حصلت «المصري اليوم» على تفاصيل تحقيقات نيابة جنوب الجيزة، بإشراف المستشار محمد شقير، القائم بأعمال المحامى العام الأول للنيابات، فى واقعة الاعتداء الوحشى بالضرب على أطفال أيتام بدار رعاية مكة المكرمة بالهرم، حيث أمرت النيابة بحبس أسامة عثمان، صاحب الدار، لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات معه، وأمرت بإخلاء سبيل منى محمد، مدير دار الرعاية، بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه، على ذمة ذات القضية، كما أمرت بصرف إلهام عيد، زوجة المتهم، مقدمة البلاغ ضده، من سراي النيابة مؤقتا، وطلبت تحريات رجال المباحث بمديرية أمن الجيزة حول دورها فى تلك الأحداث.
وأكدت التحقيقات التى أجراها المستشار أسامة حنفى، مدير نيابة حوادث جنوب الجيزة، أنه جرى ضبط المتهم أسامة عثمان، صاحب دار أيتام مكة المكرمة الخيرية، المشهرة برقم 2760 تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى، من منطقة الرماية، وذلك بعد هروبه من منزله الكائن بمنطقة الطالبية، أمس الأول، قبل مداهمة قوة أمنية من ديوان عام قسم الطالبية شقته.
وتبين من خلال التحقيقات أن «المتهم» كان فى طريقه إلى «الرماية» لاستئجار شقة سكنية هناك، وكانت بحوزته مبالغ مالية قدرها 100 ألف جنيه، ولكن قوات الأمن تعقبته عن طريق تتبع هاتفه المحمول. وعلمت من خلال أحد أصدقائه الذى أبلغ رجال الشرطة بشروع صاحب دار الأيتام فى التخفى بإحدى الشقق السكنية بمنطقة الرماية، فألقت القوات القبض عليه، وجرى اصطحابه أولاً إلى ديوان عام القسم، عصرا، لمناقشته حول قضية اتهامه بالتعدى بالضرب على الأطفال، كما تجمهر العديد من المتبرعين إلى الدار أمام القسم، انتظارا لخروجه، وحاول بعضهم الدخول إلى مقر احتجازه، للاعتداء عليه وتصويره، إلا أن القوات المكلفة بتأمين قسم الطالبية فرقت صفوفهم ومنعت تجمهرهم.
وفور وصول المتهم إلى ديوان عام قسم الطالبية، أجرى رجال النيابة العامة اتصالات مكثفة برجال المباحث العامة، تمام الساعة 5 مساء، لاصطحابه هو و«منى»، مدير الدار، و«إلهام»، زوجة المتهم، إلى سراي النيابة بمقر محكمة جنوب الجيزة الابتدائية بشارع ربيع بميدان الجيزة.
ووجهت النيابة للمتهم، الذى أمرت النيابة قوات الأمن بفك الكلابشات من يديه أثناء التحقيقات معه، تهم الاعتداء على 7 أطفال بدار أيتام مكة المكرمة الخيرية، وأفادت المتهمة «منى»، مديرة الدار، خلال مواجهتها المتهم بأنها لم تكن على دراية بفيديوهات التعذيب وضرب الأطفال، وأنها تسلمت عملها منذ قرابة العام، وخلال تواجدها جرى نقل 3 أطفال ضمن صغار السن الذين ظهروا فى مقاطع الفيديو المتداولة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وتويتر بالإنترنت، فانتهت النيابة إلى إخلاء سبيلها، بعد دفع الكفالة المالية، ووجهت لها النيابة مبدئيا تهمة التقاعس عن أداء دورها الوظيفى فى حماية الأطفال، كما طلبت من رجال المباحث إعداد التحريات عن تحديد دورها فى تلك الوقائع وعلمها بالتستر على المتهم صاحب الدار من عدمه.
وتبين من خلال التحقيقات أن الفيديوهات المتداولة على شبكة الإنترنت، الخاصة بتعذيب الأيتام بدار مكة المكرمة بالهرم، ترجع إلى عام وأربعة أشهر بالضبط، وواجهت النيابة «إلهام»، زوجة المتهم، بأنها حاولت التستر على المتهم، فأكدت أنها تقدمت إلى المسؤولين بوزارة التضامن الاجتماعى بتلك الفيديوهات منذ أكثر من عام، لكن ساكنًا لم يتحرك، سوى بعد نشرها على الإنترنت وتداولها بين أيدى الناس، وتقدمت زوجة المتهم بأربعة فيديوهات جديدة توثق تعذيب صاحب الدار الأطفال والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، فأمرت النيابة بإرفاقها مع الفيديو الموثق بجريمة ضرب الأطفال المتداول على الإنترنت، وإرسالها إلى رجال تكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية لفحصها وبيان استخدامها.
وأفادت «إلهام»، أمام النيابة، بأنها تقدمت بطلب الحصول على ترخيص دار أيتام من وزارة التضامن الاجتماعى، لاصطحاب الأطفال من دار زوجها، وبالفعل حصلت على الشقة التى كانت تنوى إقامة الدار بها، بمنطقة هضبة الهرم، إلا أنها تعثرت فى الحصول على الترخيص، مشيرة إلى أنها تولت تربية الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب منذ نعومة أظافرهم، وتسلمت بعضهم وعمره كان يوما واحدا، وأكدت أن زوجها كان يستغل هؤلاء الصغار فى قضاء احتياجاته و«مشاويره» الخاصة، بخلاف الاعتداء عليهم، حال فتحهم شاشة التليفزيون أو الثلاجة، أو الحصول على هدية من متبرع إلى الدار لم يبلغوه بها.
ووردت إلى النيابة تحريات للأجهزة الأمنية أثناء التحقيقات، أكدت أن المتهم أسامة بينه وبين زوجته «إلهام» خلافات زوجية، على أثرها طلبت الأخيرة إقامة دعوى خلع أمام محكمة الأسرة، وأكدت الزوجة للنيابة أن الزوج لديه علاقات نسائية متعددة وزيجات عرفية، وكشفت التحريات رفع صاحب الدار دعاوى قضائية ضدها يتهمها فيها بالزنى.
وأقر المتهم «أسامة»، خلال التحقيقات معه، والتى استمرت مدة 4 ساعات متواصلة، بصحة فيديو التعذيب، وأنه كان يضرب الأطفال السبعة الظاهرين فى لقطات الفيديو بالعصا والركل فى البطن والصدر، ولم يفرق بين طفل وطفلة، لكنه عاد وقال: «أنا كنت بأَدِّب العيال علشان يطلعوا كويسين ومتربيين أحسن رباية، والكلام ده كان من حوالى أكتر من سنة، وبعد تلك الفترة لم أعتد عليهم إطلاقا»، فعاجلته النيابة بأنه كان يحتفظ بعصي بالدار الكائنة بالعقار رقم 158 بشارع العريش بمنطقة الهرم، وعثر على 13 عصا خلال معاينة النيابة الشقة المتواجدة بها الدار محل التحقيق، مجموع أطوالها 60 مترا، مماثلة للعصا التى ظهرت فى فيديو التعذيب، ورد المتهم بأنه كان يحتفظ بالفعل بها بغرض اعتدائه على الأطفال للتأديب، كما أقر بأنه كان يرسل بعضهم لشراء مستلزمات خاصة به من شارعى العريش أو الهرم الرئيسى، باعتبارهم أولاده الصغار، وأن اعتداءه عليهم سببه تأخرهم بعض الأحيان فى قضاء احتياجاته.
وواجهت النيابة المتهم بالعديد من الأدلة التى ظهرت خلال الآونة الأخيرة، تتقدمها تقارير رجال الطب الشرعى التى أفادت بوجود كدمات وجروح بسيطة على أجساد 4 أطفال، فأنكر اعتداءه عليهم خلال الفترة الماضية، لكن النيابة واجهته بأقوال صغار السن ومنهم الطفل «محمد»، 12 سنة، الأكثر وعيا بين أقرانه الذين تراوحت أعمارهم بين 3 سنوات و10 سنوات، والذى أشار فى أقواله إلى أن المتهم يجبرهم على مناداته بـ«بابا» بدلاً من «عمو»، وإلى اعتدائه عليهم بصورة وحشية حال فتحهم شاشة التليفزيون لمشاهدة الكارتون أو فتح باب الثلاجة للشرب أو الأكل دون إذنه، لدرجة أن الطفلة «داليا»، 7 سنوات، جرى ضربها من قِبَل المتهم بكف يده، ما أصابها بجروح فى شفتيها، بعدما وقعت على كرسى حديدى.
واعترف المتهم بأنه اعتدى على الأطفال كثيرا، «لأنهم مش بيسمعوا الكلام»، كما أنه كان يخشى عليهم من الكهرباء، حيث يمكن أن يصاب أحدهم بصعقة تودى بحياته، لكن النيابة واجهته أيضا بأنه قام بتركيب كاميرات مراقبة بأروقة دار الأيتام المكونة من صالة كبيرة و3 حجرات، لمشاهدة سلوك الأطفال، ومعاقبتهم حال فعلهم شيئا دون إذن منه، مثلما فعل مع الطفل «ياسر» الذى حصل من أحد المتبرعين على زجاجة عطر قبل حلول عيد الفطر المبارك، دون أن يُعلِم صاحب الدار بها، فما كان منه سوى الاعتداء عليه بالضرب، يوم الجمعة الماضى الموافق 1 أغسطس.
وأشار المتهم إلى صحة الواقعة، وأنه كان يراقب سلوك الصغار من خلال الكاميرات حال غيابه عن الدار، فأمرت النيابة بالتحفظ على كاميرات المراقبة، وإرسالها إلى رجال تكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية لفحصها، وتفريغ محتوياتها، والاستعلام عما إذا كانت تحوى لقطات جديدة لضرب أو تعذيب أطفال دار الأيتام من عدمه.
وأكدت مصادر قضائية لـ«المصري اليوم» أن اتهام صاحب دار الأيتام جنحة، لا تتجاوز العقوبة عليها 3 سنوات، وأنه لم يواجه اتهامات بضرب وتعريض حياة كل طفل للخطر على حدة، وأمرت النيابة من مديرية أمن الجيزة أيضا بإعداد تحريات حول تقاعس المشرفين على الدار محل التحقيقات عن القيام بدورهم من عدمه، كما طلبت تحريات عن وجود مخالفات مالية بشأن دار الأيتام، وتحصل صاحبها على أموال متبرعين دون رقابة وصرفها فى أشياء غير مشروعة أم لا.