وكان حسن البنا يدرك بحاسته أن فى أخيه تميز «الرسالة» الذى توفر له ولأبيه، وكان هذا سر تقريبه رغم الاختلاف الذى أدى للترابط لا التنافر، وقد ألمح حسن البنا لشقيقه الصغير برغبته فى أن يعمل معه فى مناسبتين، كانت الأولى عندما دار حديث عن علاقة رشيد رضا بالشيخ محمد عبده ثم علاقته بابن عمه الذى كان يحمل اسم «عاصم» ويتولى إدارة أعماله، ولكن جمال البنا صمت فلم يكن يستطيع إعلان رفضه هذه الثقة كما أنه لا يستطيع القبول. وأدرك حسن البنا بفراسته ذلك فغير الحديث، أما المرة الثانية فكانت حينما ألقى البوليس القبض على جمال البنا وبعض أعضاء الحزب الذى أسسه جمال البنا فى ١٩٤٦ وهو حزب العمل الوطنى الاجتماعى حينما قاموا بتوزيع منشورات عن ذكرى ضرب الأسطول البريطانى للإسكندرية.
وأرسل حسن البنا أحد أعوانه إلى سليم زكى حكمدار القاهرة الذى أصدر قراراً فورياً بالإفراج عن جمال، فلما عاد إليه قال له حسن البنا: «أنت تكدح فى أرض صخرية صلبة، ونحن لدينا حدائق تثمر أشجارها فواكه تتساقط وتحتاج لمن يلتقطها»، ورد جمال البنا قائلاً: «إن فواكه الإخوان ليست هى الثمار التى أريدها»، ولم يتأثر حسن بهذا الرد، لكنه نصح شقيقه بتغيير اسم حزبه من «حزب» إلى «جماعة» حتى لا يصطدم الحزب الناشئ بالحكومة، وهذا ما أخذ به جمال وكان حسن البنا مهموماً بشقيقه الأصغر من منطلق المسؤولية، فحين كان يلمس أن الحياة ضاقت به لبطالته الإرادية كان يكل إليه أعمالا يعرف أنه يقبلها مثل إدارة مطبعة الإخوان وكان آخر منصب عهد به إليه هو سكرتارية تحرير مجلة الشهاب التى يرأس حسن تحريرها.
وقد استفاد جمال البنا من شقيقه الكثير فقد أعجب برسالية الإمام، ولكونه قائداً نموذجياً يخضع نفسه لمقتضيات مسؤولية قيادة الجماعة، كما كان الإمام متقشفاً كوالده كما كانت فيه كياسة ولطف وأدب وذوق ونوع من مصانعة الناس، ويخاطبهم على قدر عقولهم مراعياً الكثير من الاعتبارات، وقد أخذ جمال الكثير من هذا.
كما كان الدرس الذى استفاده «جمال» من أخيه فى أيامه الأخيرة له فى صحبة الإمام أن الداعية إما أن يكون منظماً أو منظراً، وأن الجمع بين الاثنين حتماً يبوء بالفشل أو إغفال أحدهما لصالح الآخر، لكن الإمام البنا كان منظماً موهوباً وفريداً فيما كان جمال منظراً. وانتهت علاقة جمال بشقيقه عندما اعتقل جمال فى ٨ ديسمبر ١٩٤٨وظل بالمعتقل حتى سنة ١٩٥٠ فلم يحضر الأيام المأساوية الأخيرة لشقيقه ولا كيف استشهد ولا كيف خرجت جنازته لا يسير معها إلا الوالد وسيدات الأسرة، فقد كان مسجوناً فى الطور عندما وقعت هذه الأحداث.