x

«المصرى اليوم» داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان وسوريا والأردن

الجمعة 02-07-2010 00:00 |

«اللاجئون هم الذين أطلقوا الثورة الفلسطينية، حملوا عبئها فى عمان وحملوا عبئها فى لبنان، إلى أن تحولت إلى انتفاضة كبرى فى فلسطين، ومازالوا يحملون الجمر وحجر الانتفاضة إلى أن يعودوا إلى فلسطين».. هكذا لخص على فيصل، عضو المجلس الوطنى الفلسطيني، ومسؤول الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فى لبنان، أحد الأدوار الوطنية الرئيسية التى لعبها اللاجئون من الشتات لصالح القضية الفلسطينية.

هؤلاء، الذين اكتفت الأمم المتحدة بتخصيص يوم واحد، هو 28 يونيو من كل عام للتذكير بمأساتهم التى يعيشونها يومياً بين مفاوضات متعثرة، وحكومة إسرائيلية يمينية ترفض حتى مناقشة قضيتهم، وظلم واقع عليهم من قبل أشقاء لهم، حاولنا تلمس جرحهم، ذهبنا إليهم فى مخيماتهم فى الأردن وسوريا ولبنان، زرنا مخيمات البقعة واليرموك وجرمانا وصابرا وشاتيلا وعين الحلوة، حاولنا أن نتلمس جرحاً عمره أكثر من ستين عاماً ومأساة إنسانية تتكرر كل يوم.

حياتهم فى لبنان «صعبة».. ويعيشون واقعاً مأساوياً

لم يكن الدخول إلى مخيم عين الحلوة بالسهولة التى تخيلتها، فحواجز الجيش اللبنانى تنتشر على مداخله ومخارجه للاطلاع على هوية من يدخل ومن يخرج منه على حد سواء. الدخول ممنوع على من هو غير فلسطينى أو لبنانى، لم تكن المسافة التى قطعتها من بيروت إلى صيدا عروس الجنوب اللبنانى وحدها وراء إصرارى على الدخول بأى طريقة، لكون المخيم هو مسقط رأس الفنان الفلسطينى ناجى العلى، وبؤرة للأحداث الساخنة، وهناك من حذرنى من الدخول إلى المخيم قائلاً: «لا تستطيع أن تأمن على حياتك وأنت فى عين الحلوة، بكل بساطة قد تصيبك رصاصة فى رأسك وأنت تسير فى الشارع».

الكتابة عن اللاجئين ومخيماتهم شىء ومعايشتهم مأساتهم شىء آخر. الوضع هنا فى عين الحلوة، الذى يعيش فيه 80 ألف فلسطينى فوق مساحة كيلو متر مربع فقط، محاصرين بمتاريس الجيش اللبنانى، ومحرومين من جميع الخدمات الإنسانية الأساسية لا يختلف كثيراً عن بقية المخيمات الفلسطينية فى لبنان، التى تصل إلى 12 مخيماً رئيسياً.

بترحاب شديد، استقبلنا مسؤول الكفاح المسلح الفلسطينى فى لبنان، العميد منير المقدح، فى بيته بأحد شوارع المخيم التى لا يتجاوز اتساعها المتر الواحد، قال: «الفلسطينى فى هذا البلد الشقيق لا يتمتع لا بحقوق سياسية ولا إنسانية ولا اجتماعية بالإضافة إلى أن نسبة البطالة عالية جداً، هناك صعوبة فى الحياة داخل المخيمات، بالإضافة إلى القرارات المجحفة الصادرة عن الدولة اللبنانية، التى تحرم الفلسطينى من العديد من حقوقه، فالفلسطينى على سبيل المثال محروم من مزاولة 73 مهنة.

أمام منزل يعتبره أهالى المخيم متواضعاً، فى مخيم صابرا وشاتيلا - الذى ارتبط اسمه بالمجزرة الإسرائيلية الشهيرة التى وقعت 1982، وأسفرت عن استشهاد 3297 فلسطينياً- جلس «علاء»، شاب فلسطينى، تخرج فى الجامعة الأمريكية بعد أن أتم دراسة المحاسبة فيها، ليلتحق بطابور البطالة منتظراً فرصة عمل فى الإمارات، يقول علاء: «الفلسطينى فى لبنان مستحيل يعمل، شهادة الفلسطينى فى لبنان لا تعبر عن شىء، نحن لنا مصدر واحد هو الإمارات، وإذا أغلقت أبوابها أمامنا لن نعمل.

سلسلة الإجراءات التى تتخذها الحكومة اللبنانية ضد الفلسطينيين. لا تكتفى بحرمانهم من العمل، وتشمل الحرمان من الحق فى التملك. يقول عاصف موسى، الذى التقيته فى مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فى مخيم عين الحلوة: «الفلسطينى فى هذا البلد محروم من حق التملك سواء منزلاً أو شقة أو أى شىء، منذ 60 سنة هذا المخيم لم تزداد مساحته، رغم أن عددنا أصبح 80 ألفاً، .

الإجراءات التى تتخذها الحكومة اللبنانية فى مواجهة اللاجئين لا تعبر بالضرورة عن رأى مجمل اللبنانيين، وينتقد قطاع عريض منهم هذه الإجراءات.

عمر الديب، القيادى باتحاد الشباب الديمقراطى اللبنانى، نائب رئيس اتحاد الشباب الديمقراطى العالمى قال لـ«المصرى اليوم»: «يعاملون الفلسطينى أسوأ مما يعاملون الكلاب. الفلسطينى إذا لم يعمل كيف يستطيع أن يعيش، يقولون إن الفلسطينى إذا تملك فى لبنان سيكون بداية للتوطين، ولكن هذا فى الأساس نابع عن نظرة عنصرية.

الحياة الصعبة والواقع المأساوى اللذان يعيشهما الفلسطينيون فى لبنان- كما وصف لنا عميد الأسرى العرب سمير القنطار- يهدفان إلى تهجيرهم من هذا البلد، يقول القنطار لـ«المصرى اليوم»: «هدف ذلك فى تقديرى هو تهجيرهم من هذا البلد، وجعلهم يتوطنون فى الخارج».

سألته إن كانت هذه الظروف غير الإنسانية التى يعيشها الفلسطينيون فى لبنان قد تكون دافعاً خاصة للشباب فى هذه المخيمات للقبول بالتوطين أينما ووقتما عرض عليهم، فاعتدل منير المقدح، مسؤول الكفاح المسلح الفلسطينى فى لبنان، فى جلسته وقال: «أكبر نسبة استشهاديين من الجيل الجديد فى انتفاضة الأقصى من أبناء المخيمات، كلما ولد جيل فى هذا القهر تمسك بحقه أكثر، عرضت الجنسية على الشعب الفلسطينى مراراً وتكراراً ورفضت من قبل الشعب الفلسطينى، ونحن نؤكد حقنا فى العودة إلى ديارنا، والتوطين والتجنيس خطوط حمراء بالنسبة لنا».

محمد عباس، أحد أبناء الجيل الجديد، الذى يخشى البعض من قبولهم التوطين للهروب من الواقع المأساوى الذى يعيشه، سألته عن مدى استعداده لتقبل فكرة التوطين، أحسست من رد فعله أن سؤالى كان صادماً إلى حد كبير، قال: «مستحيل، إلا التوطين، اللبنانى يفكر فى الهجرة أكثر مما يفكر فيها الفلسطينى، حتى إذا قبلت فاللبنانى نفسه لن يقبلنى كلبنانى، نحن نؤمن أن أرضنا سترجع لنا إن لم يكن فى عهدنا ففى عهد أبنائنا.

يحصلون على «الجنسية» الأردنية ويحتفظون بـ«الهوية» الفلسطينية

فى الأردن يزداد الأمر تعقيداً، فكابوس «أيلول الأسود» مازال جاثماً على صدر البلد، بسبب تغلغل الوجود الفلسطينى فى النسيج الأردنى، فالأردن هو البلد الوحيد الذى وطن اللاجئين، الذين فروا إليه بعد نكبة 1948، وقتها لم يكن عدد سكان الأردن يزيد على عشرات الآلاف، وكانت هناك حاجة لاستيعابهم لبناء الدولة الوليدة، وبعد دمج الضفتين بشكل قسرى، حصل الفلسطينيون على الرقم الوطنى الأردنى، مما يعنى أنه مواطن أردنى من الدرجة الأولى.

قال سعد عاشور، أردنى من أصل فلسطينى: «رغم أن عدداً كبيراً جداً من الفلسطينيين تم توطينهم فى الأردن، فإن هناك من أتوا فى أعقاب 1967، وهؤلاء هم الذين يتم التعامل معهم على أساس أنهم لاجئون، ويحملون وثيقة للمعاملات الرسمية، واسمهم (غزاوية)، وهم الذين يحملون جواز سفر مدته سنتان، وهم الوحيدون المنقوصة حقوقهم، ولكنهم منخرطون فى المجتمع، ممنوع أن يتملكوا أى أرض أو بيت باسمهم، لكنهم قد يتملكون سيارة، ومسموح لهم بالعمل، ولهم حرية كاملة بالحركة داخل الأردن، وإذا أرادوا السفر إلى الخارج عليهم الحصول على شهادة حسن سير وسلوك من المخابرات العامة الأردنية».

يحمل سعد عاشور رقماً وطنياً أردنياً، وجنسية أردنية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بما يثبت فلسطينيته، يقول عاشور: «عندى وثيقة تثبت أن لدينا بيتاً فى الرملة وبيارة، بالإضافة إلى أننا درسنا فى مدارس وكالة غوث اللاجئين والحكومة، درسنا فى مدارس الوكالة لأنها كانت أقرب إلى بيتنا وكانت رسومها أقل، ثم درسنا بعد ذلك فى مدارس الحكومة، إلا أن الشىء الأهم الذى يثبت الأصل الفلسطينى للمواطن الأردنى هو كارت المؤن، وهو بطاقة يحملها كل اللاجئين الفلسطينيين سواء من 1948 أو1967، وصادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وتثبت أن حائزها فلسطينى مسجل بها، ويدون فيها أسماء أفراد العائلة وجنسهم وأعمارهم، ويحصل بها اللاجئ الفلسطينى على مساعدات من (الأونروا)، وهذه هى الوثيقة التى تثبت أننا من لاجئى 1948، والحقيقة أننا نتوارث كارت المؤن، يعنى بعد زواجى سأذهب لـ(الأونروا) لعمل كارت جديد، لإضافة أطفالنا عليه».

سألته إذا ما كان توطين أسرته فى الأردن وحمله الجنسية الأردنية، سيكون لهما تأثير بعلاقته بقضيته الفلسطينية، فقال: «أنا أردنى من أصل فلسطينى فى أى مكان، ولدت فى الأردن وتعلمت وعملت فيه، وتابع: يمكن لوتحررت فلسطين وسألونى إن كنت أريد أن أعود، مع حبى لبلدى الأصلى أولجذورى إلا أنه فى نفس الوقت عندى عشق للبلد الذى تربيت فيه، بيتى وعملى فى الأردن، وكل علاقاتى الاجتماعية فيه، فلما أذهب إلى فلسطين».يعيش الفلسطينيون فى الأردن فى 10 مخيمات رسمية، هى «البقعة»، «عمان الجديد»، «ماركا»، «الحسين»، «إربد»، «الحصن»، «الزرقاء»، «سوف»، «جرش»، و«الطالبية»، كما يوجد 3 مخيمات غير رسمية فى «عمان»، «الزرقاء» و«مأدبا».

يقول وليد السعيد، أمين سر اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع فى الأردن: «فى بداية إنشاء المخيمات كانت الخدمات متدنية، تم إجراء تحسينات، الآن معظمها به قنوات صرف صحى والمياه والشوارع والكهرباء موجودة، بالطبع لا تتوافر هذه الظروف فى كل المخيمات، إلا أنها موجودة فى الغالبية».

المسؤولية فى توفير الخدمات وتوظيف اللاجئين الفلسطينيين فى الأردن تقع على كاهل وكالة «الأونروا»، كما يقول فرج مازه، عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى الأردنى، الذى يضيف: «ومن هنا يأتى القصور الكبير فى تقديم الخدمات، ولفت إلى أن هناك تقليصاً فيها، وعلى الأخص فى قضايا التعليم والصحة، وهى من الخدمات الرئيسية، وأشار إلى أن الحكومات الأردنية تدخلت مرات عديدة فى تغطية الكثير من النفقات، ولكن يبقى حال المخيمات سيئاً وبحاجة إلى وقفة جادة».

..ويتمتعون فى سوريا بجميع الحقوق دون حق الانتخاب

الصورة فى سوريا تختلف تماماً عن سواها، هنا يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بكل ما يتمتع به المواطن السورى، فقط حق واحد لا يتمتعون به هو حق الانتخاب، يوجد فى سوريا 10 مخيمات فلسطينية معترف بها.

فى مخيم اليرموك، الذى يعتبره البعض عاصمة اقتصادية للفلسطينيين فى سوريا، التقينا عمر مراد، المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى سوريا، وعضو المكتب السياسى للجبهة الشعبية، قال: إن أكبر دليل على الالتحام بين اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين السوريين، هو مخيم اليرموك نفسه، حيث لا يعيش فى المخيم الذى يقسمه شارع تجارى كبير إلى قسمين، لاجئون فلسطينيون فقط، وإنما أيضاً العديد من السوريين النازحين من محافظات سورية مختلفة.

يقول يوسف فيصل، الأمين العام للحزب الشيوعى السورى لـ«المصرى اليوم»: «اللاجئون الفلسطينيون فى سوريا حكمهم حكم السوريين تماماً، وذلك بحكم المادة 34 من الدستور السورى التى دسترت القوانين التى سُنت للفلسطينيين، هم يشترون ويبيعون ويعملون فى جميع المهن ويعملون بالحكومة وفى الشركات العامة، وغير ممنوعين من أى وظيفة بما فيها الطيران، والفلسطينيون موجودون فى مناصب مهمة حتى وزراء، كان منهم أحمد سليم درويش من حزب الوحدويين الاشتراكيين، وهؤلاء انضموا لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية».

بعد جولة ليست قصيرة فى مخيم اليرموك، بدأ «عمر مراد»، المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى سوريا، فى الحديث بشكل أكثر استفاضة عن واقع اللاجئين فى سوريا، يقول: «لأسباب فقط تتعلق بالقضية والعودة، عندنا وثيقة سفر خاصة بالفلسطينيين السوريين وهوية مؤقتة خاصة بالفلسطينيين السوريين، وحرماننا من حق الانتخاب فقط، لأن هذه قضية سياسية سورية.

بعكس الوضع تماماً فى لبنان، يحق للاجئ الفلسطينى فى سوريا أن يتملك، سألت عمر مراد، المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى سوريا، إن كان تمليك اللاجئين الفلسطينيين قد يجعل من التوطين حلاً مقبولاً بالنسبة لهم فقال: «بالعكس، نحن إذا توافرت لنا حياة آدمية، فيها كرامة وإنسانية، كان عملنا من أجل القضية أكبر».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية