عيون تذرف بالدمع وألسنة تلهج بالدعاء وقلوب تخشع لله وأياد ترتفع ترجو غفرانه.. هذه هى مشاهد المصلون فى الجامع الأزهر فى أول رمضان لهم بعد عودة الجامع ذى الألف عام إلى حضن مشيخة الأزهر.
وسط أجواء إيمانية وروحانية يحيى الآلاف من المسلمين، ليالى رمضان المبارك، مؤدين صلاة العشاء، ثم صلاة التراويح خلف أئمة وشيوخ مسجد الجامع الأزهر واكتظت الساحة بالمصلين ففور فراغ المصلين من أداء فريضة العشاء يُنادى الأمام «صلاة القيام آثابكم الله»، ليصطفوا خلفه فى صلاة يطول انتظارها لعام كامل، ولا يقتصر الأمر على الرجال فقط، بل تحرص عشرات النساء على الذهاب للمسجد لآداء «التراويح»، كما يصطحب بعض المصلين أبناءهم للاستمتاع بروحانيات الشهر الكريم.
يبدأ اليوم الرمضانى بإقامة شعائر صلاة الفجر تتبعها حلقات علمية حتى الصباح الباكر بمتابعة من الدكتور سمير المعراج مدير إدارة الجامع ثم تتوالى حلقات الذكر والعلم حتى الظهيرة ويجلس الطلاب والمريدون حول أعمدة الجامع يتلون آيات الذكر الحكيم ثم تبدأ مع قرب غروب الشمس أصوات النحل «شيوخ الجامع » تدوى فى الاستراحة استعدادا لصلاة القيام فها هو الشيخ محمد زكى أمين عام مجمع البحوث الإسلامية يفد مبكرا للاطمئنان على الشيوخ وتوجيههم لحسن التلاوة والتأكد من أحكام التجويد ومخارج الحروف متفقدا أعمال النظافة ونثر الروائح الطيبة فى جميع أنحاء وأركان الجامع ثم يجلس مع الشيوخ الذين أحكموا الحفظ والتجويد وزينوا أصواتهم للمصلين، ليظهر أئمة الجامع الشيخ طه أبوسبعه والشيخ محمد رشاد والشيخ محمد فوزى والشيخ هانى سعد فى زيهم الأزهرى متوجهين إلى محراب الجامع يبدأ أحدهم بصلاة العشاء ثم يستكمل الآخر بعده إلى أن يتم الانتهاء من صلاة عشرين ركعة تتخللها الكلمات الطيبة لأمين عام مجمع البحوث الإسلامية ويصطف المصلون خلف أئمة الجامع ما بين المسجد وصحن الجامع وترفع أكف الضراعة إلى الله سائلة الرحمة والمغفرة والعتق من النار هذه الوجوه التى تعددت أشكالها وتنوعت بلادها فالأفريقى بجوار الآسيوى مصاحبا الأوروبى وكأن العالم الإسلامى والغربى قد اجتمع فى الجامع الأزهر.
يقول الدكتور سمير المعراج، مدير إدارة الجامع الأزهر، أن الجامع يحظى بدعم كبير ومتابعة مستمرة من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر والدكتور محمد مهنى مستشار شيخ الأزهر والشيخ مؤمن متولى، الأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر، والشيخ سعيد عامر، أمين اللجنة العليا للدعوة الإسلامية ومتابعة الشيخ محمد زكى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية للاطمئنان على حسن سيرالعمل وبفضل هذه الجهود التى ظهر أثرها فى تأمين الجامع وتنظيفه ونثر الروائح الطيبة فيه وتعيين شيوخ يتميزون بالأصوات العذبة ليصطف جموع المصلين من شتى بقاع الأرض خلف أئمة الجامع الأزهر الذى يعد من المزارات المهمة للمصريين والعرب ودول شرق آسيا فى شهر رمضان، كونه أول جامع أنشئ فى مدينة القاهرة الفاطمية، عندما شيده جوهر الصقلى باسم الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى عام 972م، وجاءت تسميته فى عصر العزيز بالله الفاطمى نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها وأرضاها.
ويضيف حسام شاكر، المنسق الإعلامى لجامعة الأزهر، هذا العام مختلف عن غيره بالنسبة للجامع الأزهر لأنه يحظى بإشراف من مشيخة الأزهر الشريف وإقبال غير مسبوق من الوافدين وطلاب العلم ولا عجب أن ترى الشيوخ يقرأون وأصواتهم تدوى كدوى النحل فى هذا الشهر الكريم لأن الجامع الأزهر هو المسجد العتيق، الذى عمر النفوس بالإيمان وهداها سواء السبيل، وقاد الأمة وصنع العلماء وربى المجاهدين، منذ أكثر من ألف سنة، وهو الذى تغنى به أمير الشعراء أحمد شوقى قائلا: قم فى فم الدنيا وحيى الأزهرا.. وانثر على سمع الزمان الجوهرا وكان هذا الجامع بمثابة القائد الحقيقى للشعب المصرى فى سعيه نحو الحرية على مر العصور، والذى انطلقت منه ثورات المصريين.
حيث يعد جامع الأزهر الشريف أول جامعة إسلامية فى العالم الإسلامى بأسرها، وقد تمت العناية به ولقى من الاهتمام والإصلاح ليتلاءم مع وظيفته الإسلامية الكبرى كأكبر مسجد فى هذه المنطقة الشاسعة، وكجامعة علمية دينية تعتبر أول منارة إسلامية فى العالم كله وبفضل جهود القائمين عليه رأينا هذا العام صفوفا متراصة خاشعة رجالا ونساء.. أطفال وشباب وعجائز يتحاملون على أنفسهم ليضيئوا القلوب الصائمة بنور التبتل لرب العباد داخل أروقة الجامع ووسط صحنه العامر بالمصلين.