x

أحمد ناجي الانتحار الذي يصبح انتصارا أحمد ناجي الأحد 20-07-2014 23:09



من بين جميع الفيديوهات والصور القادمة كل دقيقة من غزة، لا يوجد ما هو مثير للبؤس، وكاشف لمدى الخواء الذي صارت عليه كلمة "مقاومة" أكثر من الفيديو المعروف باسم عملية "زكيم البحرية".
العنوان العريض للحدث أن أربعة من كتائب "كومندوز" حماس نفذوا عملية لاقتحام قاعدة بحرية. أربعة يقتحمون قاعدة بحرية، لا أعرف أين حدث هذا من قبل، لكن حتى سلفسترستالون حينما أراد اقتحام مهرجان "كان" احتاج لمدرعة وفريق من خبراء الأكشن والقتال التليفزيونى ومنفذي الخدع البصرية يقترب من الدستة. لكن حماس قدمت أربعة شباب تم إقناعهم أن قوتهم بسبب الإيمان والعزيمة ستتجاوز قوة سلفستر وبإمكانهم باستخدام الأسلحة الخفيفة اقتحام قاعدة بحرية. وبدلا من التخطيط والتجهيز والتسليح تم الاعتناء بتصوير الشبان على طريقة رامز قرش البحر في مختلف الأوضاع بلغت الذروة في مشهد أثناء سباحتهم تحت الماء يؤدون مجموعة من الحركات كأنها صلاة أخيرة، ثم ينطلقون نحو عتمة أعماق المياه.
بعدها بساعات أعلنت حماس استشهاد المجاهدين الأربعة في عملية وصفتها بالناجحة وادعت أنهم قتلوا جنديا إسرائيليا في حين نفي الجيش الإسرائيلي وقوع أي إصابات، ونشر فيديو آخر يظهر المقاتلين الأربعة يجرون في فراغ صحراوي ثم ينتهى الأمر بقذفهم من أعلي كما لعبة من لعب الفيديو جيم.
المؤسف أن أحداً لم يترحم على هؤلاء الشهداء ورغم البحث فقد فشلت في معرفة أسمائهم، لأنه بدلاً من ذلك أخذ الجميع يتحدث عن نصر المقاومة "والتطور النوعي" في عمليات حماس من الصواريخ التي تسقط في الصحراء، إلي الغطاسين الذي يخرجون من الماء ويهرولوا على الرمل حيث يتم اصطيادهم من السماء.
الريادة الإعلامية المصرية لا يمكن التفوق عليه، وفي هزيمة 1967 بينما يهرول الجنود المصريون فارين في الصحراء أو يذبحون في مذابح جماعية ارتكبتها القوات الإسرائيلية كان الإعلام المصري يذيع بيانات الانتصار، ويحول الهزيمة إلي نكسة، وجريمة القائد "جمال عبدالناصر" وقتها إلى خطأ يتحمل مسؤوليته، لكن لا يمكننا أن نتركه يتحملها لوحده بل يجب حشد الناس ليخرجوا في الشوارع يهتفون بعودته. لكن التلميذ تفوق على أستاذة، واليوم تحمل الكتيبة الإعلامية في حركة حماس لواء الزيف والكذب في منافسة شرسة في التضليل أمام الآلة الإعلامية المصرية العجوز.
يتحمل الإعلام في وقت الحرب أعباء آخري إلى جانب الموضوعية والبحث عن الحقيقة يضاف إليه دور الحفاظ على الروح المعنوية، ومواجهة الشائعات. لكن حتي هذه الأدوار لا تشغل بال القائمين على الإعلام في غزة سواء داخل حركة حماس أو المتعاونين معها.
يكشف فيديو "زكيم" فشل حماس والمقاومة عارياً ولا نحتاج لآلة إعلامية إسرائيلية أو مصرية لنري هذا الخواء، الفيديو بالتأكيد لن يثير الرهبة في نفوس المواطنين الإسرائيليين، مثلما لا تثير فيديوهات حماس العبرية الرهبة أكثر من الضحك، ويشاهدها الإسرائيليون ثم يخرجون للنافذة ليشاهدوا أنوار قذف طائراتهم لبيوت غزة، بينما إعلام حماس يطلب من مواطنين غزة عدم مغادرة منازلهم أو الانصياع للتحذيرات الإسرائيلية!

"فيديو" زكيم الكوميدى والذي يظهر ثلاثة غواصين يأدون ما يشبه حركات الصلاة، لن يرفع الروح المعنوية بالتأكيد، وإن كان على الأرجح رسالة للشباب الغزاوى تحت الحصار في وجود اختيارات متعددة للاستشهاد براً أو بحراً. الغرض من "زكيم" ليس اقتحام قاعدة بحرية بالطبع، بل إعطاء شبكة الجزيرة ومعلقيها الذين يروجون أكاذيب الانتصارات والمقاومة مادة يمكن بثها في الخلفية بينما المعلق يستفيض في شرح الرعب الذي يعيشه الإسرائيليون والتطور النوعي في أنواع الانتحار المختلفة التي تقدمها حماس لمقاتليها.
إسرائيل في الأعلى تراقب وتصطاد الأطفال على الشاطئ. إسرائيل تقتل الأطفال، وكل عام يظهر فيديو جديد يؤكد على هذه الحقيقة، لكن حماس لا تكتفي بذلك فقط فتسمح للكاميرات بدخول المستشفيات وتصوير الجثث وانتهاك حرمة الأموات أطفالا أو كباراً. هذا المادة الثمينة والتي تتطلب الدم والجثث يتم تدويرها لأنها ببساطة هي كل ما تمتلكه المقاومة وحماس، إنتاج المزيد من صور القتلى والجثث أملاً في استدرار العطف والتضامن، لا بغرض إيقاف القصف، أو توسيع دائرة الداعمين، بل للتفاوض سياسياً.
استخدمت حماس هذا السلاح أكثر من مرة وأحياناً ما كان يأتي بنتيجة، لكن اللحظة الحالية تجاوزت زمن حماس وألعابها القديمة، فمهما كانت الصور والفيديوهات للجثث التي سيخرجونها لن تصمد في المنافسة أمام الفيديوهات والصور القادمة من سوريا، أو من أراضي زميلهم الفصيل الإسلامى "داعش". وبالتالي فحتى سلاح صور الدم والدموع، لم يعد صالحاً للحظة مثلما لا تصيب صواريخهم إلا الرمال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية