x

محمد نصرالدين علام مقترح توافقى لحل أزمة سد النهضة «7» محمد نصرالدين علام الجمعة 01-08-2014 20:07


لنجاح أي مبادرة لحل أزمة سد النهضة، يجب أن تحقق نصرا سياسيا للطرفين مصر وإثيوبيا، وأن تعالج السبب الحقيقى للنزاع المصرى الإثيوبى الممتد لعقود طويلة. إن البدء في بناء سد النهضة بدون إخطار مصر والسودان وموافقتهما عليه، يعتبر مخالفة إثيوبية صريحة لاتفاقية 1902 الحدودية ما بين ملك إثيوبيا منليك الثانى وبريطانيا العظمى كممثلة عن مصر والسودان، وأيضا لكل الأعراف والقوانين الدولية الخاصة بتنظيم استغلال موارد الأنهار الدولية المشتركة.

ولكن المشكلة بين إثيوبيا ومصر أعمق من سد النهضة بل أكثر تعقيدا، وتتمثل في عدم اعتراف إثيوبيا بحقوق مصر المائية والتى تقرها اتفاقية 1929 بين بريطانيا عن دول الهضبة الاستوائية والسودان مع مصر، واتفاقية 1959 بين مصر والسودان.وترى إثيوبيا أنها مصدر حوالى 85% من مياه النيل التي تأتى لمصر والسودان وأن لها حقا أصيلا في استغلال مياهه لتنمية البلاد، ذلك بالرغم من الغزارة المطرية وأحواض الأنهار الأخرى العديدة غير نهر النيل المتوفرة في إثيوبيا.

ولاستدامة أي مبادرة لحل هذا الخلاف الجوهرى بين مصر وإثيوبيا، فإنها يجب أن يشمل إقرارا إثيوبيا بحصة مصر المائية، وكذلك إقرار مصرى بحق إثيوبيا في الحصول على حصة من مياه النيل. والحل يجب أن يكون شاملا لجميع دول حوض النيل الشرقى السودان وجنوب السودان بالإضافة إلى مصر وإثيوبيا، ولا بد أن يحقق الفائدة للجميع. وأخيرا يجب أن تحترم المبادرة قواعد القانون الدولى للأنهار المشتركة وأهمها قاعدة عدم الإضرار. وقد يتساءل البعض: لماذا لا تشتمل المبادرة دول حوض النيل الأخرى (دول الهضبة الاستوائية) الستة الكونغو وأوغندا وكينيا وبوروندى ورواندا وتنزانيا. الإجابة سهلة ومباشرة بأن مصر ليس لديها مشاكل مع دول الهضبة الاستوائية وأن معظم مشاريع الهضبة الاستوائية المائية المعلنة لا تسبب ضررا مؤثرا بحصة مصر المائية، وأن هذه الدول منفصلة هيدرولوجيا عن حوض النيل الشرقى.

وقد يتساءل البعض: ماذا تستطيع مصر أن تفعل إذا لم تتعاون إثيوبيا؟ الإجابات هنا عديدة ومتنوعة منها المسارات القانونية والسياسية وغيرها، ولكننى سأكتفى هنا فقط بأحد عناصر القوة الناعمة المصرية والذى عادة ما نغفله، وهو أنه بدون شراء مصر الجزء الأكبر من كهرباء سد النهضة، سيفقد السد في الأغلب جدواه الاقتصادية أو سوف يتم تأخير بنائه إلى ما شاء الله. كهرباء السد لا يمكن تصديرها إلا إلى مصر والسودان. والسودان ليس له البنية الأساسية لاستخدام كميات كبيرة من الكهرباء ولن يستخدم أكثر من 15% من كهرباء السد في فترة 10 سنوات قادمة، وإثيوبيا لن تستهلك أكثر من 15% من كهرباء السد على أقصى تقدير، أين تذهب بقية الكهرباء. لن تكون هناك جدوى اقتصادية للسد بدون مشاركة مصر مما يسبب خسارة كبيرة بل هائلة للاقتصاد الإثيوبى المحدود.

والحل التوافقى الذي نقترحه هنا يتكون من شقين، الأول سريع يتمثل في مفاوضات مباشرة بين البلدين للوصول إلى حل توافقى حول سعة أصغر لسد النهضة. والشق الثانى متوسط الأمد يتمثل في تعاون دول حوض النيل الشرقى في استقطاب الفواقد المائية وزيادة إيراد النهر وبما يغطى الاحتياجات المستقبلية للمشاريع الإثيوبية من المياه ويغطى احتياجات بقية دول الحوض. وأهداف هذا المقترح التوافقى هي التوصل إلى إقرار إثيوبى بحصة مصر المائى، وإقرار مصرى بحق إثيوبيا في الحصول على حصة مائية من روافد نهر النيل، مع إقرار جماعى لدول حوض النيل الشرقى بمبدأ عدم الإضرار كما جاء في الاتفاقية الإطارية بين البلدين مصر وإثيوبيا عام 1993، وفى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والبيان المصرى الإثيوبى المشترك عام 2014.

والبنود الرئيسية للمقترح التوافقى يمكن تلخيصها فيما يلى:

1.التفاوض المباشر بين مصر وإثيوبيا (والسودان وجنوب السودان مراقبين) حول سعة أصغر لسد النهضة يحقق أكبر قدر من الأهداف الاقتصادية والتنموية لإثيوبيا، ويتطابق مع قاعدة عدم الإضرار بعدم إحداث ضرر مؤثر بالحصة المائية المصرية. ويتطلب نجاح هذا التفاوض التوافق على أحد أو مجموعة من الخبراء الدوليين لإعداد عدة سيناريوهات لسعة السد وتقييمها من حيث الإيجابيات والسلبيات وطرحها للدولتين للتفاوض حولها.

2.أن تتعهد مصر بشراء الكهرباء الإثيوبى وذلك بعد التوافق مع إثيوبيا على السعة الأصغر لسد النهضة.

3.أن يتم عمل اتفاقية جماعية للدول الأربع لحوض النيل الشرقى لاستقطاب الفواقد المائية في إثيوبيا (البارو أكوبو) وفى جنوب السودان (مستنقعات مشار وبحر الغزال ومنطقة السدود) من خلال مشاريع تنموية كبرى في هذه المناطق (قنوات وطرق وكهرباء وملاحة ومياه للرى والمراعى.. إلخ).

4.تعاون الدول الأربع في تشجيع وجذب التمويل الدولى والاستثمار في مناطق مشاريع استقطاب الفواقد وبما يحقق طفرة اقتصادية لجنوب السودان وتوفير مياه للدول الثلاث الأخرى وبما يحقق السلام والاستقرار في المنطقة.

5.التوافق حول حصة مائية لإثيوبيا على ضوء احتياجاتها الفعلية وما يتوفر من مياه من مشاريع استقطاب الفواقد المائية.

6.التوافق حول توزيع الباقى من مياه مشاريع استقطاب الفواقد بين مصر من ناحية والسودان وجنوب السودان من ناحية أخرى.

7.التزام جميع دول حوض النيل الشرقى بتنفيذ برامج ترشيد للاستخدامات المائية المختلفة لزيادة عائد الاستخدامات المائية وللإيفاء بالاحتياجات المستقبلية.

8.الاتفاق على إنشاء منظمة لدول حوض النيل الشرقى لمتابعة تنفيذ ما سبق من بنود وحل المشاكل التنفيذية وتفعيل التعاون في مجالات المياه والتنمية الزراعية والربط الكهربائى.

9.زيادة التبادل التجارى وتشجيع الاستثمار والانتقال والبعثات العلمية والفنية والثقافية وغيرها لتطبيع العلاقات وزيادة التقارب بين شعوب هذه الدول.

* وزير الموارد المائية والرى الأسبق

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية