من فوق دراجة بخارية تلقى بالقطع المطلوبة فى نهر الطريق للراغب فى شرائها، أو بين طيات لفة طرحة سمراء لسيدة اعتادت إخفاء الألعاب النارية، التى يطلبها منها زبائنها قبل توصيلها، وعلى النقيض تماماً تجار فى مناطق أخرى يعرضون تلك الألعاب على الملأ فى الشوارع والميادين دون قيود. ما بين الخفاء والعلن حقيقة واحدة: «يمكن شراء أى لعبة من الألعاب النارية وقتما يشاء الزبون».
هنا فى «بورسعيد» واحدة من موانئ مصر التى تصلها عشرات الشاحنات المحملة بمختلف البضائع يومياً، والتى يسعى موظفو الميناء للكشف عنها والتأكد من مطابقتها للمواصفات الاستيرادية، ترسو الشاحنة فوق الرصيف، ويقوم موظف الكشف لفحص البضائع المهربة بفتح أحد جوانب الحاوية، يختار من بين جوانبها الأربعة عينات عشوائية من الكراتين المحملة بالبضائع لفتحها والتأكد من كونها غير محظور استيرادها، وأنها مطابقة لمواصفات الحاوية المسجلة فى أوراق الشحنة.
يتحايل المستوردون لإخفاء الألعاب النارية، التى تأتى مهربة فى أغلب الأحوال فى شاحنات من الصعب تفتيشها كحاويات النجف والأجهزة الكهربائية، والميكرويف، والأدوات المنزلية، وألعاب الأطفال غير النارية، والشنط سواء السفر أو المدارس، وهنا تظهر قدرات المهرب على التخطيط لإخفاء الألعاب التى يتم تغليفها فى نفس كراتين باقى البضائع، فمنهم من يقوم برصها على شكل حرف u أو z ويكون لدى مستخلص الحاوية خريطة دقيقة بطريقة رص الكراتين المهربة، بل يلجأ بعض المستوردين والمستخلصين للسفر إلى الصين لمتابعة طريقة إخفاء الكراتين بأنفسهم وسط الحاوية.
ما بين 150 و180 ألف جنيه هى عمولة مستخلص الجمارك الذى ينجح فى العبور بالحاوية من الميناء، حسبما يؤكد أحد المهربين الذين التقتهم الجريدة، طالبا التحفظ على هويته، والذى يتولى بنفسه رشوة بعض الموظفين لتمرير شحنات الألعاب المهربة، على حد قوله. بعد عبور الحاوية الميناء، يتولى المستخلص الإشراف على العبور بها برا فى طرق تتراجع فيها الرقابة الأمنية والأكمنة لتصل إلى القاهرة، حيث أشهر معقل لتجارة الألعاب النارية ميدان العتبة والموسكى وحارة اليهود.
فى محافظة بورسعيد وحدها يوجد طريقان بريان هما الأشهر للمهربين للعبور بكراتين الحاويات بعد تحميلها فوق عربات نصف نقل للوصول بها إلى القاهرة، ومنها طريق «المدق» وهو طريق صحراوى يمر على شركة الصرف، يكاد يخلو من مظاهر الحياة. يقول مهرب الألعاب النارية الذى التقته «المصرى اليوم»: «ينحصر التواجد الأمنى فى هذا الطريق على نقطة تفيش هزيلة فى بداية الطريق، يكون بها عسكرى واحد فى أغلب الأحوال، وتتعمد القوات المسلحة والشرطة إلقاء الحجارة ومخلفات البناء فيه من وقت لآخر لإعاقة حركة السير به، إلا أن بعض المهربين يتولون عملية إخلاء الطريق وتمهيده للعبور بسياراتهم، حيث يصل الطريق بهم إلى خارج بورسعيد»، ويضيف: «ويستغل المهربون طريق سور البحيرة، وفيه يقومون بتحميل كراتين الألعاب النارية فوق لنشات صغيرة يُطلق عليها (الصواريخ)، تنقل البضائع إلى خارج المحافظة، مرورا بمحافظة دمياط قبل أن يُعاد تحمليها مرة ثانية فوق عربات نصف نقل، لتكمل رحلتها إلى القاهرة، وفى كل الأحوال تخرج تلك العربات فى حماية مسلحين برشاشات آلية».. هكذا يشرح المهرب.
ومن داخل الميناء، رصدت «المصرى اليوم» أهم الثغرات التى تقود إلى تهريب كميات كبيرة من الألعاب النارية حتى غزت تلك الألعاب المحظورة الأسواق الشعبية والراقية على حد سواء. يقول أحد موظفى الجمرك الذين التقتهم الصحيفة فى طريق إنجازها التحقيق: «بعض المهربين يحملون بطاقات استيرادية بأسماء وعناوين وهمية، وفى تلك الحالة يكون للمهرب نحو 9 حاويات على سبيل المثال، واحدة منها باسم وهمى، يقوم بالتنسيق مع قوات الأمن ويبلغ بنفسه عن الحاوية التى تضم بعض البضائع، نظير السماح بعبور الثمانى حاويات الأخرى، وعند البحث عن المستورد يكون الاسم والعنوان وهميين، ومكسب الحاوية الواحدة فى حالة خروجها يصل إلى 5 ملايين جنيه».
مليون و900 ألف قطعة ألعاب نارية كانت حصيلة مضبوطات إدارة القضايا بجمرك بورسعيد العام الماضى، وقد وصل عدد القطع فى الحاوية الواحدة لأكثر من 50 مليون لعبة نارية مختلفة الأنواع. الحاويات المضبوطة يتم التحفظ عليها، وتتم إحالة مفتش الحاوية للتحقيق بعد إيقافه عن العمل، هذا ما يحدث فى حالة الضبط التى يحاول المتورطون تفاديها بشتى الطرق. يقول موظف الجمرك: «عندما يعلم المهربون أن هناك حملات تفتيش مشددة يطلبون ركن الحاويات فى الميناء لفترة حتى تنتهى الحملة بحجة عدم وجود مخازن خالية لديهم، ثم يدفعون قيمة أرضيتها قبل الخروج بها فى هدوء، فى حين يحرص بعض المهربين على جمع معلومات عن المفتشين قبل قدوم الحاوية لتهديدهم بأطفالهم فى حالة الإصرار على التفتيش أو تحرير محاضر».. هكذا يؤكد الموظف.