بحكم وجودي خارج مصر، أرى أن بعض الإخوة العرب يبالغون في انتقاد الموقف الرسمي المصري من الحملة الإسرائيلية البربرية على غزة، وأعتقد أنهم يغفلون التالي: من لا يرى من الغربال أعمى بالتأكيد، ومصر اليوم غير مصر قبل ثلاث سنوات، تعرضت خلالها للإنهاك والإضعاف واستُهلك جيشها وشرطتها في حروب شوارع مع فئة من الشعب تارة ومع الإرهاب منذ ثورة 30 يونيو تارة أخرى!
نجح الإخوان خلال عام واحد في تحقيق حلم راود الإسرائيليين عقودًا طويلة، وهو وأد القضية الفلسطينية في مصر وترسيخ شعور لدى شريحة كبيرة من شعبها بأنهم نالوا جزاء سنمار حين انتهكت حماس الحدود وتعاملت مع مصر بكل خسة وحقارة في لحظة ضعف، وارتكبت جرائم متكررة وصلت إلى خطف ضباط واقتحام سجون، ونسى قياداتها حجمهم الحقيقي في لحظة تعاظم غريبة متأثرين بهلاوس قطرية وتركية ودأبوا على الحديث بلغة مبطنة بالتهديد.. تهديد مصر!
وخلال عام واحد من حكم الإخوان، فوجئنا بالرئيس الذي وصف اليهود سابقًا بأحفاد القردة والخنازير يخاطب نظيره الإسرائيلي بـ«صديقي العزيز» ويتبنى هدنة سحرية بين تل أبيب وحماس، تحولت خلالها الأخيرة إلى حمل وديع وبات خيار المقاومة والصمود كأن لم يكن! والآن تذكرت حماس مجددًا أن لديها حربًا مع إسرائيل وتواجه بصواريخها الصوتية أقوى ترسانة قتالية في المنطقة من دون أن نسمع أن إسرائيليًا جرح في إصبع قدمه الصغير أو قُتل قيادي من حماس! أكره التفكير بشكل تآمري، لكن ما سبق علامات استفهام تلح على ذهني مثل كثيرين غيري..
وما سبق كذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن الضمير الإنساني يقبل أو يبرر ما يتعرض له أهلنا في غزة من إبادة! القصد، أن الإدارة المصرية الحالية لديها ما يكفي من الهموم في الداخل، ولسنا في وضع يسمح بأن يزايد الآخرون علينا، كنا نتحمل ذلك في عصر مبارك لأننا نكرهه، ونعتقد أن البديل سوف يكون أكثر حزماً مع الإسرائيليين لكن فوجئنا أن من صدّعنا بشعار «على القدس رايحين شهداء بالملايين» لا يعنيهم في القدس سوى أصدقائهم في حكومة تل أبيب.. وفوجئنا كذلك أن جماعات مثل تلك التي تحمل اسم «بيت المقدس» تفجر مديريات الأمن، وتقتل الجنود الأبرياء في مصر بدلا من أن توجه سلاحها إلى من يحتلون بيت المقدس عمليًا...
ارجوكم توقفوا عن المزايدة علينا، ودعكم من شعاراتكم الرنانة التي تضخم في مصر حين تحتاجونها، وتقزمها وتسفه منها حين تستغنون عن خدماتها! أرى البعض ينتقد موقف الخارجية المصرية، على الرغم من أنها تقريباً الجهة الوحيدة التي اهتمت، ولكل الحق في موقفه، لكننا كمصريين نعاني كثيراً الآن، وفي أحلك الظروف التي مررنا بها منذ 30 يونيو 2013 لم نجد سوى عدد محدود من الدول العربية يساندنا، وتقر تلك الدول بشجاعة الكرام أنها تفعل ذلك لأن استقرار مصر ضمانة لاستقرارها، وأنا شخصيا كمصري لا أشعر بالامتنان الآن إلا لهذه الدول فقط! وخلاف ذلك اشعر بقهر وحزن شديدين تجاه ما يحدث في غزة، وأحتقر كل من يشمت أو يبرر جرائم الإسرائيليين، وأقول للطرف الآخر..
لا تُحمّلوا مصر أكثر مما تحتمل فهي تكاد تتحمل نفسها فقط الآن، وكفاكم مزايدة علينا ومتاجرة بجثث النساء والأطفال!