x

محمد نصرالدين علام الخضوع لأجندة التفاوض الإثيوبية محمد نصرالدين علام الأربعاء 30-07-2014 22:07


قامت ثورة يونيو المجيدة لتصحيح أوضاع البلاد وحمايتها من حرب أهلية كانت وشيكة، ولقد شارك فى هذه الثورة عشرات ملايين المصريين كانوا يشعرون بقرب انهيار البلاد. وتولى الببلاوى رئاسة الوزارة الثورية، وكانت من أهم التحديات سد النهضة الإثيوبى. وكالعادة فإن الحكومات المصرية تتهم التى قبلها بالإهمال والغفلة وأن الحكومة الجديدة هى التى سوف تصلح الأوضاع وتنهى المشاكل وتعيد العلاقات المصرية الأفريقية الى مسارها الصحيح. ولكن الحقيقة أن معظم المسئولين فى جميع حكومات ما بعد ثورة يناير لا تتوفر لهم الأبعاد التاريخية والسياسية للعلاقات المصرية الأفريقية بصفة عامة والعلاقات مع دول الحوض النيل وبالذات إثيوبيا بصفة خاصة. وفى الجانب الآخر كانت إثيوبيا قد نجحت بقدر كبير فى فرض حقيقة سد النهضة على كل من مصر والسودان، وأصبحت المطالبة حاليا بإلغاء السد أمرا غير مقبول سواءا إقليميا أو دوليا أو محليا فى إثيوبيا. وكانت إثيوبيا قد بدأت إجراءات التشييد منذ أكثر من عامين، ولكن مازالت هناك صعوبات كبيرة فى التمويل.

وبعد ثورة يونيو كان أول اجتماع لوزراء المياه فى الدول الثلاث للنظر فى توصيات اللجنة الثلاثية الدولية فى 4 نوفمبر2013 فى مدينة الخرطوم. وفى هذا الاجتماع كانت إثيوبيا والسودان متفقتين معا على أن لجنة من الخبراء المحليين من الدول الثلاث كافية لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات. ولكن مصر طالبت بمشاركة خبراء دوليين فى إعداد أو حتى فى مراجعة وتقييم الدراسات التنفيذية لتوصيات اللجنة. والفائدة من وجود خبراء دوليين فى اللجنة أن قراراتهم ستكون مستقلة ومحايدة ولا يميلون لجانب على حساب جانب آخر، أما الخبراء المحليون إذا اختلفوا فيما بينهم، سيتم وصف هذا الخلاف بأنه خلاف فى وجهات نظر الدول الثلاث. وطبعا كان من السهل اتهام مصر كالعادة بأنها متعالية ومتعنتة وتقف ضد التنمية فى دول المنبع. وهذا هو الأسلوب المعتاد من إثيوبيا وغيرها من بعض دول المنبع، وللأسف يرددها بعض المصريين لأغراض شخصية ومصالح ذاتية ومكاسب ضيقة. وللأسف قد فشل هذا الاجتماع الوزارى فى الاتفاق على تشكيل اللجنة التى ستشرف على تنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية الدولية، واتفق الوزراء على عرض الأمر على حكوماتهم والاجتماع مرة ثانية فى 8-9 ديسمبر، وإثيوبيا كانت ومازالت مستمرة فى بناء وتشييد السد. وفى اجتماع 8-9 ديسمبر فى الخرطوم استمر التعنت الإثيوبى مع المطالب المصرية. وصرح السيد وزير الرى المصرى بأنه تم الاتفاق مع الجانب الإثيوبى على تشكيل اللجنة من أربعة خبراء من كل دولة، وألا يزيد عمل اللجنة عن سنة، وعلى تحمل الدول الثلاث تكاليف اللجنة والدراسات المشتركة، ولكن الخلاف مازال مستمرا حول مشاركة الخبراء الدوليين فى أعمال هذه اللجنة. وصرح السيد الوزير بأنه سيتم مناقشة إمكانية مشاركة الخبراء الدوليين فى الاجتماع القادم بالخرطوم التالى فى 4-5 يناير 2014. وفى هذا الاجتماع رفضت إثيوبيا مرة ثالثة مشاركة دوليين فى أعمال اللجنة، ورفضت توقيع مقترح وثيقة مصرية تطالب إثيوبيا بالتعهد بعدم المساس بحصة مصر المائية. ولم يكتف وزير الرى المصرى بهذا الفشل والتفهم لأسباب التعنت الإثيوبى، فقام بالذهاب متطوعا الى إثيوبيا مكررا نفس المطالب المصرية وكان الرد الإثيوبى هو مزيد من الرفض للمطالب المصرية.

والحقيقة أن هذه المباحثات كانت بها قصور فى المنهج والمضمون وخضوع للأجندة الإثيوبية التى تهدف إلى إضاعة الوقت حتى يتم استكمال الجزء الأكبر من منشآت السد. وهل كان من الفطنة التركيز فى هذه الدراسات على النواحى الإنشائية والبيئية التى تهم السودان فى المقام الأول والتى تتضامن مع إثيوبيا وتؤيد بناء السد، ولماذا لم نركز على مشكلتنا الأساسية التى تتمثل فى التأثير الكارثى للسد على الإيراد المائى لمصر (الدراسة الهيدرولوجية) والتى من الممكن الانتهاء من دراستها فى غضون شهر أو شهرين على الأكثر، وبعد التوافق حول السد يتم مناقشة التفاصيل الإنشائية؟ ولماذا لم نعرض فى المباحثات مع إثيوبيا نتائج الدراسات المصرية والدولية والتى توضح الآثار الكارثية للسد على مصر وأسباب المخاوف المصرية وتسويق نتائج هذه الدراسات دوليا؟ وهل نحن من السذاجة أن ننتظر من إثيوبيا الموافقة على مشاركة دوليين فى هذه الدراسات لإصدار تقرير دولى يؤكد آثار السد الكارثية على مصر والسودان ليستخدم ضد إثيوبيا فى المحافل الدولية وبما يبرر أى وسيلة تتخذها مصر مستقبلا لتجنب هذه الكارثة؟ وبطبيعة الحال فإن هذه المباحثات انتهت بالفشل وتوقفت المفاوضات.

وكان الرد المصرى لهذا الفشل هو التحرك الدبلوماسى والسياسى النشط لشرح قضية سد النهضة والموقف المصرى ونتائج تقرير اللجنة الثلاثية، فقد تمت زيارة الجهات المانحة لحجب التمويل الدولى عن السد حتى يتم التوافق بين إثيوبيا ومصر حول السد، وتم زيارة روسيا الاتحادية وبعض دول الاتحاد الأوروبى، وبعض دول حوض النيل مثل أوغندا وتنزانيا والكونغو، وبعض الدول الأعضاء فى مجلس الأمن والسلم الأفريقى مثل تشاد وأوغندا الاستوائية، وأخيرا الولايات المتحدة الأمريكية. واستقرت نسبيا الأمور الداخلية فى البلاد وظهرت بعض المرونة من الجانب الإثيوبى للدخول فى مفاوضات جادة مع مصر، ومصر كانت تنتظر انتخاب الرئيس الجديد قبل الدخول فى مفاوضات جديدة.

* وزير الموارد المائية والرى الأسبق

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية