عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتى غلبت غضبى».
مبدأ الرحمة غلب الله عز وجل رحمته على غضبه، وجعل من أسمائه: الرحمن الرحيم، وأوجب على ذاته الرحمة فقال تعالى: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) (كتب على نفسه الرحمة)،
(ورحمتى وسعت كل شئ)، (نبئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم وأن عذابى هو العذاب الأليم)،
فقد تبين أن رحمة الله عز وجل قريب من العباد، وأنها هي الصفة التي أوجبها الحق على ذاته عز وجل، حتى جعل من أسمائه (الرحمن الرحيم): وهما اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شىء، وعمت كل حى، وكتبها للمتقين، المتبعين لأنبيائه ورسله، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فله نصيب منها. فالرحمن سبحانه ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم، وعمت الكافر والمؤمن، والصالح والطالح، أما الرحيم فخاص للمؤمنين كقوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيماً).
«لما قضى الله الخلق»، والقضاء هنا: بمعنى الإيجاد والإحكام والخلق والإتقان، كما قال تعالى:
(فقضاهن سبع سموات)، أي أوجدهن وخلقهن وأبدعهن.
«كتب في كتابه» أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ.
لا نعلم له كيفية، ولا موضعاً، لكننا نؤمن بأن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب.
وفى هذا الحديث دلالة على أن العرش مخلوق قبل القلم، ويؤيد ذلك ما رواه عمران بن الحصين أن أهل اليمن قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر، فقال: «كان الله ولم يكن شىء قبله، وكان العرش على الماء، وكتب في الذكر كل شىء وخلق السموات والأرض».
«إن رحمتى تسبق غضبى» والغضب هنا بمعنى: إرادة العاصى وخذلانه وإيصال العذاب إلى من يقع عليه.
والغضب هنا هو عقابه لعبده العاصى وخذلانه له.
ومعنى: «رحمتى تسبق غضبى» تقديم الرحمة على الغضب، وشمول الرحمة وكثرتها، ويتضح فضل الله عز وجل في هذا الحديث من أنه عز وجل يعطى الرحمة للعباد، وإن لم يستحقوها، ولا يغضب إلا إذا استحق العباد ذلك.