ليس لدينا أى دراسة أو بحث علمى مكتمل يمكن أن نُقّيم من خلاله الطريقة التى غطت بها وسائل الإعلام الغربية عموماً العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة.
وإلى أن يظهر هذا البحث، أو تُنشر تلك الدراسة، التى نأمل أن تأتى وافية ومنهجية بما يكفى لتقييم مثل تلك الممارسة المتشابكة والمعقدة، سنضطر إلى الاعتماد على التحليلات والانطباعات والتقييمات المبنية على الملاحظة والمتابعة بالعين المتخصصة.
من جانبى سأجازف وأقول إن كثيراً مما قيل فى هذا الصدد جانبه الصواب، وإن هناك جديداً يمكن أن يدشن شكلاً مختلفاً للتغطيات الإعلامية الغربية لقضايا المنطقة، وإن هذا الجديد شهد إرهاصات قدومه فى الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2000، ثم فى العدوان الإسرائيلى على لبنان 2006، ثم العدوان على غزة 2008، و2012، قبل أن يولد، بملامح شبه كاملة، فى العدوان الحالى 2014.
سأطرح فى هذه السطور ثلاثة استخلاصات أرى أنها يمكن أن تشكل مجتمعة ملامح الممارسة الإعلامية الغربية حيال العدوان على غزة، بما تعنيه من كونها «مقاربة» إعلامية جديدة لقضايانا وصراعاتنا.
أولاً: التغطية الغربية للعدوان على غزة أفضل نسبياً، على صعيد المهنية وعدم الانحياز، من كل التغطيات التى واكبت الوقائع العربية- الإسرائيلية السابقة.
ليس هذا هو أهم ملمح فى هذا الصدد، لكن الأهم من ذلك أن التحسن النسبى فى «توازن» التغطية و«حيادها» يصب عادة فى صالح الجانب الفلسطينى/ العربى من جهة، وأن هذا التحسن «مطرد» من جهة أخرى.
ما زالت وسائل إعلام غربية رئيسة تضع تغطياتها للعدوان على غزة تحت عناوين مثل «أزمة الشرق الأوسط»، أو «الصراع بين إسرائيل و(حماس)»، وهذا أمر غير منصف تماماً. لكن عندما نقارن تلك العناوين بما كان يكتب سابقاً عن «الإرهاب الفلسطينى»، و«إسرائيل تحت الهجوم»، سندرك تماماً أن «تحسناً نسبياً» قد طرأ.
ليس العنوان المستخدم على صفحة الشاشة سوى «تأطير للصراع» و«صياغة للأزمة»، وسيمكننا القول إن هذا «التأطير» بات يعطينا مثالاً على تحسن التغطية، ليس بوصفها معيارية ونزيهة تماماً، لكن باعتبارها أفضل مما سبق.
ثانياً: مواقع التواصل الاجتماعى باتت تلعب دوراً أكثر تأثيراً فى تغطية الصراع، بشكل لا يسمح لوسائل الإعلام النظامية، مهما كانت شهيرة ونافذة، أن تحتكر تلك التغطية وحدها.
أما الخبر الجيد فى هذا الصدد، فهو أن تغطية «الإعلام الجديد» للعدوان تصب فى صالح غزة والحقيقة بكل تأكيد، وأن إسرائيل تلقت هزيمة قاسية فى ذلك الميدان.
ثالثاً: تغيرت مواقف وسائل إعلام رئيسة ونافذة فى العالم بوضوح، وباتت أقل قدرة على الدفاع عن انحيازاتها لإسرائيل، وهو الأمر الذى يمكن رصده فى تراجع «إيه بى سى» عن إبعاد مراسلها أيمن محيى الدين من غزة، واعتذار «إن بى سى» عن المعلومة الخطأ، وعشرات المقالات المنشورة فى كبريات الصحف البريطانية والأمريكية التى تنتقد إسرائيل وعدوانها، والمظاهرات المنددة بـ «تحيز بى بى سى»، وقدرة جون ستيوارت على تخصيص حصة من برنامجه على «سى إن إن» لتوجيه انتقادات حادة للجانب الإسرائيلى.
موقفنا فى الإعلام الغربى بخصوص غزة يتحسن، وهو أمر يجب أن ندركه ليمكننا البناء عليه.