x

محمد نصرالدين علام حكومة الإخوان وأزمة سد النهضة (3) محمد نصرالدين علام الإثنين 28-07-2014 20:12


بدأت اللجنة الثلاثية الدولية اجتماعاتها فى يونيو 2012، واجتمعت ست مرات متباعدة، وأنهت أعمالها بإصدار تقرير نهائى فى 31 مايو 2013. وكانت حكومة الإخوان هى التى تتولى مقاليد الحكم فى البلاد، وكان رئيس الحكومة هشام قنديل الذى كان يشغل وزيرا للرى تحت حكومة عصام شرف وحكومة الجنزورى التى تلتها قبل تولى الإخوان، أى أن ملف سد النهضة لم تتغير إدارته أثناء الحكومات المتتابعة لثورة يناير المصرية. وكانت الصفة العامة لهذه الفترة التصريحات الوردية لوزيرى الرى المصريين سواء هشام قنديل أو محمد بهاء. ومن ضمن هذه التصريحات أن إثيوبيا وعدتنا بأنه لن ينقص كوب واحد من مياه النهر، وأن سد النهضة له مميزات وعيوب، وسنحاول أن نضاعف من المميزات ونقلل من العيوب، وتصريح آخر أن إثيوبيا تعهدت للحكومة المصرية بعدم الإضرار بالأمن المائى المصرى، وأن إثيوبيا لن تسمح بأن يكون لسد النهضة أى آثار على حصتنا المائية، بل ذهبت التصريحات إلى أبعد من ذلك، فقالوا: لا خوف على الحصة المائية من سد النهضة، وإننا نعمل على زيادة الحصة للإيفاء بالاحتياجات المستقبلية للشعب المصرى. وتصريح آخر بعيد عن أى فهم هندسى أو سياسى بأننا لدينا فى السد العالى مخزون مائى ضخم يكفينا لسنوات وسنوات، ولا خوف علينا من سد النهضة. وتصريح آخر فيه سطحية علمية بأن سد النهضة لتوليد الكهرباء، ولن يستهلك مياهاً ولا خوف منه، وذلك بالرغم من أن وزارة الموارد المائية والرى كانت تتوفر لديها دراسات وطنية وأخرى أعدها خبير دولى عالمى تؤكد آثار السد الوخيمة على مصر. تصريحات فنية ضحلة لا تعكس فهماً لقضية السد ولا لأهدافه الاستراتيجية، وتصريحات سياسية غير واقعية، ولا تعكس موقف إثيوبيا الحقيقى من حصة مصر المائية، ولا تعكس الموقف السياسى الحقيقى فى حوض النيل. والحقيقة الرسمية المعلنة لإثيوبيا أنها لا تعترف بحصة مصر المائية، ولا تعترف بالاتفاقيات التاريخية، وأن إثيوبيا ودول المنبع فى اتفاقية عنتيبى رفضت جميعا الاعتراف بحصتى مصر والسودان المائية، وأصرت على إعادة تقسيم مياه النهر على دول الحوض العشر حينئذ، دون أى اعتبار للاتفاقيات السابقة.

وقد قمت شخصيا وعديد من علماء مصر بكتابة عشرات المقالات وإقامة عشرات اللقاءات التليفزيونية، محذرا من تبعات سد النهضة، وقمت بتشكيل «مجموعة حوض النيل» فى كلية الهندسة جامعة القاهرة من مجموعة من أفضل علماء مصر فى المياه والسياسة والجيولوجيا والقانون، وقمنا بورش عمل وندوات وإصدار العديد من التحذيرات للدولة دون مجيب، بل تمت مهاجمتنا واتهامنا بأننا نفسد علاقات مصر بدول حوض النيل، وأنه لا توجد دراسات متوفرة تثبت أن هناك أضرارا لسد النهضة على مصر، بالرغم من وجود هذه الدراسات حينذاك فى درج وزير الرى. وقام السيد سفير إثيوبيا بمهاجمتنا على وسائل الإعلام المصرية، وتوجيه الاتهامات لنا بأننا فلول، ونريد إفساد العلاقات بين مصر الثورة وإثيوبيا، وللأسف سانده فى ذلك بعض المسؤولين المصريين.

وقامت اللجنة الثلاثية بمراجعة 12 تقريرا فنيا عن سد النهضة وفرتها الحكومة الإثيوبية على فترات متباعدة، آخرها فى إبريل عام 2013. حيث قامت إثيوبيا بتسليم اللجنة فى أول اجتماعاتها أربعة تقارير، وبعد ذلك تم تسليم خمسة تقارير أخرى تم إصدارها فى النصف الثانى من عام 2012، وأخيرا تم تسليم ثلاثة تقارير عن التصميمات الإنشائية فى إبريل 2013، أى أقل من شهرين قبل انتهاء أعمال اللجنة. أى أن معظم دراسات إثيوبيا للسد كانت بعد وضع حجر أساس السد بشهور عديدة. هل نحتاج إلى إثبات أكثر من ذلك بأن إثيوبيا استغلت ظروف الثورة المصرية وانقسامنا الداخلى والأحداث الدامية فى شارع محمد محمود وماسبيرو والعباسية ومجلس الشعب وغيرها لفرض السد كأمر واقع وزيادة سعته من 14.5 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب. والهدف من السد ليس اقتصاديا أو للتنمية كما يشاع، وذلك لتدنى كفاءته الكهربائية والاقتصادية، ولكن الهدف هو تحقيق الحلم الإثيوبى فى التحكم فى مياه النيل الأزرق وتغيير موازين القوى الإقليمية لتصب فى كفة إثيوبيا كقوة صاعدة بدلا من مصر التى كانت تعانى تبعات الثورات المصرية.

وقبل انتهاء أعمال اللجنة بيومين وأثناء اجتماعها فى أديس أبابا، وبعد انتهاء اجتماع الاتحاد الأفريقى هناك، وكان يحضره الرئيس المصرى، قامت إثيوبيا، فى تصرف مفاجئ، بالإعلان عن تحويل مجرى النيل الأزرق للبدء فى إنشاءات سد النهضة. وتضاعفت الصدمة المصرية مع صدور التقرير النهائى للجنة الثلاثية الدولية، فى 31 مايو 2013، والذى أكد التداعيات السلبية لسد النهضة على مصر، واشتمل على العديد من الملاحظات المهمة على التصميمات الإنشائية والدراسات الهيدرولوجية والبيئية والاقتصادية للسد. ونص التقرير صراحة على أن الدراسات المقدمة من الحكومة الإثيوبية الخاصة بالسد هى دراسات مبدئية لا ترقى لمستوى الدراسات المطلوبة لسد بهذا الحجم. وكان رد الفعل المصرى مرتبكا، ونتذكر جميعا اجتماع الرئيس السابق مع بعض النخب السياسية الموالية للنظام وقتذاك، وكان الاجتماع معلنا على الهواء، وما جاء فيه من تهديدات وتصريحات غير مسؤولة ولا تليق بمصر ولا بمكانتها، ومن الغريب أنه لم تتم دعوة أى من الخبراء الفنيين أو القانونيين أو السياسيين لهذا الاجتماع. وتلت هذا الاجتماع خطبة مطولة لرئيس الجمهورية السابق كانت بها تهديدات عنيفة لإثيوبيا زادت من الطين بلة، وقد سبقت هذا الخطاب كلمة مطولة لهشام قنديل أمام مجلس الشورى يذكر فيها سلبيات اتفاقية عنتيبى، ولماذا لم توقعها مصر، ويعترف بمخاطر سد النهضة. وكان قبل ذلك يلوم بعض المسؤولين السابقين نظام مبارك لعدم التوقيع على اتفاقية عنتيبى. وكانت هذه التصريحات والاجتماعات الرئاسية تمثل تغييرا جذريا للموقف المصرى من سد النهضة، وبداية لإدراك سياسى لخطورة الموقف وضرورة التحرك السريع والفعال.

* وزير الموارد المائية والرى الأسبق

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية