بعد رحلة طويلة من البحث عن مسجد «سادة قريش» استغرقت ساعة كاملة وصلت «عائشة» السيدة الباكستانية لتراه أشبه بزاوية احتلت مداخله بضاعة الباعة المتجولين، لا يدل عليه سوى لافتة أعلى باب المسجد تعلن عن بناء المسجد على يد عمرو بن العاص، وتجديده فى عهد الأمير مصطفى الكاشف سنة 102 هجريا.
سمعت «عائشة» عن هذا المسجد من مُعلمتها، وقرأت عنه فى الكتب التاريخية، واستغلت قدوم شهر رمضان لتستقل أول طائرة إلى مصر لتستمتع بالجو الروحانى وتتلو آيات القرآن الكريم داخل أول مسجد بنى فى مصر عام 18 هجريا.
خاضت «المصرى اليوم» جولة ما بين رائحة الماضى وبساطة البناء، وقدم الطراز المعمارى وروحانية المكان الذى بمجرد أن تطأ قدميك تعيش جوا مختلفا داخل مسجد «سادة قريش» بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، يأتيه الناس من كل مكان فى العالم، لافتة كبيرة تتصدر أحد جدران المسجد تتحدث عن تاريخ إنشاء المسجد بعد الفتح الإسلامى لمصر بقيادة عمرو بن العاص فى عام 18هجريا، والمعارك التى شهدتها جدران المسجد لأصحاب رسول الله، وبجواره دفن أربعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم هذه القيمة الأثرية للمسجد فإن ما يحيط المسجد يتناقض مع هذه القيمة الأثرية، فمدخله أغلقته بضاعة الباعة الجائلين، والذين ساهموا ليس فقط فى تشويه المسجد الأثرى بل طمس معالمه الأثرية، فبات أقرب إلى زاوية أكثر منه أول مسجد تاريخى فى مصر وأفريقيا.
عدد من السلالم تقودك إلى مسجد سادة قريش، وفى الداخل ترى أعمدة رخامية تعلوها طبقة من الخشب والرصاص للوقاية من الزلازل تختلف عن بعضها البعض، ورغم مرور مئات من السنوات إلا أنها مازالت صامدة وإن طالتها بعض عوامل التعرية، شاهدة على التاريخ، أربع نجفات فقط من النحاس تُزين سقف المسجد انطفأ بريقها لعدم العناية بها، وعدد من اللافتات لصقت على جدران المسجد تتحدث عن تاريخ المسجد الأثرى، يفتح المسجد أبوابه للمصلين والزائرين على مدار اليوم بدءا من السابعة صباحا وحتى انتهاء صلاة العشاء.
«الأجانب يفاجأون بالمظهر غير الحضارى للمسجد لذلك فهو يحتاج إلى نظرة من المسؤولين للحفاظ على الطابع الأثرى له».. هكذا تحدث عادل عبدالقادر عتمان إمام مسجد سادة قريش عن إهمال المسؤولين بوزارة الآثار للمسجد وقال: «مسجد سادة قريش يخضع لإشراف وزارة الأوقاف التى يقتصر دورها على العبادة والصلاة وإقامة الشعائر، ووزارة الآثار المختصة بترميم الجدران والحفاظ على الطابع الأثرى للمسجد، إلا أنه على أرض الواقع مسجد قريش يقع فى مستنقع للإهمال، فالمسجد فريسة للباعة المتجولين المفترشين ببضاعتهم مدخله والتى تعمل على إعاقة دخول المصلين، ولا نعرف إقامة الصلاة داخل المسجد بسبب الاشتباكات اليومية والمشاجرات بالأسلحة البيضاء بين البائعين طوال ساعات النهار فى ظل غياب أفراد الشرطة، والمسجد قائم على التبرعات من الأهالى بدءا من فرش أرضية المسجد وحتى حامل الأحذية، فمسجد قريش ليس له ميزانية خاصة به، لذلك يفاجأ الأجانب أو الوافدون من المحافظات الأخرى بالمظهر غير الحضارى عند زيارة المسجد للوهلة الأولى».
وحول تسمية المسجد بـ«سادة قريش» تحدث الشيخ عتمان عن تاريخ المسجد وقال: «كان المسجد يسمى سابقا بمسجد الشهداء لأنه شهد وفاة 250 مسلماً فى المعركة التى دارت بين المسلمين والرومان بقيادة عمرو بن العاص، وكان من بينهم 20 من صحابة الرسول تم دفنهم أسفل المسجد لذلك تم تغيير اسم المسجد إلى سادة قريش تكريما لشهداء المسلمين من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم».
غلق الساحة الخلفية من قبل وزارة الآثار بزعم وجود آثار بها تسبب فى تكدس المصلين داخل المسجد، ورغم تقدم المسؤولين عن إدارة المسجد بشكوى إلى هيئة الآثار لفتح الساحة للمصلين الى أن طلبهم يقابل بالرفض كما أكد عتمان وقال: «مساحة المسجد لا تكفى لضم جميع المصلين رغم وجود مساحة خلفية كبيرة تغلقها هيئة الآثار بحجة وجود آثار بها، ورغم أن مسجد سادة قريش أثرى إلا أنه لا يلقى اهتماما من وزارة الآثار، لأن اهتماماتها تتجه إلى المساجد الموجودة فى العاصمة فقط، وتقدمنا بأكثر من شكوى إلى المجلس الأعلى للآثار لاستغلال المساحة الخلفية للمصلين، لأن المسجد لا يسع جميع المصلين إلا أنه لم يستمع إلينا أحد».
لم يشهد مسجد قريش ترميما سوى مرة واحدة على يد رجل الأعمال محمود خميس عام 2005 كمجرد دعاية له فى انتخابات مجلس الشعب عن دائرة بلبيس والعاشر من رمضان، هذا ما أكده الشيخ عتمان قائلا: «طالبنا أكثر من مرة بإعادة ترميم المسجد للحفاظ على طابعه الأثرى، الا أنه لم يستمع لنا أحد وفى عام 2005 أثناء انتخابات مجلس الشعب قام رجل الأعمال محمود خميس بترميم جزء منه.
وأشار «عتمان» إلى وجود تقصير إعلامى، فلا يعلم الكثيرون أن مسجد سادة قريش أول مسجد أنشئ فى أفريقيا ومصر وليس مسجد عمرو بن العاص، فهناك «طمس» إعلامى بدلا من «تسليط» الضوء على المسجد الأثرى على حد قوله، وقال: «نريد تسليط الضوء على المسجد مثل باقى المساجد الأثرية فى وسائل الإعلام المختلفة، لأنه إذا عرف به الناس سوف يدر دخلا كبيرا فى خزانة الدولة، خاصة أن هناك لغطا يحدث بين الناس، وهناك من يعتقد أن مسجد عمرو بن العاص أول مسجد وليس سادة قريش».
يحرص سالم محمود الشاب الأربعينى على اصطحاب ابنيه للصلاة داخل مسجد «سادة قريش» ولو مرة واحدة فى شهر رمضان من كل عام على حد قوله، ورغم طول المسافة بين مدينة السلام التى يقطن بها سالم إلا أنه يرى متعة روحانية فى الصلاة داخل المسجد الأثرى وقال: «أحب الانتقال بين المساجد فى شهر رمضان الكريم، وسمعت عن تاريخ المسجد من أحد أقاربى فتمنيت زيارته مع أبنائى وبالفعل قمت بزيارته منذ أربع سنوات ومن وقتها أحرص على زيارة المسجد فى شهر رمضان من كل عام».