فى الوقت الذى يعتبر فيه البعض أن ثورة يوليو 1952، أصبحت أوراقا فى دفاتر التاريخ، وتم الانقضاض على مكتسباتها خارجيا وداخليا، سواء بحرب يونيو 67، ونكستها، أو الانفتاح الاقتصادى العشوائى الذى انتهجه السادات، بعد انتصار أكتوبر 73، الذى زاد إفقار الفقراء، يرى البعض الآخر، أن تحقيق أحد مبادئ الثورة الستة، ببناء جيش وطنى وقوى، أنقذ مصر فى النهاية من براثن نظامى مبارك والإخوان، وانحاز للشعب فى ثورتى يناير ويونيو، ليستكمل ما بدأته الثورة الأم.
فيما تظل ثورة يوليو، بمبادئها الستة، درسا ونموذجا يجب أن يظل أمام أى قائد وشعب يريدون أن يبنوا وطنا، بعد ثورتين جديدتين، خاصة فى ظل تشابه الظروف الداخلية والخارجية، حيث نجحت ثورة 52 فى تحقيق بعض أهدافها، وأخفقت فى تحقيق أخرى، وعلى رأسها الديمقراطية.
«المصرى اليوم»، استطلعت آراء عدد من السياسيين والمواطنين، فى المحافظات، حول مدى تحقيق تلك الثورة أهدافها، بعد 62 عاما على قيامها، ومدى إخفاقها، فكانت الإجابات التالية:
قال الدكتور عيد صالح، القيادى بالحزب الناصرى بدمياط، عضو اتحاد الكتاب، إن حلم التغيير لثورة 1952، تشابه مع حلم التغيير فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وكانت الأهداف المشتركة باختلاف القضاء على الاستعمار فقط فى ثورة 1952، حيث رحل آخر جندى عام 1954 من بورسعيد، ليعود ويقصف بورسعيد ومدن القناة 1956، وتحتل سيناء وبورسعيد فى مؤامرة العدوان الثلاثى، وينتفض العالم ضد هذا العدوان الغاشم، وتتصدى المقاومة المصرية الباسلة، ويذهب الاستعمار إلى غير رجعة.
وأضاف «صالح»، أن ثانى أهداف ثورة يوليو 52، كان القضاء على الإقطاع، الذى كان يحتكر الأراضى المصرية، وتم تأميم الأراضى، وأعيد توزيعها لتتحقق العدالة الاجتماعية، التى كانت أهم أهداف الثورة، وكذلك القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وأعيد توجيهه لبناء قاعدة صناعية مصرية، كانت أساس بناء القطاع العام، والذى كان قاطرة التنمية البشرية لبناء مجتمع الكفاية والعدالة، والذى تمت فيه أكبر حركه نهضوية لبناء الإنسان المصرى، وتم إنشاء 3500 وحدة صحية فى القرى، وتطورت المرافق من مياه وكهرباء وبناء المدارس على مستوى الجمهورية، أما إقامة حياة ديمقراطية سليمة بمفهومها الغربى النظرى، فكان مستحيلا بسبب قوى الثورة المضادة فى الداخل.
وقال محمود العباسى، رئيس جمعية تنمية المجتمع بدمياط الجديدة، عضو اتحاد الكتاب، إن أهداف ثورة 52، إنجازات ثقافية، منها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأكاديمية الفنون، ورعاية المتاحف والآثار، ودعم المؤسسات الثقافية، ومجانية التعليم، والتعليم العالى، وإنشاء الجامعات، مشيرا إلى أنه كان للأزهر دور فى نشر الدعوة فى أفريقيا وآسيا، أما الأهداف الأخرى فتحقق منها جيش وطنى قوى، والقضاء على الاستعمار والإقطاع وعلى سيطرة رأس المال.
وأشار المحاسب سعيد نجيد، إلى أن أهداف ثورة 52، تحقق منها 5 مبادئ، باستثناء الحياة الديمقراطية، وجاءت حرب 67 لتقضى على أهدافها، ومرحلة ما بعد 73، ليبدأ الانفتاح الاقتصادى والخصخصة، حيث عانى الشعب من القهر والفقر، كما كان قبل 52، حتى جاءت ثورة 25 يناير بأهدافها، وليتم سرقتها من خلال فصيل لايهمه مقدرات الوطن بمساعدة الثورة المضادة، لتكون 30 يونيو، هى صورة طبق الأصل من ثورة 52، بأهدافها، ونخشى الثورة المضادة من الداخل والخارج، لكن الشعب وقيادته الجديدة المتمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى، تبعث الأمل من جديد لتحقيق طفرة فى أهداف الثورتين، ومجابهة كل قوى الشر فى الداخل والخارج.
وفى أسيوط، أكد الدكتور أحمد ياسين نصار، الأمين السابق للحزب الناصرى، وأحد مؤسسيه، أن مبادئ ثورة يوليو 52، أصبحت أوراقا فى دفاتر التاريخ، إلا أن موقف الجيش المصرى بقوته الحالية وتدخله السريع لإنقاذ مصر من الإرهاب الغاشم الذى تعرضت له فى عصر الإخوان، والاستبداد والظلم طوال عهد مبارك، وسطوة رجال الأعمال الذين نهبوا ثروات مصر وسيطروا على رؤوس الأموال والاقتصاد، وتغلغلوا فى شتى المجالات.
وأضاف «نصار»، أن هناك فارقا هذه الأيام، وهناك تحديات أمام الرئيس السيسى، فى إقامة ديمقراطية سليمة وعدالة اجتماعية، بسبب سطوة أصحاب رؤوس الأموال ومراكز القوى التى تدعمهم، وتزاوج السلطة بالمال طوال فترة حكم مبارك.
وقالت نجاة صديق، إخصائى إعلام بالتربية والتعليم، إنها لا تعتقد أن مبادئ ثورة 52 ما زالت موجودة، وضربت مثالاً بحال التعليم حالياً، متسائلة أين هى مجانية التعليم التى أقرتها ثورة 52؟.. مشيرة إلى أن لديهم طلبة فى المدرسة، لا يستطيع أولياء أمورهم أن يدفعوا لهم المصروفات، ويضطرون لجمعها بالجهود الذاتية، بسبب الحياة المعيشية الصعبة، كما أن نسبة تسرب التعليم وصلت إلى 69% فى أسيوط، بسبب الفقر الشديد بين أهالى القرى، الذين لا يستطيعون الإنفاق على تعليم أبنائهم وبناتهم.
وأشار خالد بدرالى، إلى أن ثورة يوليو 52، لن تتكرر، لأن الاعتصامات والإضرابات والثورات المتلاحقة أنهكت الشعب، والموارد انخفضت، والنظام الحالى لا يستطيع بناء دولة دون موارد اقتصادية.
وقالت انتصار الشريف، إن الحال تغير، وهناك تحديات خارجية وداخلية، تواجه هذا الوطن الجريح، والسوس ينخر فى مصر منذ أكثر من 50 عاماً، مشيرة إلى أننا نحتاج إلى أخلاق قبل القوانين، حتى يشعر المواطن أنه جزء من النظام، عليه واجبات، لكن فى المقام الأول له حقوق لا بد أن يتمتع بها، ونحتاج إلى تعليم أزهرى وتعليم عام، تكون فيه المناهج وسيلة لخدمة الطالب والتلميذ للعبور والتكيف مع متطلبات الوظائف المطروحة داخل الدولة وخارجها، لكن ما يحدث فى مصر، مناهج التعليم فى واد، وما بعد مرحلة التعليم الجامعى فى واد آخر، والحياة العملية صعبة.
وأضافت «الشريف»، أن الخطوة الأصعب فى تاريخ مصر، هى شعور المواطن بالانتماء مرة أخرى إلى الوطن، ليعطى مثلما كان يعطى أباؤنا وأجدادنا فى الماضى، وهذا لن يتحقق إلا إذا كانت الدولة تقدم مكاشفة للتنمية والتطوير، مشيرة إلى أنها تخشى فى الفترة المقبلة من دخول مصر فى صراعات داخلية بسبب الاحتقان السياسى الموجود، وتراجع دور الأحزاب الليبرالية، وعودة أصحاب رؤوس الأموال إلى الحياة السياسية، ويفقد شباب مصر الأمل فى الانخراط بالعمل السياسى وخدمة المجتمع.
وفى الإسكندرية، قالت الدكتورة رينيه رياض، نائب رئيس جمعية صديقات الكتاب المقدس بالإسكندرية، إن المبادئ والأهداف التى قامت من أجلها ثورة يوليو، تحقق بعضها بشكل جيد، خصوصاً بناء جيش مصرى وطنى قوى، يستطيع حماية حدود مصر الخارجية، والقضاء تماماً على ما يسمى بسيطرة رأس المال على الحكم والقضاء على الاستعمار.
وأوضحت «رينيه»، أن مبادئ ثورة يوليو محفورة فى وجدان كل مصرى وطنى، ويتمنى الجميع تحقيقها بالكامل، لكن قد تكون بعض الأمور أو السلوكيات تحول دون تحقيقها جميعاً حالياً، خاصة أن ثورة 25 يناير متممة لثورة 23 يوليو، وقامت للمطالبة بنفس مبادئ وأهداف ثورة يوليو، مع اختلاف المسميات.
وأعرب جوزيف ملاك، محام، عن أمله فى أن تتحقق جميع مبادئ وأهداف ثورة 23 يوليو، التى تحقق اليسير منها، مشيرا إلى أن ثورة يناير المجيدة، هى إحياء لمبادى ثورة يوليو، وإنه لو تم تحقيقها كانت الأمور ستسير إلى الأفضل بمصر والمصريين.
وأضاف «ملاك»، أن ثورة يوليو، عملت على تحقيق هذه المبادئ خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ونجحت بالفعل فى تحقيق العديد من هذه المبادئ، كان أهمها القضاء على الاستعمار.
وقالت هبة عبدالعزيز، الأمين العام المساعد للاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن أن ثورة يوليو، اهتمت بالمرأة، وكان أهم إنجاز للثورة فى هذا المجال، هو ما تضمنه دستور 1956، الذى تمثل فى منح المرأة المصرية لأول مرة حقوقها السياسية كاملة، وكان هذا الموضوع محل جدل واسع بين المؤيدين والمعارضين.
وفى بورسعيد، قال على مراد، بالمعاش، إن أهم وأعرق مبادئ ثورة يوليو الستة التى وضعها خالد محيى الدين، عضو مجلس قيادة الثورة، إقامة جيش وطنى قوى، وهو الذى حمى مصر عبر ثورتى 25 يناير، وانحاز للشعب ضد عصابة الإخوان فى 30 يونيو، وكلما تقاضيت معاشى الشهرى تذكرت ثورة يوليو وجمال عبدالناصر، الذى أقر لأول مرة المعاشات فى مصر.
فيما قال محمد عثمان، تاجر، إن مبادئ ثورة يوليو، بالنسبة له، مجرد درس فى كتب التاريخ.
وأشار عصام عبدالمجيد، طالب بتجارة بورسعيد، إلى أنه «يبدو أن مصر لا تعيش لها ثورات»، فثورة يناير سطا عليها الإخوان، وكادوا يحولونها لنكبة، لولا ثورة 30 يونيو، أما ثورة يوليو، فلم يتبق منها سوى جيش قوى وفيلم (رد قلبى).