x

سحر الموجي إرادة الحياة فى «سجن النسا» سحر الموجي السبت 02-08-2014 21:34


فى مسلسل «سجن النسا» للمبدعتين مريم نعوم وكاملة أبوذكرى تتجاور حكايات النساء فى كولاج إنسانى بديع، داخل صورة كبيرة تستحق التأمل وتغرى بقراءات مختلفة. يهدم «سجن النسا» عددا كبيرا من الكليشيهات- تلك الأفكار الثابتة المسطحة والعاجزة عن رؤية تعقيد الواقع. من أهم الكليشيهات التى يكسرها المسلسل أن السجين هو شخص قد انتهت صلاحيته الإنسانية، بمعنى أنه غير قادر- مثل باقى البشر- على التمتع بالحياة والنضال من أجل الفوز بها؛ لأنه قد ارتكب جرما حرم بسببه من الحرية. السجين لا يمتلك- داخل هذا الكليشيه- إرادة الحياة.

لن أناقش هنا المسلسل ولكننى سوف أتناول فقط شخصية زينات/ شفيقة التى تحمل اسمين، وتعيش حياتين على طرفى النقيض. فهذه الشخصية مثلها مثل جميع السجينات، يكسرن الكليشيه تماما، وتتجلى فيهن إرادة الحياة بأشكال عجيبة وخارجة عن المألوف. نرى زينات/ شفيقة فى الحلقات الأولى داخل السجن زينات «اللى بتزوق البنات». شابة جميلة، منطلقة، ومفعمة بالحياة، تعمل وتكسب رزقها. هى مصدر بهجة، وقادرة على مساندة الأخريات فى الأوقات الصعبة. ترتدى زينات ملابس السجن البيضاء وتطلق شعرها حرا وتتقافز من مكان لآخر. ثم يولد الوجه الآخر للشخصية لحظة خروجها من باب السجن. إنها الآن شفيقة التى غطت شعرها وارتدت اللون الأسود كأنه كفن يلائم العودة إلى جحيم الحرية. خارج القضبان ينتظر شفيقة الفقر والبؤس والمهانة. تبطئ حركتها مع ازدياد ألم الكلى ومرمطة أكل العيش.

إنها فتاة ليل بائسة ومريضة، وبالتالى فريسة سهلة لقراصنة الأعضاء البشرية الذين يسرقون كليتها فى دولة لا تحقق لمواطنيها الحد الأدنى من حقوق الإنسان. ومع ذبول الحياة فى جسدها وداخلها تتغير الإضاءة المصاحبة للشخصية. يختفى تماماً ضوء الشمس القوى الذى كان ينير وجهها داخل السجن لتحل محله عتمة الليل، تلك الإضاءة الشاحبة لحجرتها الفقيرة، ضوء الشوارع المصفر. تعود زينات/ شفيقة إلى السجن حطاماً بشرياً. لكننا نعرف الآن أن إرادة الحياة هى التى دفعتها إلى الإبلاغ عن نفسها. فى السجن يتحقق لها الحد الأدنى من الحياة، فلديها جلسات غسيل كلوى (لم تتحصل عليها خارج السجن) وهناك ناس حولها (وهى التى كانت وحيدة تماماً فى الخارج). ويعود بعض النور الخفيف- ببطء- إلى وجه زينات داخل سجن القناطر.

هل يمكن أن يصبح السجن طوق نجاة؟ هل بإمكان القضبان أن تمنح حرية- ولو مؤقتة- من بؤس ومهانة الواقع؟ ما الأشكال العجيبة المدهشة التى تتجلى من خلالها إرادة الحياة فى أبشع الظروف وأكثرها قسوة؟ أين السجن؟ ما معنى القضبان، وما هى الحرية؟

إنها بعض الأسئلة التى يطرحها «سجن النسا».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية