x

ألف ليلة وليلة.. حكايات غلبت السياف

الأحد 27-07-2014 00:18 | كتب: صفاء سرور |
فوازير ألف ليلة وليلة فوازير ألف ليلة وليلة تصوير : other

في البدء كان الصوت، انطلق يكون صورًا خيالية نقلها الراديو للمستمعين، لتنقلهم هي لعالم أحلام ساحر.

من أحد استوديوهات الإذاعة المصرية، بدأ مسلسل «ألف ليلة وليلة» مع المستمع رحلة حكاياته التي يرجع الفضل في ظهورها واستمرارها تليفزيونيًا لنسخة من الكتاب التراثي الذي يحمل الاسم نفسه، أهديت في الخمسينيات لمدير الإذاعة فقرر تحويله لعمل مسموع، امتزج فيه الشرقي بالمصري بالفارسي بالروسي.

بدأ المشوار، ليخلق الشاعر طاهر أبوفاشا مع المخرج محمد محمود شعبان «بابا شارو» 800 حلقة لـ«ألف ليلة وليلة» أذيعت على مدار 26 عامًا، عرف خلالها المصريون الملكة «شهرزاد» من صوت زوزو نبيل، الذي رغم شهرتها بتجسيد أدوار الشر في السينما، تسلل بالحكايات ذات الجمل المسجوعة، ساحرًا في آذان «شهريار» عبدالرحيم الزرقاني، ومستمعين طالما شعر كل واحد منهم أنه وحده المُخَاطب بالعبارة المحبوبة «بلغني أيها الملك السعيد» إيذانًا بوصول الأحلام، وتزمروا من صياح ديك يوقف الحكي، كان اختياره باقتراح من «أبوفاشا» بديلاً عن صوت جرس، يُنهي كل حلقة.

تكونت القطعة الدرامية الفريدة متناغمة من مكونات مختلفة، فالمكتوب حكايات «عربية- فارسية» طعّمَها «أبوفاشا»، الذي كان أول أجر له على كل حلقة هو 5 جنيهات، بالحواديت الشعبية عن المصابيح السحرية وطاقية الإخفاء والبساط السحري، أما المسموع فكان مزيجًا بين أصوات مصرية تتحدث اللهجتين الفصيحة والعامية وبين موسيقى شرقية الوقع، اسمها كالملكة «شهرزاد»، ارتبطت في الوعي بـ«ألف ليلة وليلة»، ولاتزال إلى الآن قادرة على السفر بمستمعها زمنيًا لأيام الراديو، ومكانيًا لبقاع لم تخطر ببال كممالك البحار والجان، ربما دون أن يدرك هذا المستمع أن مؤلفها روسي اسمه ريمسكي كورساكوف.

تقبل الجمهور، على اختلافاته، «ألف ليلة وليلة»، صدّقها وأحبها، ومنها تقبل الأفكار، حتى المخالفة لثوابته أو اتجاهات المجتمع الفكرية في ذلك الوقت البعيد، كأن تكون امرأة «شهرزاد» أذكى من رجل «دموي» لدرجة أنه تعلق بها وبحكاياتها لليالٍ ألف، في انتصار من العمل للمرأة كما قال صانعه «أبوفاشا» في حوار قديم له، كما تقبل الجمهور أفكار أبعد من الخيال كأن يخاف الجان مخالطة البشر ويراهم مخلوقات «شريرة».

في البدء كان صوت، نجح بالعمل لدرجة لم يكن معها شئ أيسر من تحويله إلى تليفزيوني بدءً من عام 1984، لكن المفارقة كانت أن كاتب أول «ألف ليلة وليلة» تليفزيونية هو أحمد بهجت وليس «أبوفاشا»، حينها اختار مخرج العمل عبدالعزيز السكري، لبطولته نجلاء فتحي وحسين فهمي، بجانب «شكوكو، وزوزو حمدي الحكيم، وتوفيق الدقن»، ورغم نجاح العمل في مجمله، إلا أن تتر المسلسل بصوت سميرة سعيد تغني «إحكي يا شهرزاد»، تفوق على ما عداه من تفاصيل، فنال أغلب الشهرة، واحتفظت به ذاكرة الجمهور، بجانب العبارة الشهيرة «سيبني لبكرة الله يخليك»، التي اعتادت «شهرزاد»، نجلاء فتحي، إنهاء الحلقات بها.

لم يمر وقت كبير كي يقرر التليفزيون الاستعانة بصناع العمل الإذاعي، فظهرت «فوازير ألف ليلة وليلة» لفهمي عبدالحميد عام 1985، من خيال «أبوفاشا» وبصوتي «زوزو» و«الزرقاني» مركبين على رسوم متحركة لشخصيتي «شهريار» و«شهرزاد»، لتتولى عنهما شريهان مهمة الظهور على الشاشة استعراضًا وتمثيلاً، وكانت هي من أعلن للجمهور في تتر أول جزء من «فوزاير ألف ليلة وليلة» تقديم حكايات الإذاعة مصورة، بعبارة «أجمل حكايات الراديون، هنقدمهلكم فيديون».

قرر فهمي عبدالحميد، الاحتفاظ بعلامات ميزت العمل الإذاعي مثل حواديت «أبوفاشا» وصوت بطليه، ونجح سيد مكاوي ومحمد الموجي في افتتاح التتر بمقطع من موسيقى «كورساكوف» وجعلاه جزءً من لحن بقية التتر تمهيدًا لافتتاح الحلقات به مصاحبًا لصوت «زوزو».

من هذه العوامل حدث مزجًا بين عمل فهمي عبدالحميد والعمل الإذاعي لدرجة تعامل الجمهور مع شيريهان على أنها «شهرزاد» خلافًا للواقع، ومن كل تلك العوامل كُتِب النجاح للمسلسل على مدار أعوام ثلاثة بدأت عام 1985 وقُدمت فيها حكايات «عروس البحور»، و«ماندو ووردشان»، وأخيرًا «الثلاث بنات».

تحول السحر من حالة صوتية اعتمدت الإذاعة في إيصالها للمستمع على خياله، إلى صورة اعتمد فيها التليفزيون على رسوم متحركة مصرية لشويكار خليفة، بجانب الخدع البصرية لإخراج مشاهد لبشر يعيشون في «مملكة البحار»، و«المكياج» لتغيير ملامح زوزو نبيل إلى العجوزة «أم منقار» وأنور إسماعيل إلى الملك «جولان» كبير الجان، نجحت المؤثرات على «سذاجتها» بمقاييس الآن، في كسب جمهور بسهولة، بل كانت مبهرة لدرجة التساؤل عن كيفية رقص شريهان فوق السحاب أو ظهورها بثلاث شخصيات في مشهد واحد.

مثلت «ألف ليلة وليلة شريهان» ذروة الإبداع بين ما سبقها وتلاها من أعمال، وخرجت شخصياتها للشارع حتى أصبح بعضها مثل «مشكاح» و«ريما» بسوء فعلهما، مضربًا للأمثال بين الناس، الذين حاولت المراهقات منهن بالفساتين والتصرفات وطريقة الكلام التشبه بشخصيات شيريهان الثلاثة «فاتيما العاقلة»، و«كريمة الممتلئة بالحيوية» ذات اللثغة المميزة بالراء، و«حليمة آخر العنقود المدللة»، كما انتشرت في الشارع عبارات المسلسل كمقولة الجني خفيف الظل في التتر «شبيكي لبيكي، أمي بتسلم عليكي».

قدم الثنائي «فهمي» و«أبوفاشا» بعد ثلاثية شيريهان، تجرتين أخريين، لم يحظيا بالقدر نفسه من النجاح، أولاهما مع ليلى علوي بمسمى «ألف ليلة وليلة- الأشكيف وست الملاح»، والثانية في ختام الثمانينيات مع رغدة ومدحت صالح ومنى عبدالغني، وظل للعمل تأثيره الذي بدا في حلم الصبايا بـ«الأمير بدر باسم»، والفتيان بـ«ست الملاح»، وخوف الصغار لليالٍ بعد عرض المسلسل من «الأشكيف»، وحبهم للسحرة الطيبين.

بوفاة فهمي عبدالحميد، عاد الثنائي «بهجت» و«السكري» مطلع التسعينيات لـ«ألف ليلة» بقصة «ست الحسن»، بطولة يوسف شعبان وإيمان الطوخي، وفي رمضان التسعينيات وصولاً لمطلع الألفية الثالثة، تبدل على «ألف ليلة وليلة» أسماء كتاب مثل نادر خليفة ومصطفى حافظ، بجانب الأبرز والأهم على مستوى كتابة السيناريو والأشعار عبدالسلام أمين، الذي حفظ المصريون عباراته بعد أن عرفوها دون أن يعرفوه، وظهر مخرجين مثل عادل مكين مساعد فهمي عبدالحميد في فوازير «فطوطة»، وعمرو عابدين ورباب حسين.

منذ ذلك الوقت، وبدأت «ألف ليلة وليلة» تتحول إلى شكل المسلسلات بعد أن توارت موسيقى «كورساكوف» اللهم إلا من ثوان تفتتح الحلقات، وبعد أن غاب كارتون وصوت شهرزاد الأصلية زوزو نبيل، وتولى الحكي بطلات العمل مثل نيللي وبوسي ودلال عبدالعزيز ونرمين الفقي، أمام «شهريار» آخر غير «الزرقاني» أدى دوره ممثلين كان أبرزهم يحيى الفخراني بجانب محمود قابيل وأحمد عبدالعزيز وفاروق الفيشاوي، قبل أن تختفي «ألف ليلة وليلة» للأبد لصالح ما أصبح يعرف باسم «مسلسلات رمضان».

انقضت الـ«ألف ليلة وليلة»، بعد أن أصبح أثرها في الأعوام الأخيرة ضعيفًا، وأضحت مشاهدتها لكثير من الجمهور في التسيعينيات مجرد محاولة لاستعادة مجد هذه الليال في الثمانينيات، التي شهدت نسخًا من العمل خرجت من حبكة قوية وإتقان لمؤلف ومخرج وممثلين وفنيين، عكس نسخ التسعينيات التي اعتمدت على اسم و«نجومية» بطلها أكثر من أي مكون درامي آخر، وتفوقت أغنياتها مثل تتر «فضل الله ووردانة» على حكاياتها.

من لحظات الميلاد في الخمسينيات وإلى المغيب في التسيعينيات، لم تفارق حالة السحر الجمهور، الذي أعطاه صناعها معين من الحكايات لا ينضب، في ردٍ لما أخذه منهم «الأب الروحي» للعمل طاهر أبوفاشا، في بداية صنعه للعمل الذي استمر لأعوام كأحد مسلمات رمضان، وكان موعد عرضه وقتًا رسميًا لتجمع كل أفراد العائلة، فتحول بعد الغياب مصدر وحي للجدود لحكي حواديت لأحفادهم.

«ألف ليلة وليلة»، السهل الممتنع، كانت على مدار ما يربو عن الستين عامًا لسامعها ومشاهدها حلمًا يصله دون حواجز، أما للصناع فظلت أشبه بـ«حالة حرب» تقتضي تعبئة عامة قبل رمضان بشهور، وفي سبيل خروجها بصورة فريدة، لم تختر الليالي الألف للعمل عليها إلا كل مبدع، فكان من صناعها أسماء ملحنين مثل «محمد الموجي، وسيد مكاوي، وعمار الشريعي، وعمر خيرت، وياسر عبدالرحمن»، وشعراء مثل «عبدالوهاب محمد، وعبدالسلام أمين»، بجانب كتائب مطربين وممثلين صاحبوها في رحلتها من الراديو للتليفزيون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية