سيظل يوم 30 يونيو محفوراً فى الوجدان ومعبراً عن انتفاضة المصريين ضد تنظيم استباح الدم والوطن كى يظل فى السلطة أبداً ودوماً. صحيح أن الحال اليوم ليس بعظيم، فالبلد غير مستقر سياسياً ووضعه الاقتصادى سيئ، ولكن على الرغم من ذلك، نعتقد أنه لولا تمرد المصريين لتحولت بلادنا إلى جحيم وحياتنا إلى مصير أشد سواداً. وقناعتنا هنا هى أن سقوط الإخوان المدوى فى 30 يونيو لابد أن يعطى لأى نظام سياسى بشكل عام، وللنظام الحالى بشكل خاص، درسًا مهمًا عليه أن يعيه إن أراد النجاح.
لم ينته النظام الإخوانى فقط لأنه كان سلطوياً متمسحا بالدين، بل لأنه فشل فى صياغة عقد أو اتفاق جديد بينه وبين كل من المجتمع ومؤسسات الدولة، فثارت الناس ضده وتدخلت المؤسسة العسكرية لإعلان موته الإكلينيكى. بمعنى آخر، انتهى حكم الجماعة ليس فقط لأنها سعت إلى فرض هيمنتها على مؤسسات الدولة والسيطرة عليها لحسابها بدلا من الشروع فى إصلاحها، بل أيضا لأنه قبيل 30 يونيو لم يكن فى جعبتها أى حليف سياسى أو اجتماعى يعضد مواقفها. فبدلا من أن يستميل الإخوان القوى السياسية المؤيدة للإصلاح فى صفهم أقصوها، وبدلا من أن يسعوا إلى التغيير من الأصل سعوا إلى «التمكين» فحسب.
واليوم، يحظى النظام الحالى بعكس سابقه بدعم شعبى أوفر وتأييد أعلى من مؤسسات الدولة، ولكنه لايزال من ناحية، يرزح تحت إرث مبارك الثقيل: أجهزة دولة مترهلة لا كفاءة لها، واقتصاد منهار وبحاجة إلى هيكلة مؤلمة. ومن ناحية أخرى، هو لايزال غير قادر (أو راغب) فى بناء تحالف واضح بينه وبين القوى الراغبة فى الإصلاح. والحقيقة هى أن المعادلة باتت معروفة كى لا نقول مجربة: لن ينجح النظام لو لم يجر إصلاحات اقتصادية ومؤسسية جراحية، لكنه فى الوقت نفسه لن يكون بأى حال قادرا على إعمال هذه الإصلاحات ذاتها لو آثر الانحياز لشبكات المصالح القديمة على حساب القوى المجتمعية الإصلاحية.
فلنتصارح إذن، فى ذكرى 30 يونيو، يحتاج النظام الجديد أن يكون أكثر جرأة وحسما فى توجهاته، وبالتالى فى اختيار حلفائه وناصحيه. كيف تُصنع القرارات السياسية فى الدولة الآن؟ ومن يصنعها؟ لا نعرف. نعم، لابد أن ينهض البلد، لكنه لن يقوم لو استدعينا بشكل حصرى المنطق الأمنى فى حل المشكلات الاجتماعية المتفاقمة، كما لن ينطلق لو أقصينا كل مخالف فى الرأى وعشنا فى إطار بالونة دعم وهمية. فلو أراد النظام جذب الكوادر والكفاءات السياسية فلا مفر له من بناء شراكة جديدة قائمة على تغليب الرؤية السياسية على المنظور الأمنى الضيق.