أكدت الدكتورة جليلة القاضي، مدير أبحاث مركز بحوث التنمية الفرنسي، أنه يجب على الدولة توفير مساكن فاخرة للفقراء، بدلاً من استمرار الاهتمام بإسكان الفئات الأكثر غنى.
وقالت، في حوارها، لـ«المصري اليوم»، إنه لم يكن من الضروري استحداث وزارة للتطوير الحضري، لأن صندوق تطوير العشوائيات قادر على القيام بدورها، ولفتت إلى أن سكان العشوائيات يمثلون نحو 16 مليون نسمة، لذا يجب تطوير هذه المناطق من خلال تضافر الجهود في المجتمع وليس باعتبار حل المشكلة أمراً في يد الدولة فقط، لأن الحكومات المتعاقبة منذ 1992 فشلت في إيجاد حل لهذه المشكلة.
وإلى نص الحوار:
■ ما الأسباب التي أدت إلى انتشار العشوائيات؟
- العشوائيات من المشكلات المعضلة، ومن أكثر القضايا إلحاحاً التي تحتاج إلى حلول، نظراً لما لها من انعكاسات اجتماعية، واقتصادية، وأمنية، لأنها تهدد أمن واستقرار المجتمع، والحكومات المتعاقبة حاولت على مدار السنوات الماضية حلها، لكن دون جدوى، وإن بناء العشوائيات وفشل السلطات المتعاقبة مستمر في وقف نموها منذ عام 1993.
■ ما العوامل التي تسببت في نموها بالمحافظات؟
- العوامل كثيرة ومتعددة، إلا أنه يمكن القول بأن هناك عوامل خاصة بسياسات الدولة ذاتها، وعوامل أخرى ناتجة عن المبادرات والحلول الخاطئة من جانب الأفراد، لعدم توافر مسكن، أو مأوى لهم، حيث يقومون بالبناء على أملاك الدولة، والأراضى غير المخططة في المدن، والتعديات على الأراضى الزراعية في الدلتا والوجه البحرى، لتوفير مسكن لهم في ظل تخلى الحكومة عنهم.
■ هل تعتقدين أن ثورة 25 يناير ساهمت بشكل أو بآخر في زيادة المناطق العشوائية؟
- بالتأكيد نعم، حالة الفراغ الأمنى انتشرت في جميع المحافظات عقب اندلاع ثورة 25 يناير، وهذا بالطبع ساعد المخالفين في التوسع في إنشاء المبانى المخالفة لتحقيق تجارة رابحة، فالإحصائيات الرسمية تشير إلى أنه تم تآكل نحو 2 مليون فدان خلال السنوات الماضية، بواقع 36 ألف فدان سنوياً من أجود الأراضى الزراعية في الوجه البحرى والدلتا.
■ ماذا تقصدين بسياسات الدولة؟
- في السنوات الأخيرة، اهتمت الحكومة فقط بالإسكان الفاخر «الفيلل» المنتجعات السياسية. هذا لم يكن موجودا من قبل، فيجب على الحكومة توفير إسكان فاخر للفقراء وأقل سعرا بعدما تجاهلت هذا مدة طويلة.
■ هل كان للقطاع الخاص دور في تلك الفترة؟
- الحكومة ظلت تقوم بدورها على أكمل وجه، لكن القطاع الخاص ظهر في فترة قريبة جداً عندما تخلت الحكومة عن الإسكان الاجتماعى مع زيادة السكان، وهجرة أبناء الريف للعاصمة، بحثاً عن فرص عمل، ما أدى إلى ازدياد الطلب على الإسكان، وقد سعت الحكومة خلال تلك الفترة إلى التعامل مع مسألة الإسكان من خلال عدة برامج أو محاور أهمها وضع برنامج ضخم لإسكان الفئات محدودة الدخل يتركز في محافظتى القاهرة والإسكندرية.
■ من المسؤول عن ذلك؟
- المسؤولية مشتركة بين المواطن والحكومة، ولكن الحكومة تتحمل الجانب الأكبر في المسؤولية، لأنها تمتلك السلطة التنفيذية، ولديها حلول تستطيع من خلالها القضاء على العشوائيات في مهدها، من خلال التوسع في التخطيط العمرانى للمدن الجديدة، والاهتمام بمشروعات الإسكان الشعبى الذي يستوعب أعدادا كبيرة من المواطنين، وتوفير فرص عمل للشاب في الريف لوقف الهجرة إلى المدن.
■ كم يبلغ عدد سكان العشوائيات حالياً؟
- طبقاً للإحصائيات الرسمية سكان العشوائيات يمثلون نحو 16 مليون مواطن، ولابد من تضافرالجهود بين جميع الجهات المعنية، لتطويرها بالكامل، ليس عمرانيا، ولكن أيضا اجتماعيا، وإنسانيا، فالعشوائيات تفاقمت في بعض المناطق في القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية.
■ لماذا يتهم المجتمع والحكومة سكان العشوائيات بالبلطجة والإرهاب؟
- أنا ضد إطلاق كلمة «بلطجة» على ساكنى المناطق العشوائية، لأنهم مواطنون مصريون لهم حقوق، وعليهم واجبات، ولكن للأسف الشديد المناطق العشوائية نشأت في غياب التخطيط العام، وخروجاً عن القانون وتعدياً على أملاك الدولة؛ لذا تم حرمان سكانها في الماضى من الحد الأدنى اللازم للمعيشة؛ ما تسبب في انتشار الأمراض المتوطنة، وتفشى الجهل، والأمية، وتنتشر جميع أنواع الجريمة بها، وتتوطن بها الفئات الخارجة على القانون، وبذلك تصبح مصدرا للعنف والإرهاب، ولكن قبل التطوير المعمارى أو الهندسى يجب التطوير النفسى والبدنى والتعليمى والصحى.
■ هل تعقدين أن وزارة العشوائيات والتطوير الحضارى ستنجح في مهمتها؟
- لا أهتم بالأسماء، ولكن الأهم أن يكون هناك تطوير حقيقى على أرض الواقع، والرئيس السابق مبارك وعى هذا الكلام جيداً، وأصدر قراراً جمهورياً عام 92 بإنشاء صندوق لتطوير العشوائيات، وهذا الصندوق له ميزانية محددة سنويا لا تكفى لتطوير جميع المناطق العشوائية، وفى حكومة محلب الثانية تم استحداث تلك الوزارة، ومن وجهة نظرى أنها وزارة لا تسمن ولا تغنى من جوع، وأنها تعد إهدارا للمال العام، بمعنى أن ما كان يقوم به الصندوق في السابق، تقوم به الوزارة في الحالى، بل إن الصندوق قادر على القيام بدورها وإنه الأفضل لأنه ضم في عضويته عددا كبيرا من الوزراء المعنيين بالعشوائيات، وأذكر فقط أن الحكومة الأولى لمحلب رصدت 7 مليارات جنيه لتطوير 45 منطقة عشوائية في القاهرة والجيزة من موازنة الصندوق والجهات المختلفة.
■ لماذا تحمّلين الحكومة وحدها قضية العشوائيات وتتجاهلين دورمنظمات المجتمع المدنى؟
- العشوائيات قضية مجتمع، وليست قضية الحكومة وحدها، وأريد هنا أن أشير إلى دور المجتمع المدنى، فوكالة التعاون الإنمائى الألمانى «جى آى زد» أطلقت النداء الأول لمنظمات المجتمع المدنى، لتطوير 4 مناطق عشوائية في القاهرة والجيزة، تصل تكلفتها 1.5 مليون يورو، وهى مناطق عين شمس وعزبة النصر، في محافظة القاهرة، والوراق ومساكن جزيرة الذهب في محافظة الجيزة، وتستهدف أكثر من مليون نسمة من سكان هذه المناطق، وتصل القيمة الإجمالية لمراحل التطوير 20 مليون يورو.