لم أكن أتصور أن يصل الأمر بشيخ أزهري لُقّب في يوم من الأيام بـ«خطيب الثورة» بأن يقول معلقا على ما يحدث في غزة وشرط حماس بإعادة فتح الميناء:
يا فرحة إسرائيل بهذا الكلام، «بيتها»!
وكأن إسرائيل قاعدة في «بيتها» والفلسطينيون يريدون احتلال هذا البيت، وليس القائم هو العكس.
ما موقف وجود المسجد الأقصى في هذا «البيت» يا شيخ، أيجب علينا عدم تحريره والدعاء بالصلاة فيه لأنه داخل حدود ذلك «البيت» المزعوم؟
ما الموقف يا شيخ من مخططات إسرائيل التي تسارعت خطوات تنفيذها لهدم المسجد الأقصى الذي يتعاملون معه باعتبار ما يقولونه من أنه حتى يتم الله نعمته عليهم يجب هدم قبة الصخرة والتي هي (جزء) من المسجد الأقصى ليقوموا ببناء «الهيكل» على أنقاضه؛ وبذلك يتحقق وعد الله.
فهم يضعون إطارا دينيا لأطماعهم في أوطاننا فشعارهم «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». ويتعاملون مع هذا الشعار انطلاقا مما يقولونه حول أن الجملة مستوحاة من آيات في سفر التكوين بالتوارة الأرض الموعودة لذرية إبراهيم من إسحاق وبعده يعقوب ليقيموا فيها دولة بني إسرائيل التي انتظروها عدة آلاف من السنين.
مساحة هذه الأرض الموعودة تتضمن جميع ممالك العهد القديم والأنهار العظمى في العالم، الفرات والنيل, وكل الأرض ما بينهما.
تقع تلك الأرض في دولة العراق الحالية، ودول الشام (سوريا, لبنان, الأردن, فلسطين), ومصر ما يجعل منها دولة إسرائيل في العراق والشام ومصر «داعشم».
وللمزيد من إضفاء هالات دينية على ما يروجون له فإن حديقة مبنى الكنيست الإسرائيلي (بالمناسبة الكنيست موجود بالقدس، فهي عاصمة إسرائيل في تعاملاتهم) يوجد بها «مينورا» (الشمعدان اليهودي) تصف أهم فصول التاريخ اليهودي، الفرع الثالث من الشمعدان يتضمن حق ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب في الأرض الموعودة.
هكذا يؤمن الإسرائيليون، يعلمون أبناءهم وأحفادهم أنهم شعب الله المختار, وأنهم سيصبحون ملوكا على مملكة الله في الأرض التي أعطاها لهم وأن حدودها مذكورة بموضع آخر في سفر الخروج باعتبارها من بحر «سوف» (البحر الأحمر) إلى بحر فلسطين (البحر المتوسط) ومن النهر إلى البرية, وأن الله سوف يعطيهم الأرض بمن عليها من السكان ليقوموا بطردهم منها.
المسألة واضحة وصريحة، لكي تقوم «داعشم» يجب أن يستولوا على الأرض, فلسطين كانت البداية وليست النهاية.
وهو الأمر الذي يعرفه الجميع، مع ذلك والمدهش أنه مؤخرا قد ارتفع صوت الأبواق التي «تشيطن» فلسطين وتمدح إسرائيل.
أتفهّم أن تقوم أبواق السفهاء بالتطبيل لإسرائيل والتسفيه من المقاومة بل ضحدها، ولكن أن تأتي مثل تلك الكلمات من بعض رجال الدين الأزهريين فهو ما لم أكن أتخيل أن يصل إليه الحال.
الأجيال الجديدة لا تزال خصبة والكثير منهم ذوو معلومات محدودة، صحيح يعلمون أن إسرائيل هي العدو وأنها احتلت فلسطين, ولكن من السهل زعزعة مبلغ علمهم بأسلوب «الزن على الودان» وهذا ما تراهن عليه إسرائيل.
يجيد السفهاء الجدد هذا الأسلوب، فيبدأ الأمر معهم بأن تتحول كلمة «مقاومة» إلى «أعمال عدائية», و«الحقوق الفلسطينية» إلى «مطالب حركة حماس», و«حائط البراق» إلى «حائط المبكى», و«الأرض المحتلة» إلى «بيتها».
ثم يتطور الأمر ببث كلمات في ظاهرها الوطنية وفي باطنها الصهيونية مثل «الفلسطينيون باعوا أرضهم لليهود» على الرغم من أن مساحة الأرض المبيعة هي 3.7% من إجمالي مساحة الأرض المحتلة في نكبة 48، ومن باع ليهودي لم يكن يتخيل حجم المؤامرة، ومثل كلمات أخرى من نوعية: «فلسطين إخواتنا ولكن المقاومة هي سبب موتهم»، أو «الفلسطينيون يريدون أن يأخذوا سيناء من مصر ليقيموا دولتهم فيها».
وكأن إسرائيل لم تحتل سيناء بنفسها منذ 47 عاما وتركوها على مضض أو كأن إسرائيل ستقبل بوجود الفلسطينيين والمصريين في سيناء التي تقع ضمن حدود «داعشم» أو دولة إسرائيل في العراق والشام ومصر.
يعلمون جيدا أنه لكي تقوم «داعشم» يجب احتلال العقل قبل احتلال الأرض، ولأن الأرض مزروعة بالمقاومة تلجأ إلى تسميم الزرع.
(دا عشم) إبليس في الجنة.
سنظل نزرع الأرض كلها مقاومة، وسنعمل علىة تعليم أبنائنا وأحفادنا حقيقة «داعشم» وسنغرز شتلات حب فلسطين فيهم لتكبر معهم وتصبح شجرا مثمرا ثماره بطعم حرية فلسطين ولذة الصلاة بالمسجد الأقصى تحت رايتنا المنتصرة بإذن الله.