرة، لكنه أصر على الحضور احتراما للمحكمة الموقرة، وطلب الدفاع من المحكمة إعفاء مبارك من الحضور إذا ترديت حالته الصحية أكثر من ذلك، وسوف يقدم ما يفيد بذلك من أطباء المستشفى، ويتعهد أمام المحكمة بأنه سينقل له كل ما يدور في الجلسات القادمة.
وناشد القاضى مدير أكاديمية الشرطة بإصلاح ما سماه «مأساة الصوت»، وسأل القاضى مبارك: «موافق على كلام دفاعك»، فرد بـ«نعم»، فيما طلب محامى «رمزى» تقديم مذكرة عن المتهم ليتحدث بجلسة الإثنين المقبل.
وقال المستشار وائل حسين، المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة، في تعقيبه على مرافعة دفاع المتهمين، التي استمرت على مدار 30 جلسة، إن المحامين أبدوا دفوعهم القانونية، إلا أن الخيال أبعدهم عن ملابسات الواقعة، والنيابة تنوب عن المجتمع وتدافع عن حقوقه ابتغاء تحقيق العدالة، ولا يعنيها إدانة متهم بعينه أو براءة آخر، والنيابة لها في هيئة المحكمة القدوة الحسنة.
وأكد «حسين» أن الدفاع لم ينتبه إلى أدلة أمر الإحالة، وتنوه النيابة بأن دفاع المتهم الأول هاجم رموز النيابة العامة بدعوى أن المتهم تعرض إلى معاملة سيئة في تلقيه الرعاية الصحية بموجب قرارات النيابة العامة، لكسب تعاطف المحكمة والرأى العام تجاه المتهم بـ«عبارات رنانة جوفاء»، وأراد تصوير المتهم كأنه مجنى عليه ووضعه في «مرتبة الأنبياء والقديسين»، مشددا على أن النيابة اتبعت قواعد القانون ولوائح السجون مع مبارك، دون النظر عن صفته. وأشار المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة إلى أن بعض أعضاء الدفاع هاجموا إجراءات النيابة العامة بصورة غير منطقية، وزعموا أن هناك قصورا شديدا شاب التحقيقات، مضيفا أن دفاع المتهمين حاول قدر طاقته اختلاق فكرة أن مهمة قوات الشرطة التي اعتدت على المتظاهرين كانت تقوم بتأمين المظاهرات وحمايتها، وحاولوا إقناعنا بأن قوات الشرطة كانت مؤيدة للمظاهرات وضد النظام، وقال بعضهم إن المجنى عليهم من المتظاهرين هم من تعدوا على أفراد الشرطة الذين لم يكن معهم سوى المياه والغاز- حسب قول الدفاع- رغم أن القضية هي «قتل المتظاهرين في الميادين».
وتابع المستشار وائل حسين، أن الدفاع حاول التنصل من الاتهام وإبعاد المسؤولية عن المتهمين بمنطق «شاذ» و«معيب» ساوى فيه بين المتظاهرين المسالمين وقوات الشرطة، وبين المجنى عليهم والجناة، معلقا على اتهام النيابة العامة بتحريف الأدلة بجزء من الآية رقم 5 في سورة الكهف يقول: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً».
وأوضح المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة أن تعقيبه سيكون خاصا بالدفوع القانونية وقتل المتظاهرين في الميادين في القضيتين 1227 و3642 لسنة 2011، والجزء الثانى خاص بالمال العام واستغلال النفوذ، مؤكدا أن الدفع الأول الخاص ببطلان التحقيقات التكملية التي صدرت عن نائب عام بطل تعينه، فهذا الدفع مردود عليه بأن الموظف الفعلى الذي عين تعينا معيبا، فإن القضاء قد أجاز سلامة الأعمال التي قام بها، وقد أسس القضاء والفقه ذلك لانتظام المرافق العامة، وهذه النظرية يطبقها القضاء في الظروف العادية أو الاستثنائية، وأعمال ذلك الموظف مشروعة طبقا لنظرية الموظف الفعلى، وهذا أيضا على حالات الثوار الذين ينتزعون السلطة وتكون أعمالهم «مشروعة».
أضاف أن النائب العام هو صاحب الحق في إقامة الدعوى الجنائية، وأعضاء النيابة يمارسون ذلك الحق لكونهم وكلاء عنه، ولا يحتاج ذلك إلى قرار، والنائب العام لا يملك تقيد سلطة وكيله في نوع معين من الجرائم، وبالتالى تسقط الوكالة إذا خالف التصرف، وقد خول القانون للنيابة العامة سلطة التحقيق الابتدائى المقررة لقاضى التحقيق، ونص في المادة الثانية من قانون الإجراءات أن يقوم النائب العام بمباشرة الدعوى الجنائية كهيئة، وعلى هذا فإن أعضاء النيابة العامة حالة التحقيق لا يستمدون صفتهم من النائب العام، لكن من القانون.
ورد المستشار وائل حسين على الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا لنظر الدعوى وبطلان تحقيقات النيابة، وأمر الإحالة تأسيسا على أن المتهم مازال رئيسا للجمهورية لعدم تقديمه استقالته إلى مجلس الشعب، بالتأكيد على أن المبادئ المقررة في الفقه الدستورى تشير إلى أن الثورة تصدر عن الشعب نفسه باعتباره مصدر السلطات، وذلك بتغير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أملا في تطوير المجتمع ونجاح الثورة التي تقوم ضد نظام الحكم، ويترتب على ذلك إسقاط الدستور وقيام نظام جديد، ومن الثابت أن البلاد قد شهدت من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011 ثورة عارمة، والفيصل هو سقوط الدستور والنظام، وهذا ما حدث بالفعل.
وتابع أن ثورة 25 يناير كانت ثورة عارمة ضد النظام الحاكم للبلاد، لسوء تردى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وقد ثار الشباب وانضم إليهم أفراد الشعب، وأدت الثورة إلى خلع المتهم الأول بعد 18 يوما، وتخليه عن منصب رئيس الجمهورية وسقوط كل دعائم نظامه، وسقط الدستور، وتولت القوات المسلحة سلطة الحكم، ونتج عن ذلك حل مجلسى الشعب والشورى، وهذا يؤكد أن المتهم الأول تجرد صفته من رئيس للجمهورية. أضاف أن الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها مما لا يملك الحق، مردود عليه بأن الذي أقام الدعوى المحام العام الأول لنيابة استئناف القاهرة، ويتبين من نصوص الفقرة الأولى من المادة الأولى والمادتين 21 و23 من قانون الإجراءات الجنائية والسلطة القضائية أن النيابة العامة نائبة عن المجتمع، وهى المختصة دون غيرها بتحريك الدعوى الجنائية، والنائب العام هو الوكيل عن الهيئة الاجتماعية، ومنح القانون الحق للنائب العام في ندب من يراه لتحقيق أي قضية أو إجراء أي عمل قضائى. وفى بداية الجزء الثانى من الجلسة استكملت المحكمة الاستماع إلى تعقيب النيابة العامة، وقاطع القاضى ممثل النيابة، وقال إنه ورد تقرير من قائد الفريق الطبى المعالج للمتهم محمد حسنى مبارك بأنه يعانى من انخفاض حاد بالضغط، ويستلزم نقله على الفور إلى مستشفى المعادى العسكرى.
وعقب المستشار محمد إبراهيم، المحامى العام لنيابات استئناف القاهرة، على الدفع بانتفاء جريمة القتل العمد والقصد الجنائى، وقال إنه وفقا لمواد قانون الإجراءات الجنائية فإنه لا يجوز التعرض للمتظاهرين السلميين، وفى هذا الإطار أجازت المادة 102 من قانون الشرطة استخدام القدر اللازم لأداء الواجب، مؤكدا أن هذا الدفع على غير أساس، والشريك يعاقب كما يعاقب الفاعل الأصلى.
وأكد توافر عنصر الاتفاق بالاشتراك والتحريض والمساعدة، وتلاقت إرادة المتهمين الأول مبارك والخامس العادلى على تفريق المتظاهرين بأى طريقة في حال فشل الوسائل السلمية، حتى لو تم استخدام سيارات الشرطة وأسلحة الخرطوش، وحتى لو أدى ذلك إلى إزهاق أرواح بعض المتظاهرين لتفريقهم وتنحيتهم عن مطالبهم، وذلك حماية لمناصبهم.
وقال «إبراهيم» إن مبارك شاهد الأحداث وهو داخل مقر الرئاسة، خاصة أحداث السويس، وطلب «العادلى» من الأول الاستعانة بالقوات المسلحة، في بداية الأحداث، إلا أنه رفض.
وأضاف أن أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، قال إن القرارات بشأن الأحداث كانت تتم بتنسيق بين مبارك والعادلى، دون عرضها عليه.
وتابع ممثل النيابة أن مبارك توافر لديه عنصر القصد الاحتمالى لجريمة القتل بموافقته على اجتماع الوزير وتحفيزه على الحل، دون إصداره أي قرارات بإصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وأوضح أنه تبين من الواقع العملى من الخطة التي وضعها المتهمون من الخامس حتى التاسع أنهم قاموا، في 28 يناير 2011 بحشد جميع القوات والأجهزة وكتائب الدعم المؤهلة للتعامل مع البؤر الإجرامية المحظور استخدامها في التظاهرات وقوات أمن المديريات غير المؤهلة لمواجهة المتظاهرين، وذلك بهدف عدم وصول المحتجين إلى الميادين، خاصة ميدان التحرير، وأن المتهمين التسعة من كبار خبراء الأمن، رغم علمهم بوقوع القتلى والمصابين، استمروا في تنفيذ الخطة، مؤكداً توافر نية القتل بتوجيه الرصاص في الرؤوس والصدور.
وأكد ممثل النيابة توافر عنصر الضرر بالمال العام، وظهر ذلك عندما حشد «العادلى» ومساعدوه القوات، وسحبوها من أماكن خدماتها وتم تجميع أجهزتها لمواجهة المتظاهرين، وذلك بهدف عدم وصولهم إلى الميادين، ما أدى إلى حدوث فراغ أمنى بالبلاد، واقتحام السجون، والاعتداء على أقسام الشرطة وأماكن تخزين الأسلحة، وتخريب المنشآت، والحرق، والسرقة، وقام المتهم الخامس بقطع الاتصالات، ما أدى إلى انقطاع التواصل بالنجدة.
ورد ممثل النيابة على الدفع بانحسار دور الشرطة في عصر 28 يناير بأن هذا لم يحدث، وبناء على قرار الشهود أن صدور مرسوم بنزول الجيش لا يمنعها من أعمالها، لأنهم استمروا في العمل بجميع المواقع، وقال البعض من رجال الشرطة إنهم لم يتوقفوا عن أعمالهم.
وقال إن الدفع بخلو الأوراق بما يفيد إحراز قوات الشرطة أسلحة آلية وخرطوش مردود بأن بنود محاضر التفريغ تفيد بخروج أسلحة في مواقع التظاهر وقطاع الشهيد أحمد شوقى طبقا للبند 12، تسلم 3 مجندين طلقات خرطوش، وعلى ذات النسق البندان 20 و24 أحوال، والتى انتهت إلى تسلم المجندين أسلحة خرطوش، إلى جانب أقوال بعض رجال الشرطة بأنهم كانوا يحملون أسلحة، وقول ضابط إنه فقد 400 طلقة، وهو أمر غير معقول.
وقال إن مدير أمن البحيرة حكم عليه بالحبس لترفق المحكمة به، إلا أنها أدانته بقتل المتظاهرين، خلافاً للواقعة الشهيرة التي قال فيها للمتظاهرين: «نحن أسيادكم». وأضاف أن التحقيقات التكميلية التي أجرتها النيابة العامة تبين منها طمس الحقائق من دفاتر الأمن المركزى، ولم يرد الدفاع على استخدام الأسلحة، ورد على الدفع بوجود طرف ثالث، أن هذا الأمر كشف أن المتهمين أهملوا وتركوا العناصر الأجنبية تدخل الميادين، وتصدوا لأبناء البلد، ما نتج عنه اقتحام السجون.
وقال ممثل النيابة، رداً على دفاع المتهمين الأول والسادس والرابع عن الشائعات التي لحقت به، إن النيابة تقرر أن النظام السياسى بالدولة وكثيرا من أجهزة الدولة استعدت لتوريث الحكم، واستند إلى أقوال أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، رأس السلطة التنفيذية بالبلاد، حيث قال إن المتهم الرابع كانت تتم إحاطته بهالة كبيرة من الإعلاميين، ويأخذ بعض الفعاليات، ويستعين بالوزراء ويكلفهم، وهو أمر غير معتاد في تنظيم رحلات الرئيس نفسه، ورئيس الجمهورية كان يعد نجله لتوريث الحكم.
وأنهى ممثل النيابة تعقيبه في الدفوع الخاصة بالاتهام بقتل المتظاهرين بالرد على الدفع بوجود طرف ثالث، واستند في رده على شهادة كل من اللواءات عمر سليمان ومحمود وجدى ومنصور عيسوى بأن تحرياتهم أكدت وجود طرف ثالث، وقال إن الطرف الثالث هم من قاموا باقتحام السجون والأقسام والمراكز، ويحاكم فيها حالياً الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية الأسبق، وجماعة الإخوان المسلمين وعناصر حماس وحزب الله، ولكن القضية التي يحاكم فيها المتهمون خاصة بالتعدى على المتظاهرين السلميين، وهذه الواقعة تختلف عن أي قضية أخرى، والنيابة لا تنطق عن الهوى، والمجنى عليهم هم أبناء المجتمع، وكذلك المتهمون من أبنائها، وليست لديها مصلحة في شىء.