x

لميس الحديدي عشوائية النقل لميس الحديدي الإثنين 14-07-2014 23:58


كشف قرار خفض دعم المشتقات البترولية مؤخراً عن إحدى أهم عورات النظام الاقصادى المصرى: تدنى مستوى الخدمات وعشوائيتها. وقد بدا ذلك جلياً في عشوائية نظام النقل وتحكم فئة قليلة من مافيا سائقى الميكروباص والتاكسى في أسعاره في وقت اعتمدت فيه الرقابة على استخدام الضمائر والوازع الوطنى، وهى أدوات لا تليق بدولة في العصر الحديث.

فبينما نجحت الحكومة في كسر احتكار السلع لدى بعض التجار وتقديم سلع مخفضة في المنافذ الحكومية مما حد من ارتفاع بعض أسعارها وتقديم منافسة واضحة، لم تتمكن الدولة من التحكم في أسعار النقل بأنواعه المختلفة، ماعدا النقل العام الذي لم يعد الوسيلة الرئيسية لنقل المواطنين في السنوات الأخيرة لتدهور أحواله.

ورغم تحديد التسعيرة والوعيد بغرامة إلا أن وسائل المواصلات البعيدة عن الرقابة في الشوارع الداخلية أكثر بكثير من تلك الواقعة تحت الرقابة في أماكن الانتظار الرسمية، مما جعل المواطن فريسة لتحكم سائق توكتوك أو ميكروباص أو حتى تاكسى لا يريد أن يعمل «بالبنديرة».

ولا يبدو معقولاً على الإطلاق أن نرى وزيراً أو محافظاً يتحدث بنفسه إلى السائقين لإقناعهم بالالتزام بالأسعار وعدم المغالاة بها.. فرغم أنها صورة صحفية وسياسية جيدة لكنها لا تؤتى أكلها ولا يمكن استخدامها كوسيلة لإنفاذ القانون.

قانون السوق الوحيد المتعارف عليه هو العرض والطلب، أي المنافسة، تلك هي القواعد الوحيدة التي يمكن أن تنظم سوق النقل العشوائى وتكسر احتكار فئة تتحكم في الناس وانتقالاتهم ومعيشتهم طوال تلك السنوات، بما في ذلك صلاتهم المشبوهة ببعض الجهات التنفيذية داخل الدولة.

والعجيب أن سوق النقل في دولة بها 86 مليون مواطن وليس به إلا القطاع العام المهترئ وعدد من الشركات الحكومية على الخطوط السريعة، بينما قلب المحافظات وحركتها يتحكم بها مجموعات غير منظمة من السائقين وتحالفاتهم غير المشروعة. فحين تقع الأزمة لا تجد الدولة من تتفاوض معه فتكون النتيجة أن يقف الوزراء على مواقف السيارات يفاوضون السائقين على الأسعار. هل هذا معقول؟

كسر الاحتكار هو كلمة السر.. والحلول كثيرة: فتح المجال للقطاع الخاص المنظم الملتزم بالعقود بتسعيرة الدولة، وفتح خطوط موازية لمجموعة من الشركات وليس شركة واحدة كى تكون بينهم منافسة تراقبها الدولة. واقتراح آخر أن تكون الدولة شريكا مع تلك الشركات بطريقة ما. إما بقيمة جمارك السيارات مثلاً أو بتوفير الطرق والخطوط. دخول الدولة هنا كشريك يمكنها من التأكد من عدم التلاعب بالأسعار وتكوين احتكارات بين الشركات المنافسة. كما أن العقود يمكن أن تكون حاسمة في هذا الصدد.. أما التمويل فستتسابق عليه كل البنوك التي تعرف معنى ضخامة سوق النقل في مصر.

واقتراح آخر قدمه من قبل الدكتور أسامة عقيل أستاذ الهندسة حين اقترح شركة تضم مجموعة من الأتوبيسات الفاخرة التي تقلل من استخدام السيارات الخاصة وتوجه لطرق بعينها مثل السادس من أكتوبر والتجمع ومصر الجديدة، بحيث تمكن الطبقة المتوسطة من استخدامها والتخلى عن سياراتهم الخاصة فتوفر بذلك البنزين كما تخفف من ازدحام السيارات على الطرق.

كل تلك الأفكار ليست بدعة لكنها حلول معمول بها في دول عديدة مثل الإمارات، وبريطانيا وغيرها، لكن من غير المعقول أن تترك سوق بهذه الضخامة وخدمة بتلك الأهمية تحت تحكم وسيطرة مجموعة عشوائية من المنتفعين والمستغلين ومن وراءهم من مافيا لا يهمها إلا استغلال المواطن الكادح.

الأفكار التقليدية لم يعد لها مكان في هذا العالم ولا يمكن أن يكون لها مكان لحل مشكلاتنا المستعصية. وإبقاء الوضع على ماهو عليه والاعتماد على أخلاق الناس وضمائرهم هو ضرب من الخيال.

السوق، أي سوق، تحكمها آليات الطلب والعرض، وكسر الاحتكار وسيلته الوحيدة هي المنافسة.. ذلك هو السبيل الوحيد لتنظيم سوق النقل وتقديم خدمة محترمة للمواطن المصرى. ذلك المواطن المستعد لتحمل شظف الحياة وصعوبة المرحلة لكنه يحتاج أيضاً إلى خدمة تقدم له بشكل جيد وبسعر معقول.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية