x

جمال أبو الحسن لماذا لا يذرف المصريون الدمع على غزة؟ جمال أبو الحسن الأحد 13-07-2014 22:34


حتى كتابة هذه السطور كانت الضربات الجوية الإسرائيلية قد أوقعت ما يقرب من 127 قتيلاً. العدد، كما يبدو، مرشحٌ للزيادة مع استمرار الغارات. مع ذلك فإن الرأى العام المصرى، كما يُسجل الكثيرون، لا يبدو منزعجاً أو حتى متفاعلاً مع ما يجرى، على الأقل مقارنة بما كان عليه الحال في السابق.

سمعنا في الأيام الأخيرة تفسيرات مختلفة لهذا «التحول» من جانب المصريين. أغلب التفسيرات يدور حول تورط حركة حماس، بصور مختلفة، في الصراع السياسى المصرى خلال السنوات الثلاث الماضية. الكثير من المُعلقين صار يستخدم «كليشيه» مكرراً: «برغم كل جرائم حماس في حق الشعب المصرى، دعونا نفصل بين حماس والشعب الفلسطينى».

سوف أجادل هنا بأن الافتراضات السابقة كلها غير دقيقة، بما فيها هذا «الكليشيه» المحفوظ. دعنى أخبرك لماذا.

الحديث عن «تحول» في الرأى العام المصرى يفترض ضمناً أن الرأى العام كان أكثر تعاطفاً مع غزة في السابق، هذا ليس دقيقاً ولا دليل عليه. أولاً، لم تكن هناك في أي وقت قياسات مستقلة يمكن الاعتماد عليها لتوجهات الرأى العام المصرى. ثانياً، من يتحدثون عن الرأى العالم يقصدون تحديداً وسائل الإعلام والمظاهرات. وقد ثبت بالدليل، وفى أكثر من مناسبة منذ يناير 2011، أن هذه المؤشرات لا تصلح مقياساً لتوجهات الرأى العام الحقيقى بين المصريين.

وسائل الإعلام تظل مؤشراً جيداً لقراءة توجهات «النخبة» وليس «الكُتلة». اختيارات الشارع السياسى وليس الشارع العادى. استفتاء مارس 2011 يظل المثل الأبرز هنا. بعد حشد إعلامى غير مسبوق للتصويت بلا، جاءت «نعم» الكاسحة المدوية.

ليس هذا بجديد. في السبعينيات وقفت النخبة، اليسارية في مجملها، في مواجهة اختيار السادات الصلح مع إسرائيل. تبين أن هذا لا يعكس الرأى العام الأوسع. الحقيقة أن أغلبية المصريين كانت تؤيد السادات لأسباب مختلفة، على رأسها الإنهاك الذي أصاب الناس من الاستمرار في الحرب.

لنعُد إلى غزة: لماذا لا يبدو المصريون غاضبين بما يكفى إزاء ما يجرى هناك؟ لماذا تبدو كتلة غير قليلة منزعجة من سلوك حركة حماس أكثر من انزعاجها من الغارات الإسرائيلية التي تُسقط قتلى من المدنيين، ومنهم النساء والأطفال والشيوخ؟

إنها أسباب تتعلق بالحس العام، أكثر من الرأى أو الأيديولوجية أو المعرفة السياسية المُعمقة. أولاً: المصريون يفهمون أن مسألة غزة ليست «إنسانية» في جوهرها (برغم محاولات الكثيرين التركيز على هذا البُعد). هي قضية سياسية بامتياز. ثانياً، لا يحتاج المرء لما هو أكثر من الحس العام لكى يُدرك أن أهالى غزة، الذين تقودهم في هذه اللحظة حركة حماس، اختاروا- ومنذ فترة- مباشرة الصراع مع إسرائيل باستخدام استراتيجية مُعينة. إنها استراتيجية تسعى لمعالجة الاختلال الفادح في توازن القوى. تستغل قوة إسرائيل من أجل إحراجها مرتين: مرة لأنها لا تستطيع، بكل تفوقها العسكرى، منع إطلاق الصواريخ على مدنها، ومرة ثانية لأنها تقتل المدنيين بدم بارد. الهدف هنا ليس هزيمة إسرائيل عسكرياً، ولكن خلق توازن معين معها. والهدف الآخر، وربما الأهم، هو حشد نوع من التعاطف العربى والإسلامى مع «المقاومة»، بحيث تظل القضية حية ولا تُنسى. الهدف الثالث: أن تظل حماس نفسها في السلطة، لأنها بدون الدخول في جولة كل عام أو عامين تفقد مبرر وجودها.

إليك المفاجأة: المصريون لا يتفقون مع هذه الاستراتيجية مهما بدت «مُقنعة» أو «بطولية»! إنهم، ببساطة، يرفضونها ويعتبرون أن مثالبها تفوق أي منافع متوقعة من ورائها. يرونها غير مجدية وخطيرة. السبب أيضاً بسيط للغاية: لقد اختار المصريون، منذ وقت طويل، استراتيجية مُختلفة للتعامل مع هذا الصراع المُركب. ويعتبرون أنها الاستراتيجية الأفضل لتحرير الأرض وتحقيق السلام على حد سواء.

السنوات الثلاث الماضية لم تشهد «تحولاً» في اتجاهات المصريين إزاء غزة أو القضية الفلسطينية. كل ما حدث هو انكشاف أكبر للكوارث الخطيرة التي ينطوى عليها الاستمرار في «المقاومة» على النهج الحمساوى أو على طريقة حزب الله. النزاع السورى كشف أن نصر الله ليس سوى ضابط كبير في جيش يقوده الجنرال الإيرانى «قاسم سليمانى». أما في غزة، فقد ظهر أن المقاومة جزءٌ من لعبة إقليمية أوسع تمثل مواجهة إسرائيل إحدى أدواتها. الجديد اليوم أن قسماً مُعتبراً من النخبة بدأ في إدراك هذه الحقائق الساطعة.

لقد كان الحس العام للمصريين سليماً في السبعينيات، مثلما هو سليم اليوم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية