كأن الحصار لم يكن كافيا ليعزل الفلسطينيين عن العالم ويثقل حياتهم بالمزيد من الهموم، بل زاد من عزلة الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية الصعوبات التى تواجهها أسرهم للخروج من القطاع لزيارتهم فى الضفة الغربية أو إسرائيل، مما أدخل أهاليهم فى أسر من نوع آخر قد لا يحمل تعذيبا بدنيا أو أقفاصاً حديدية لكنه يفقدهم الحرية.
«أمى الحبيبة.. نفسيتى تعبت جدا بعد دخولى العزل الانفرادى. لا أشعر بأننى كما كنت، ولم يعد المحامون يأتون كثيرا. أحاول أن أمسك نفسى ولا أتعصب حتى لا أتعرض للعقاب، توقفت عن الصلاة ولا أعرف إن كنت سعيدة أم لا، أرجو أن تجدوا حلا سريعا إن شاء الله «هذه» كانت كلمات آخر خطاب ترسله الأسيرة الفلسطينية «وفاء البس» واحدة من بين 36 سيدة وفتاة مازلن معتقلات فى سجون الاحتلال الإسرائيلى.
بدت معاناة أهالى الأسرى واضحة فى كلمات زوجة الأسير عمر الغول المحكوم عليه بالسجن 23 سنة ووالدة محمود الغول المحكوم عليه بـ14 سنة قضى منها 7 سنوات، وأم لشاب آخر شهيد. قالت: «إلى متى ستظلون تتفرجون علينا تاركين إسرائيل تفعل ما تريد والنساء تأتى من كل مكان لتبكى علينا فقط (إيد لوحدها لا تصفق) العالم كله يقف مع الجندى جلعاد شاليط ونحن لا أحد يعرف عن أسرانا شيئا.. لقد اشتقنا لأولادنا وأزواجنا».
وتذكر التقارير الرسمية الفلسطينية أن عدد الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ 1967 وحتى الآن يصل إلى 800 ألف أسير لايزال منهم فى السجون 11700 أسير بينهم 355 طفلاً تحت سن الـ18 و36 امراة بقين من 1000 تم اعتقالهن منذ 67. ويوجد أسرى مرضى بسبب الإهمال الطبى المتعمد وصل عددهم إلى 1300، من بينهم الأسير رائد جمال المعتقل منذ 2002 بسجن النفحة بالضفة الغربية ويعانى سرطان النخاع الشوكى.
وقالت شقيقته: إن رائد تم حقنه بمادة مجهولة بعد أن ظهرت عليه أعراض غريبة فى ظهره تبين بعدها إصابته بالسرطان وأجريت له أكثر من عملية فشلت جميعها وتعرض للعزل الانفرادى ولا يجد من يعتنى به مما دفع الأسرى للإضراب من أجله، وأضافت أننا لا نعلم عنه شيئاً منذ مدة طويلة ولا أمل فى الإفراج عنه، فيما طالبت والدته بمساعدتهم فى معرفة أخباره وقالت «ساعدونا لأننا لا نعرف شيئا عنه فاليوم أبلغونا أنه استشهد ولا نعرف الحقيقة».
وأكد صابر أبو حرش مدير جمعية «واعد» لرعاية الأسرى أن إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى العالم التى رفضت التوقيع على اتفاقية مناهضة تعذيب الأسرى بل تجيز حق التعذيب بشكل رسمى فى سجونها، وبلغ من تعرضوا للتعذيب المحرم دوليا حتى الآن 700 أسير، على حد قوله.
وأشار حرش إلى أن من أساليب التعذيب المعروفة لديهم العزل الانفرادى وهناك نوع منه يسمى «القبر» يتم وضع الأسير فى حفرة لها فتحة صغيرة للتنفس عدة أيام وهناك ما يسمى «الثلاجة» وهى حجرة شديدة البرودة يوضع بها المعتقل دون أغطية وبملابس خفيفة، ولفت إلى أنه تم إعدام 70 أسيراً ميدانيا منذ 1967.
وقالت منى حسان زوجة أسير وأم لشهيد: زوجى محكوم عليه بالسجن مدى الحياة ويقضى عقوبته بسجن النفحة قضى منها 23 سنة حتى الآن ولم أزره أو أره منذ 9 سنوات لأن الزيارة ممنوعة عنه وأشارت إلى رفعها عدداً كبيراً من الدعاوى القضائية دون جدوى، وكل ما تطلبه هو رؤية زوجها لمرة واحدة قبل أن تموت.
من جانبه أوضح محمد فرج الغول وزير شؤون الأسرى أنه لا توجد فى العالم كله وزارة للأسرى إلا فى فلسطين فقط، لصعوبة القضية وتشابك تفاصيلها، وأضاف: نحن لدينا أعداد كبيرة فاقت مدة اعتقالهم فترة اعتقال نيلسون مانديلا الذى قضى 27 عاما فى السجون، ونحن لدينا أسرى تخطوا الـ33 عاماً فى السجن.
وأضافت الأسيرة المحررة سمر صبيح فى شهادتها عن فترة أسرها أن التعرض للانتهاكات فى السجون الإسرائيلية أصبح أمراً طبيعياً فقد خضعت للتحقيق مدة 66 يوماً وكانوا يقومون بـ«شبحى» على الكرسى مقيدة اليدين من الخلف لأكثر من 12 ساعة وتعرضت للتهديد بإجهاضى أكثر من مرة وتمت الولادة وأنا مقيدة.
وأشارت إلى أن عام 2007 شهد أكبر عدد من وفيات الأسيرات بسبب الإهمال الطبى وبالإضافة إلى التعذيب فإننا نعانى من «العصافير» وهن فتيات يلبسن الزى الفلسطينى مثلنا يتم وضعهن بيننا لينقلن أخبارنا واعترافاتنا للإسرائيليين، وأشارت إلى أنهن قد يتعرضن لعقاب جماعى نتيجة تصرف أسيرة واحدة ضد إحدى السجانات، كما أننا نعيش مع الصراصير والفئران، وللزنزانة شباك واحد عليه قطعة من الصاج تمنع التهوية الجيدة.
وقالت الأسيرة المحررة لينا فرج الله إنها قضت 90 يوما فى العزل الانفرادى حتى إنها لم تستطع فتح عينيها لمدة ربع ساعة عقب خروجها من العزل وأضافت: لم أتمكن من التعرف على صور أطفالى فقد تغير شكلهم بمرور السنوات التى قضيتها فى السجن.
إصرار الفلسطينيين على الصمود لخصه والد الأسير أحمد سمير عصفور الذى يعانى من تهتك فى الأمعاء وبتر بالساق قائلا «لو مات أحمد وأولادى الـ16 فلن نغادر أرضنا».